مـن الفقـه واللغـة لا يفتـي إلا بمذهب مالــــك

كل شيء عن الشيخ الموسوعي عبد الرحمان الأخضري البسكري

ولد سنة 1514 ببلدة بنطيوس التي تبعد عن بسكرة “ 30كلم” من عائلة عربية اشتهرت بالعلم والتقوى .نشأ في بيت دين وعلم وكرم، والده العالم والمدرس وأخوه الأكبر أحمد وكان عالما ومدرسا أيضا أخذ عن كليهما الفقه وعلوم اللغة وبعد أن حفظ القرآن الكريم وأتقن رسمه وتلاوته. بدأ رحلته العلمية الأولى إلى قسنطينة ثم إلى تونس وفي رحاب جامع الزيتونة الذي كان مقرا كبيرا للعلم والعلماء.
وفي تونس تفتحت أفاقة تعلم أيضا على يد أبي يحي بن عقبة في قفصة وأخذ عن أبي عبد الله القلحاني ثم عن والده عمر.وكذلك عن قاسم العقباني . الذي كان يصفه بالاجتهاد المطلق وأنه لا يفتي إلا بمذهب “مالك”، تثقف ثقافة عربية بحتة، يعد عبد الرحمان علما من أعلام الفقه واللغة والبيان.
وهو من أشهر الكتاب طبقت شهرته الآفاق وغدت مؤلفاته تدرس في شتى حواضر العلم والمعرفة من بغداد إلى الأزهر بالقاهرة إلى تونس “ الزيتونة”.انتفع به العقلاء، وكان متين الديانة زاهدا ورعا تام العقل مهابا مع حسن العشرة والملاطفة.
وقد امتاز بأسلوبه وجودة معانيه وبعد مراميه، ويتحلى بالصدق ويتمتع بالوفاء ويزرع في النفوس المحبة، كما جعل لطلابه لسانا عذبا طيب الكلام ويتوج الإنسان بأكاليل العزة وينشر الاطمئنان بين الناس.
ينشأ الرجال ..وبالرجال يبنى مجد الوطن، فالأمم المتقدمة لم ترتق إلا برجالها الذين جعلوا من الصدق في العمل وزينوا به أنفسهم.
فالشيخ كان عالما عاملا وتقيا وعابدا يقضي نهاره في التدريس، فإذا ما أقبل الليل أوى إلى خلوته يتعبد، وقبل الفجر يعود إلى المسجد ليستأنف نشاطه في التدريس.نشأ صغيرا على حب النظام واعتمد على الذات. فهو صاحب الثقة بالنفس يتحرر من الكسل ومحب للعمل.كان صاحب القلم يخطط للعلم والمعرفة فالقلم والكتاب هما التاريخ قبل أن يكون هناك تاريخ.
فإن أول ما خلق الله من الأشياء هو القلم ثم أمره أن يكتب فكتب كل شيء..؟
فحقق عبد الرحمن ما كان يهدف إليه.

زاوية قجال  ..معلم العلم والحضارة

كان الشيخ عبد الرحمن الأخضري يتردد على زاوية ( قجال) .
لم يكن لولا هذه العلاقة الروحية والقلمية التي كانت تربطه بالمكان وأهله مما يؤكد على المكانة الكبيرة التي كانت تحظى بها هذه القرية الصغيرة بحجمها الكبيرة التي تعانق الوافدين إليها وترحب بهم فيبدؤون مع عبد الرحمن فعلا جديدا من النشاط والعمل.بورك يومك أيها الشيخ عبد الرحمن لقد جاءوك يتابعون معلمهم على أن يكونوا رجال علم يعاهدونك على أن يدرسوا، ويعلموا، ويزرعوا ديارهم أزهارا تفوح بعبير الإخلاص.
كان الطلاب يسيرون أفرادا وجماعات يطأون الأرض بأقدام صلبة يشقون سكون الصباح يملؤون الكون أملا، فالنظام أساس التقدم وعنوان الحضارة، وعند وصولهم إلى الزاوية يتصافحون ويتعانقون ويتبادلون التحيات، وكل من سار وتعلم فيها أو زاراها أو عرف أهلها.
فالشيخ البسكري شأنه شأن جل علماء الجنوب الجزائري الذين عاشوا في مدة الحكم العثماني لم يلق العناية التي يستحقها في كتاب التراجم لأن المصادر التي ترجمت له ضئيلة جدا، فالتراجم كانت قليلة جدا لا تتجاوز بضعة أسطر.إذ لا ذكر لتاريخ مولده ولا لمراحل نشأته فلا نعلم شيئا من هذه المرحلة من عمره.
وقد شهدت منطقة بسكرة كما هو حال الجنوب عموما تطورت وأحداث ظلت غامضة ويرجع غموض هذه الفترة إلى كون المعلومات قليلة إشارات وتلميحات عابرة. فالشيخ نشأ نشأة علمية تميزت بالعلم والصلاح والتقوى وساعده في ذلك محيطه وعائلته التي دأبت على خدمة العلم ونشره.
كان الشيخ يتحرى في الأخذ عن المشايخ ومن خلال كتابه شرح الألفية.نلاحظ جليا اهتمامه واجتهاده في طلب العلم. كثير ما نجده يقول: سألت شيخنا وسألت بعض مشايخنا ولعل حب التحصيل هو الذي دفعه للسفر إلى المغرب الأقصى وبالضبط إلى مدينة فاس حاضره العلم آنذاك.لما كانت تزخر به من جهابذة العلماء فالتقى بعلمائها وتدارس معهم وأخذ عنهم وكان الاحتكاك بالعلماء ومجالسة لهم أثر بالغ في تكوين شخصيته العلمية.
عاد إلى بنطيوس واستقر بها وجعل من الزاوية التي أسسها والده محمد بن عامر مدرسة علمية، حيث عكف على التدريس وتلقين دروس العلم للطلبة.فتخرج على يديه الكثير من العلماء وأهلهم ليتصدوا بعد ذلك للتدريس، فعمل على تنوير مجتمعه.وأسهم في ميدان التعليم ثم التأليف ولم نحصل على تفصيلات حياته بسبب قلة الكتب التي تؤرخ لتاريخ تلك الفترة.
كان عبد الرحمن رجلا مصلحا يتصف بالحزم والعدل والإنصاف يحب الطلاب يسقيهم شراب العلم، إنه جندي مجهول فصائله محمودة يسموا إلى المكارم يريهم كيف تصنع الأمجاد بهمة عالية.
ينهض بمجتمعه من كبوته يطلق من الانحطاط إلى ذروة الكمال. يحرر العقول من الجمود والجهل يقضي على الخرافات ويحارب بدع الصوفية بكتابه الذي ألفه.
يشهد له الكثير بمساهمته في إثراء الحياة الثقافية في تلك الفترة وبذلك استطاع أن يفتك لنفسه منزلة عظيمة في نفوس أهله ومجتمعه بسبب تواضعه الذي يظهر جليا في مؤلفاته.

وفاته:
توفى عبد الرحمن الاخضري بقرية فجال وقد اختلف في تاريخ وفاته فعلى الرأي الراجح وأغلب المراجع أنه توفي في (983 هـ -1575م).وما زال أهل فجال إلى اليوم يتناقلون كرامته من كرامات  الشيخ عبد الرحمن الاحضري، ظهرت عند تشييع جثمانه من قبل طلبته الذين حملوا جثمان شيخهم على أكتافهم وتوجهوا به إلى موطنه ومسقط رأسه.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024