الإسلام المعيش وكأنه خطيئة

مصير المسلمين في هذا العالم

بقلـــم الدكتـــــور شمس الدين شيتور ترجمة: أمين بلعمري

«كان حمل يشرب من جدول ، فجاءه ذئب ، وخاطبه غاضبا:
- كيف تجرؤ على تعكير الماء الذي أشرب منه؟
أجابه الحمل:
- كيف ذلك وأنا أشرب من مكان يبعد عنك كثيرا.
أردف الذئب قائلا:
- وهل تذكر أنك شتمتني في السنة الماضية؟
أجاب الحمل:
- لا يمكن أن يحدث ذلك ، فأنا لم أولد إلا خلال هذه السنة.
فرد عليه الذئب :
-ربما قد يكون أحد أقاربك من شتمني.
فهجم على الحمل وافترسه”.
جون دولافنتين
  (مثل عربي)

لقي أحد الرجال حتفه بطريقة مأساوية ومرعبة إننا لم نألف الرعب أبدا ونحن الذين عرفناه على مدار عشرية سوداء. إجماع لدى الطبقة السياسية على إدانة هذا التصرف البشع، بل وذهبت  إلى حد اعتبار “أن الحادثة يمكن استغلالها من طرف القوى الغربية لجر الجزائر إلى المشاركة في العمليات الجارية في العراق ولما لا في ليبيا لاحقا”.
هناك العديد من العناصر المبهمة التي أيقظت شكوك المحققين الذين يحاولون معرفة العلاقة بين غوردال وأصدقائه من الجزائريين. “الإرهابيون احتفظوا بالفرنسي وأخلوا سبيل مرافقيه دون حتى أن يجردوهم لا من هواتفهم ولا من سياراتهم، وهذا ليس بالأمر الطبيعي. عشية الحادثة وفي المنطقة نفسها اعترض إرهابيون طريق ممارسي رياضة تسلق الجبال وأساؤا معاملتهم بشدة”، وهذا حسب مصادر أمنية، وفي كل الحالات فإن أولئك الرياضيون أظهروا درجة كبيرة من عدم توخي الحذر من خلال المجازفة بارتياد هذه المرتفعات المأهولة بالإرهابيين ليلا. دون أن ننسى كذلك أن هذه المنطقة نفسها شهدت شهر أفريل الماضي اغتيال 14 من أفراد الجيش الوطني الشعبي، ببرودة وذلك عشية الانتخابات الرئاسية. الأمر الآخر غير المفهوم في هذه الحادثة هو أن المعني تم اختطافه عشية وصوله إلى الجزائر ثم إعدامه 24 ساعة بعد ذلك حتى قبل نهاية المهلة الممنوحة.

الاعتذار يعني اتهام الذات

أصبح يشار للمسلمين بالأصابع عبر كل أوربا ورأيهم في هذا الفعل الشنيع لم يطلب اعتباطا، ولكن بنوايا تخفي أفكارا مسبقة: “القتلة مسلمون مثلكم”. الفرنسيون المصنفون في زمرة المسلمين والذين انتابهم الشعور بالذنب، يحاولون باستمرار إظهار ابتعادهم قدر ما أمكن عن الإرهابيين من أجل تأكيد ولائهم للنظام الجمهوري.
«إننا مغمورين نطلع في مساهمة لـ شارع 89: هكذا نطلب من المسلمين إثبات عدم تضامنهم مع بربرية الدولة الإسلامية ! لماذا نطالب المسلمين بشجب اغتيال هيرفي غوردال بالجزائر؟ لماذا يشعر المسلمون بضرورة إبداء دانة اشد من الآخرين لهذا الفعل الشنيع؟ لماذا أطلق مسلمو انجلترا حملة ضد الإرهاب شعارها ليس باسمي “ not in my name”؟ «لماذا اقترحت صحيفة لوفيغارو إجراء سبر للآراء يحمل السؤال التالي : “ هل تعتبر إدانة مسلمي فرنسا كافية”؟ وهذا قبل أن يتم التراجع عن ذلك.”؟(1)
هذا التساؤل، يبدو لنا خطيرا لأنه يعكس جوا مملوءا بالريبة والتوجس، جو ترعاه وسائل الإعلام، لأنه يقدم القضية على أنها مسالة مفروغ منها مسبقا وهي أن جزءا من الفرنسيين أعطوا أنفسهم حق ممارسة رقابة مدى توبة فرنسيين آخرين يوجدون على الهامش تماما.
« نقرأ في موقع شارع 89 لماذا ننتظر حتى يفعل المسلمون ذلك؟ منطق التصرف في هذا الإطار رهيب. يفترض أن المسلمين يؤيدون الأفعال الإرهابية. ويفترض أن كل ما هو مسلم يرتبط بالإرهاب الاسلاموي وعليه قطع هذا الارتباط بصفة علنية. يفترض التوجس مسبقا. ريبة تكون في مرات كثيرة واضحة ومباشرة ولكنها في الغالب صماء أو بمعنى آخر موجودة في داخل المسلمين أنفسهم. علينا البحث عن راحة بسيطة على سبيل المثال في إمام مسجد يؤكد إدانته لذبح رهينة ما وكأننا متأكدين من التوصل إلى أن هناك “مسلم طيب” بما أنه على المسلمين إثبات أنه بامكانهم أن يكونوا طيبين وهذا المنطق نابع مما نطلق عليه اليوم وحتى لا نسميه غير ذلك “ الإسلاموفوبيا”. التي عششت في كل مكان.(1)

ليس باسمي

هذا الشعار الذي يتردد بتكرار في الغرب يخدم الغربيين في تهميش المسلمين الذين يعترفون بطريقة غير مباشرة أن “إسلامهم” ليس إسلام الإرهابيين. المسلمون عبر العالم يحاولون تبرئة أنفسهم من خلال إقناع مواطنيهم بأن لا علاقة لهم بالوضع الذي افتعله المتطرفون الذين صنعهم الغرب. ومن خلال اعتذارهم يتحملون ذلك الخطأ، لم نر اليهود في فرنسا يقدمون الاعتذار يوما عما ترتكبه إسرائيل من حماقات بل على العكس دعّموا تصرف إسرائيل الذي خلف 1600 من المدنيين من بينهم 400 طفل. لماذا نطلق هذا الحمل الثقيل على فرنسيين من الديانة الإسلامية الذين نطلب منهم أن يقعوا على ركبهم ويطلبون الغفران؟ لماذا التجمعات اقتصرت على المسلمين فقط وليس الفرنسيين جميعا مهما كانت معتقداتهم؟ مقترح “أس.او .أس “ عنصرية طالب الفرنسيين بمختلف عقائدهم بالتظاهر بشكل موحد “لا تمييز بينهم!”، وهذا أبعد من أن يكون المنطق السائد المتمثل في الإرادة القوية في الاندماج.
للتاريخ فإن كل المعتقدات، وخاصة الديانات الابراهيمية التي عرفت درجات مختلفة من الحلقات الدموية. في الكتاب المقدس للديانة اليهودية نجد وصفا للمجازر من منا لا يتذكر كتاب يوشع بن نون الذي أنطق لابي بيار الذي أحرجته تلك الرواية حين يطلب يوشع بن نون من الله وقف مسار الشمس حتى يقتل كل أعدائه بسيفه. بطريقة أو بأخرى إسرائيل استلهمت من يوشع بن نون.
 نتذكر القديسة بارتيليمي ومناجاتها: “اقتل كل الأرباب الأخرى لينال ربك الاعتراف”. الكاثوليك أبادوا البروتستان، يحضرنا هنا الدكتور غيوتان الذي اقترح على لويس 16 آلة “اختصار” المقصلة. ورأس لويس 16 نفسه تم قطعه وعرضه بكل اعتزاز من قبل الجلاد الذي كان يحمله بين يديه “إنها صور من كتب التاريخ التي لا يمكن أن تنسى” ولاستحضار “الرعب” في الثورة الفرنسية يكفي قراءة كتاب فيكتور هيغو:(93)
الإسلاموفوبيا في ازدياد في كل أوروبا، وكما كتبنا حول ذلك من قبل، فإن مصير المسلمين في القرن الـ21 يكاد يكون كمصير اليهود في القرن الـ20.

تساؤلات وظل داعش

بما أنه لا يمكننا في هذه الحالة أن نستبعد وجود سيناريو تم تركيبه، نطلع أن عسكريا جزائريا سابقا اتهم المخابرات الفرنسية بتركيب عملية اختطاف غوردال وكتبت في هذا الصدد اريان والكر مايلي :« هاهو اتهام لم يفاجيء إلا الذين لا يتتبعون الأعمال السيئة للامبراطورية والمتمثلة في استحداث رابطة مقدسة لتدمير العالم ، دسائس وضربات سيئة متتالية هناك أين يوجد البترول نقتل بكل برودة(...)(2)
«علي الزاوي عسكري سابق وخبير في الشؤون الأمنية وفي شؤون مكافحة الإرهاب لا يؤمن بالرواية التي قدمتها السلطات الفرنسية حول اختطاف السائح الفرنسي في الجزائر. وأشار إلى أن اختطاف الرعية الفرنسي بيار هارفي غوردال بالبويرة هي عملية ركبتها المخابرات الفرنسية قطعة قطعة بهدف جر الجزائر إلى الدخول في الحرب على داعش. بالنسبة إلي - يضيف قائلا - هذا الاختطاف ركبته المخابرات الفرنسية ، فرنسا تريد ليّ يد الجزائر للتدخل عسكريا في المنطقة وخاصة في ليبيا إنه نفس سيناريو بيار كامات الحادثة التي لا نزال نتذكرها  إلى اليوم. الفرنسيون يريدون تضييق الدائرة على الجزائر وإرغامها على الدخول في هذه الصراعات علما أن الجزائر قوة إقليمية لا يستهان بها وفرنسا ودول أخرى في حاجة إلى هذه القوة لمساعدتها على مكافحة الإرهاب الذي دعّموه وموّلوه. في حين أن مبدأ البلاد الذي لا يمكن التنازل عنه هو عدم التدخل البتة في الشؤون الداخلية للدول فمابالك بإرسال جيشها خارج الحدود.” (2)
وهذا يضاف بطريقة ما إلى تحذير سيرغاي لافروف، وزير الخارجية الروسي “في زيارة لافتة إلى تونس قبل بضعة أيام اعتبر وزير الخارجية الروسي أن هناك “أطرافا أجنبية” لم يسمها تحاول أن تغرق الجزائر في الدماء وتجلعها تشتعل نارا من خلال الترويج لربيع جزائري وأضاف الدبلوماسي الروسي أن هذه الأطراف نفسها “ فتحت جبهات متعددة على الحدود الجزائرية من ليبيا وتونس ومالي.” باعتبارهم حلفاء تقليديين، السيد لافروف جدّد بالمناسبة دعم بلاده للجزائر”.(3)

من أين أتى التنظيم ولماذا انتعش هكذا؟  

فيما يلي سنبيّن عملية التضليل الكبرى للرأي العام لدفعه إلى التصديق بهذا الوحش المسمى (داعش) صنيعة المخابر الغربية. أف. ويليام انغدهال يطلعنا أن عملية تضليل الجماهير العربية ليست وليدة اليوم. وكتب “منذ مطلع الخمسينيات في الوقت الذي اكتشف فيه رئيس شعبة الـ “سي.آي.أي” في ميونيخ الاستعمال الفعال للجهاديين الراديكاليين من المسلمين السنة القادمين من الاتحاد السوفياتي من قبل وزارة الرايخ الثالث في الأقاليم الشرقية المحتلة لغيرهارد فون ميند ، ومنذ ذلك عملت المخابرات الأمريكية على استغلال التطرف الإسلامي الراديكالي لمصلحتها من خلال تحالف ما يسمى القوات المسيحية الأمريكية مع السلفيين من أجل القتل والتدمير والتي تم تبريرها بالعلامة الخاصة لمهمة إنقاذ كلفوا بها أنفسهم. في حقيقة الأمر التحالف بين الـ “سي.آي.أي “ والإسلام الراديكالي لم تكن يوما بريئة والأحداث المرتبطة بالدولة الإسلامية في العراق والشام تثبت ذلك.”(4)
«ويواصل أن استحداث مقاتلي الحرية من قبل الـ«سي.آي.أي” أي المجاهدين السنة في أفغانستان بعد 1979 بدعم رئيسي من السعودي المدعو أسامة بن لادن من أجل طرد الجيش الأحمر من أفغانستان، كل ذلك لم يكن إلا بداية لعشريات من التحكم في في حركات إسلامية راديكالية في حروب مقدسة موجهة لإقامة حروب تتوافق مع الأجندات الجيوسياسية لبعض الدوائر في واشنطن. أولئك المقاتلون المسلمون يكونون مرة مرتزقة وأحيانا أخرى وهابيين سنة أو من السلفيين. “في هذا الصدد، يمكن أن نذكر تقريرا لمصدر مأذون قريب من السعوديين ومن الملياردير اللبناني، سعد الحريري، الوزير الأول اللبناني السابق. هذا المقرب من سعد الحريري صرح أن الضوء الأخضر الفعلي لبداية الحرب على داعش في العراق تم إعطاؤه خلال جلسة مغلقة على هامش قمة حول الطاقة للمجلس الأطلسي في اسطنبول التركية المنعقدة بين 22 و23 نوفمبر 2013. المصدر نفسه صرح أن المنسق الرئيسي للعمليات العسكرية لداعش هو السفير الأمريكي بتركيا فرانسيس ريسياردون. (...)” (4)
من خلال هذه المداخلة يجب الاحتفاظ بشيئين: هو أنه على الجزائر وأكثر من أي وقت مضى أن تكون حذرة لكي لا يتم جرها إلى صراعات لا تعنيها. وفيما يتعلق بالمسلمين الفرنسيين فإن عليهم أن يكونوا فرنسيين بحصة كاملة عليهم احترام قوانين جمهورية لائكية تقف على نفس المسافة من كل الجاليات التي تؤمن بالعيش معا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024