يدور مفهوم أدب الطفل حول الطفل نفسه، إذ يرتبط به ويشق اسمه منه، فهو الموضوع الذي يقوم عليه والميدان الذي يبحث فيه ومن متطلباته يستخرج أدواته المعرفية، وعليه تقوم دراسته التربوية والجمالية أي أنّ أدب الطفل هو دراسة للطفل في ذاته ومن أجل ذاته، فهو وسيط تربوي يتيح الفرصة أمام الأطفال المعرفة الإجابات عن أسئلتهم، واستفساراتهم ومحاولات الاستكشاف و استخدام الخيال وتقبل الخبرات الجديدة التي يكسبها أدب الأطفال، ويتيح كذلك الفرصة أمام الأطفال لتحقيق الثقة بالنفس وروح المخاطرة في مواصلة البحث والكشف، وحبّ الاستطلاع والدافع للإنجاز الذي يدفع إلى المخاطرة العلمية المحسوبة، من أجل الإكتشاف والتحرير من الأساليب المعتادة للتفكير والاستكشاف من أجل مزيد من المعرفة.
اختلف النقاد في مفهوم أدب الطفل، وخاصة النتاج الأدبي المرتبط بكل مرحلة من مراحله العمرية، فالعلاقة بينهما طردية فكلما تقدمت المرحلة العمرية لدى الطفل زادت الجمالية في العمل الأدبي وزاد الإقبال عليه وتقبله أكثر، وكلما كانت المرحلة العمرية أقل كان التركيز على جذب المتلقي الصّغير بطرق إبداعية أخرى تركز بشكل أكبر على الصورة التي تنطق بدل الكلمات، فأدب الطفل ينحصر في ذلك الأدب الذي يتوّجه للأطفال ويخاطبهم ويتجاوب مع قدراتهم بكل أساليبه وأشكاله ومواضيعه ولغته، على أن يأخذ بعين الاعتبار مسألة التدرّج في مستويات السنّ لدى الأطفال واختلاف توجّهاتهم وقدراتهم، وتباينها بين سنّ وآخر وبين مرحلة وأخرى، وغير ذلك من الخصائص التي يتطلّب من أدب الأطفال النظر إليها والأخذ بها في توجّهاته لمخاطبة الأطفال.
وينضوي تحت مفهوم أدب الطفل كل ما يرتبط بالمادة المقدّمة له خصيصا، بمختلف أشكالها، سواء كانت بصورة مكتوبة أو منطوقة أو مرئية، وتتوفر فيها معايير الأدب الجيّد، وتراعي خصائص نمو الأطفال وحاجاتهم، وتتّفق مع ميولهم واستعدادهم، وتُسهم في بناء الأطر المعرفية الثقافية والعاطفية والقيمية والسلوكية الهاربة، وصولا إلى بناء شخصية سوية ومتّزنة تتأثر بالمجتمع الذي تعيش فيه وتؤثر فيه تأثيرا إيجابيا.
وتتسع دائرة مفهوم أدب الطفل، وتجمع كل الأعمال الفنية التي تنتقل إلى الأطفال عن طريق وسائل الاتصال المختلفة، والتي تشمل على أفكار وأخيلة وتعبّر عن أحاسيس ومشاعر تتّفق مع مستويات نموهم المختلفة، أي أنه في معناه العام يشمل كل ما يقدّم للأطفال في طفولتهم من مواد تجسّد المعاني والأفكار والمشاعر، كما يمكن أن يندرج ضمن مفهوم أدب الطفل المادة الإبداعية التي تقدّمها الروضة والمدرسة، وما يقدّم إليهم شفاها في نطاق الأسرة والحضانة ما دامت مقوّمات الأدب بادية فيه، فأدب الأطفال لا يعني مجرّد القصة أو الحكاية النثرية أو الشعرية أو القصص الشعبية أو القصائد الشعبية أو كتب المعلومات، وإنما يشمل المعارف الإنسانية كلها..حيث يسعى أدب الأطفال إلى تحقيق أهداف كثيرة ويهدف إلى بناء شخصية الطفل من خلال معايشة خصوصياته العاطفية ومعاينة أفكاره الخيالية، لينمي فيه روح الإبداع والحسّ الجمالي فضلا عن تمكينه من اكتساب مهارات عديدة، والتي نورد البعض منها:
1- تمكين الأطفال من إتمام عمليتي التعليم والتعلّم، وإكسابهم كثيرا من المهارات التي تمكّنهم من إتمام عمليات التعلّم في مجالاته المتعدّدة بسهولة ويسر.
2- ترقية السلوك، وبثّ الأخلاق الفاضلة ممّا يساعد على خلق شخصية مسلمة قوية متمسّكة بمبادئ دينها وتعاليمه.
3- تنمية الخيال وتشجيع الإبداع للطفل وهو في حالة تلقٍّ للأدب، يعيش ألوانا من الأخيلة الموجبة لاتساع الأفق، وتعميق الأحاسيس ومدركات الحواس، فهو مع الأدب في حالة وجد ونزوع وخيال رشيد.
4- تنمية التذوّق والشعور بجمال الأدب يخلق في عالم الطفل توجّهات نحو الجمال، ويبرز القدرات المتنوعة ويكشف عن القدرة الإبداعية.
5- البناء السوي والمتوازن للشخصية: يحقّق الأدب المقدّم للأطفال، قيمة نفسية تعمل على توازن الشخصية ويشجع على العمل المنتج، فما أكثر هؤلاء الأطفال الذين حفّزتهم قصيدة شعرية أو نشيد متغنى به، أو شدّت انتباههم حكاية شعبية أو حثهم على تمثيل القيم الإنسانية قصة محكمة البناء.
تخلق رحلة الطفل خلال مراحل نموه برفقة الأدب، نوعا من الصلة بين الجمال والإحساس به، ويمكن أن نلمس أثر ذلك على الطفل الذي تعود على سماع الأدب أو مشاهدته أو قراءته، حيث يكون عادة في أتم صحته النفسية وأكمل درجات نضجه وأفضل حالاته الوجدانية والذهنية، وهذا كله صدى للحسن الذوقي الذي نما لديه أثر ارتباطه الدائم بالتذوّق الأدبي.
تتشعّب قضية الكتابة للطفل العربي والشروط الواجب توفرها فيمن يكتب للطفل، ومدى إدراكه للمهمة التي على عاتقه، فكل كلمة يكتبها تحمل مسؤولية كبيرة، لذا تعد الكتابة للطفل أصعب أنواع الكتابة على الإطلاق، فعلى الكاتب أن يلم أو على الأقل أن يكون على دراية بالجوانب النفسية والتربوية واللغوية والمعرفية.. إلخ، حتى يلج هذا العالم، ويجب على من يكتب للطفل أن يأخذ على عاتقه معايير تقدير النص الأدبي الذي يجب أن يتقيد بالمعايير التالية:
1- أن يكون النص الموجّه للأطفال مكتوبا إليهم في الأساس وليس عنهم، أو يكون مبسّطا بإعادة المعالجة من أدب الكبار، أو من التراث الأدبي أو الإنساني.
2- أن تكون لغة النص فصحى ميسّرة خالية من التعقيد اللّفظي، سهلة وقليلة الجمل القصيرة، والفقرات أو الأبيات مختصرة والبحور مجزوءة وموقعة التنغيم.
3- تبسيط العناصر الفنية الدرامية، والابتعاد عن التعقيد الفنّي والسّرد المطوّل، والخيال المركّب.
4- عند كتابة النص يجب مراعاة عقل و إدراك الطفل، فالنص يجب أن يتّفق و (خصائص) عمر الطفل النمائية المألوفة، فلكل مرحلة طفولة مادتها الأدبية.
5- تضمين المادة الأدبية “القيم” و«المعارف” و«الوجدانيات” في قوالب الأنواع الأدبية، وهي كافية لسدّ احتياجات مراحل الطفولة والمادة العلمية في كتب العلوم والمعرفة، يمكن بثها على سبيل المثال من خلال تقديم (سيرة موجزة لحياة مكتشف أو مخترع أو عالم).
6- الابتعاد عن الأساطير غير المنظمة وعن تقديم الشخصيات أو الأفكار الخارقة المألوفة، خاصة في أنماط العنف والجريمة واللاواقعية.
7- الابتعاد عن بث الأفكار العنصرية أو العرقية أو العدائية أو ما يُشعر الأطفال بالدونية.
8- الابتعاد عن الأفكار السطحية الساذجة أو الاستغراق مع المثير الأجنبي الوافد.
9- عدم إهمال الوظيفة الترويحية شأنها شأن الوظائف الأخلاقية والفنية والجمالية والتربوية المقصودة من أدب الطفل.
10- تنمية ما يصدر عن الطفل من محاولات إبداعية (الطفل مبدعا)، وفقا لقاموسه اللغوي أو خياله أو أفكاره، وذلك برعايته وتحفيزه.
فعلى الكاتب أن يلمّ، أو على الأقل، أن يكون على دراية بالجوانب النفسية والتربوية واللغوية والمعرفية التي يقوم عليها أدب الأطفال في الوطن العربي، والتي يجب أن ترتكز على الأسس المعرفية الخاصة بجمهور الأطفال، والتي من بينها ما يلي:
1- إنّ أدب الأطفال يجب أن يساهم في إعداد الطفل إعدادا إيجابيا في المجتمع، بحيث يأخذ مكانه ويشقّ طريقه، ويعرف دوره ويكون مستعدا لتحمل مسؤولياته الاجتماعية.
2- يجب أن يقوي أدب الأطفال الالتزام بالنظام وإتباع الأنماط السلوكية المبنية على الحبّ والعدول والمساواة والخير للجميع.
-3- يجب أن يخلق أدب الأطفال روح التضامن والتعاون بين الأطفال لتحلّ محلّ الحقد والكراهية، حيث أنّ التعاون هو مفتاح تقدم المجتمع ورفاهيته.
4- يجب أن يوقظ أدب الأطفال في الطفل مواهبه واستعداداته، ويقوي فيه ميوله وطموحاته، وينتهي به إلى الشغف بالقراءة، والمثابرة عليها.
5- يجب أن يكتب أدب الأطفال بلغة تكون في مستواهم بحيث يتذوّقونه، ويفهمونه في يسر ودون مشقّة أو عناء.
6- يجب على أدب الأطفال أن يثري الأطفال بثروة لغوية، وأن يكتب بلغة عربية فصحى سهلة، حيث أنّ أغلى وأثمن ما يمكن أن يتحصل عليه الأطفال في سنوات عمرهم هو لغتهم القومية.
7- يجب أن يفتح أدب الأطفال أبواب التفكير والابتكار والإبداع للأطفال العرب بدل الاعتماد على التقليد الأعمى، ويجب أن تكون المعلومات المقدمة للأطفال، معلومات تدفع بهم إلى التفكير. وكذلك فإنّ هذا التفكير يجب أن يكون واسع النطاق لا ضيّقا ومحدودا.
8- يجب أن يقوي أدب الأطفال في الطفل العربي اعتزازه بوطنه، وأمته، ودينه، وأن يهيئه للمساهمة في بناء الوطن، وتعريفه بالقيم الإنسانية، والقيم الحضارية الخالدة لأمته الإسلامية العربية.
9- يجب أن يوظف أدب الأطفال لبعث التراث العربي الإسلامي عن طريق تعريف الأطفال بالنواحي المشرقة، والإيجابية من تاريخ أمتهم المجيدة.
سيقف البحث عند نوعين من أنواع الكتابة في أدب الأطفال، واللذين أخذا حيّزا واسعا من اهتمام النقاد بحكم أنهما من أكثر الأنواع تأثيرا على وجدان الطفل، وتهذيب ذوقه، وشدّ انتباهه.
القصة المكتوبة للأطفال:
تتنوّع أشكال الكتابة في أدب الأطفال، وتأتي القصة في طليعتها لما تتّسم به من وضوح، وقوة، وجمال من خلال الألفاظ البسيطة، والمألوفة، والجمل الواضحة والقصيرة، والتي تعد شكلا من أشكال التعبير الأدبي، له قواعده ومناهجه، سواء منها ما يتّصل بلغته، وتوافقها مع قاموس الطفل ومع الحصيلة الأسلوبية للسنّ التي يؤلف لها، أو ما يتّصل بمضمونه ومناسبته لكل مرحلة من مراحل الطفولة، أو ما يتّصل بقضايا الذوق، وطرائق التكنيك في صوغ القصة، أو في الحكاية للقصة المسموعة.
يلزم كاتب القصة للأطفال أن يأخذ بعين الاعتبار المراحل العمرية للطفل، وما تحمله من خصائص ومميّزات، لذا لابد للكاتب من اختيار الأسلوب المناسب الذي يتّفق مع مستوى الأطفال، وقدراتهم وخبراتهم وهو بحاجة إلى التعرّف على قاموس الأطفال في كل سنّ من سنوات عمرهم لاستخدام ألفاظه فيما يكتبه لهم، بل لمعرفة ما ينبغي إضافته لهذا القاموس من المفردات والألفاظ التي يحسن التعرف عليها من قبلهم، أو إضافتها لقاموسهم وخبراتهم، فعلماء النفس يقسّمون الطفولة إلى مراحل مختلفة تتمايز عن غيرها، وهي:
1- مرحلة الطفولة المبكّرة أو (مرحلة الخيال الابهامي) من (3-5) سنوات تقريباً.
2- مرحلة الطفولة المتوسّطة أو (مرحلة الخيال السر) وتمتد من (6-8) سنوات.
3- مرحلة الطفولة المتأخّرة أو (مرحلة المغامرة والبطولة) وتمتد ما بين سن (9-12) سنة تقريباً.
4- مرحلة اليقظة الجنسية وتمتد ما بين سن (12-18) سنة تقريباً.
تعدّد الإسهام العربي في مجال قصص الأطفال، منذ أن أدخل رفاعة الطهطاوي قراءة القصص والحكايات في المنهج الدراسي معتمدًا على الترجمة، ثم مضت القصة على أيدي محمد عثمان جلال العيون اليواقظ في الحكم والأمثال والمواعظ، وإبراهيم العربي وشوقي وكامل كيلاني، وسعيد العربان والهراوى، ومحمد محمود رضوان وأمثالهم، حتى تعدّدت إسهامات الكتاب على نحو يفوق الحصر، كما برز كثير من الكتاب الجزائريّين أمثال مصطفى محمد الغماري، محمد الصالح، ومحمد سراج.
وقد فرض أفلاطون رقابة خاصة على أدب الأطفال وخاصة على مؤلفي القصص، حيث يقول في جمهوريته المثالية: سنقوم بفرض رقابة على مؤلفي القصص من هذا النوع، وسنطلب من الأمهات، والمربيات أن يقصصن على الأطفال الحكايات المسموح بها من أجل صياغة العقول بواسطتها، وقصص الأطفال أنواع منها: القصص الشعبية، قصص الخيال، قصص الحيوان، قصص المغامرات، القصص العلمية، القصص الفكاهية، القصص الدينية.. إلخ.
ويجب أن يتوفّر في أسلوب كتابة قصة أدب الأطفال إختيار الألفاظ الرقيقة، والخفيفة على سمع أذن الطفل، وأن يغترف من قاموس الطفل اللغوي المناسب لكل المراحل العمرية، وفي ذلك يراعي كتاب قصص الأطفال الجملة ونوعها، وطولها وقصرها، والألفاظ المناسبة لسنّ الطفل ومعجمه إدراكا منهم لأهمية القصة، وتأثيرها عليه وما تحمله من مقوّمات مختلفة. ولكل مرحلة سنية معجمها وألفاظها الشائعة والدرجة القرائية المناسبة لها، وهو ما يراعيه الكاتب فيما يكتب.
وهذا نموذج من القصص التي يمكن أن تقدّم للأطفال:
قصة بعنوان: الضفدع
يحكى أنّ ضفدعا صغيرا كان يحيا في مملكة الضفادع، وكان يحلو له مراقبة الصباح وهو يخرج رويدا رويدا من قلب الليل، فيقفز هنا وهناك على ورقة الشجر، يدور معها على صفحة الماء ويظل هكذا إلى أن تشرق الشمس فيجيبها بصوته: نق.. نق.. نق...
كان هذا الضفدع الصغير يقود زملاءه دعدع، وضفدوع وفيفي.. في كل الحفلات التي يقومون بها، حتى أطلقوا عليه قائد الأوركسترا.
ذات يوم من الأيام، كان أحد الطيور يبحث عن مكان لا تكسوه الثلوج لكي يقضي فيه الشتاء، فلم يجد أمامه سوى هذه الجزيرة التي وصل إليها منهكا، كانت جزيرة دافئة حقا جعلته يطمئن للأيام الجميلة القادمة، ما كاد يحط على إحدى الأشجار حتى غرق في النوم.
قبل أن ينتشر نور الصباح، كان قد استيقظ بحثا عن أي شيء يقيه من الجوع، فوجد الثمار التي أشبعته، وماء البحيرة الذي روى عطشه، فانطلق بعدها مغرّدا.
لفت صوت العصفور نظر الضفدع وأصدقائه، وتساءلوا عن مصدره؟! اندفع ضفدوع بسرعة، وقال: ليس جميلا على أية حال. ردّدت بقية الضفادع نفس الكلمة واندفعوا يردّدون معا نق.. نق .. نق أي ما أجمل صوتنا نحن.
الضفدع الفنان غرق في صمته وجلس بعيدا يفكّر، تردّدَ الصوت مرة أخرى، ولكن كان أقوى في هذه المرة. فهمس الضفدع وقال: يا له من صوت رائع حقا.
ومنذ تلك اللحظة لم يعد الضفدع قادرا على أن يقود الأوركسترا، أو يدعي أنّ صوته أجمل الأصوات. وفي أحد الأيام، في أثناء جلوسه أمام البحيرة، حدّث نفسه قائلا: أنا أدرك أنّ صوتي ليس جميلا كما أتصوّر، لكن من حقي أن أفرح بالقمر والنجوم والشمس والزهور، أريد أن أعلن حبي للحياة بطريقتي.
يجب أن يتّسم الأسلوب في قصص الأطفال، بالوضوح والقوّة والجمال من خلال الألفاظ البسيطة والمألوفة، والجمل الواضحة والقصيرة، التي تحمل الإمتاع ظاهريا، ورسالة هادفة باطنيا.