أثرى المكتبة العربية الإسلامية بمؤلفات قيمة

العلامة محمد الخضر حسين الحزائري قامة فكرية

ومن الجوانب التي لم يسلط عليها الذين أرّخوا لمسيرته الإصلاحية في العالم الاسلامي، فكره التحرري ونشاطه الوطني ونضاله الثوري، ومقارعته الاحتلال الفرنسي لتحرير المغرب العربي، لاستعادة هويّته الوطنية وقيمه الروحية وأبعاده الحضارية.
 وقد تجلّى ذلك في مشاركته وتأسيسه عديد الجمعيات، التي كان هدفها الرئيس تحرير هذه الأقطار من براثن الاحتلال، لاسيما في شمال إفريقيا( ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب الأقصى)، كإسهامه في نشاط اللجنة التونسية الجزائرية لتحرير بلاد المغرب بألمانيا عام 1917، وتأسيسه لـ (جمعية تعاون جاليات إفريقيا الشمالية) في شهر جوان 1924، والتي سنّ لها بنفسه قانونها الخاص، إلا أنها لم تعمّر طويلا، بالرغم من ترحيب الصحافة آنذاك بهذا المولود الجديد، خلافا لـ (جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية) التي استمرت في نشاطهاالدؤوب طيلة أربعينيات القرن الماضي، والتي تعد محطة هامة من محطات النضال الوطني التي خطّها الشيخ محمد الخضر حسين (محمد الأخضر حسين) وكانت غايتها؛ الدفاع عن شعوب شمال إفريقيا وتحرير أوطانهم من المعتدين. وقد جمع حوله نخبة من المصلحين والعلماء والكُتّاب والأساتذة، من مصر والجزائر وتونس وليبيا ... واختير الشيخ الخضر رئيسا لها.
نشاط جمعوي مميز
وقد قامت هذه الجمعية في تلك الظروف الاستثنائية بنشاط متميّز من خلال: عقد المؤتمرات واللقاءات، وتحرير البرقيات والرسائل والمذكرات والنداءات، التي كان يدبّج أغلبها بنفسه، أو رفقة سكرتير الجبهة المجاهد الأستاذ الفضيلالورتيلاني، وكان يحرص على إرسالها إلى ساسة العالم والقوى المحبّة للسلام والمنظمات العربية والدولية، وهذا في سبيل تحرير المغرب العربي.

لمحات من مسيرة العلامة محمد الخضر حسين
ينتمي المصلح الشيخ محمد الخضر حسين إلى عائلة جزائرية (من ولاية بسكرة حاليا) انتقلت إلى الجنوب الغربي التونسي غداة الاحتلال الفرنسي للجزائر، وبالتحديد إلى قرية نفطة (بولاية توزر حاليا)، فوالده الشيخ حسين بن الشيخ علي بن عمرالطولقي، هذا الأخير الذي أسس زاوية بطولقة عام 1780 م، مازالت إلى اليوم تؤدّي دورها العلمي، ووالدته السيدة دخّـة ابنة الشيخ مصطفى بن عزوز أحد أعلام بلدة برج بن عزوز بولاية بسكرة حاليا، وقد هاجر والده الشيخ حسين إلى تونس في حدود عام 1837 رفقة شيخه العلامة مصطفى بن عزوز دفين نفطة، حيث شيد زاوية هناك.
وفي رحاب هذه البلدة ولد الشيخ محمد الخضر عام 1873 م وبها أخذ تعليمه الأولي، ثم انتقل إلى جامع الزيتونة بتونس العاصمة، حيث درس على مجموعة من العلماء، كان من أبرزهم خاله العلامة المكي بن عزوز(1).
وتتوزع حياة ومسيرة الشيخ محمد الخضر حسين على أربع مراحل رئيسة، تشمل تونس وألمانيا وسوريا ومصر(2) حيث شهدت تونس نشأته ودراسته والإرهاصات الأولى لنشاطه العلمي والوطني من خلال محاضراته ومساجلاته وتأسيسه (السعادة العظمى) كأول مجلة تصدر بتونس عام 1904 م.
ونتيجة للحصار الذي فرضته إدارة الاحتلال الفرنسي عليه بتونس، ومضايقات بعض العلماء له فقد اضطر للهجرة إلى سوريا، حيث اختير عضوا بالمجمع العلمي العربي عام 1919 م، ولم يلبث أن غادرها عام 1920 م بعد الاحتلال الفرنسي لسوريا، عقب معركة ميسلون الشهيرة.
وقد استقر به المقام بمصر التي شهدت معاركه الفكرية (3) ومساجلاته العلمية وتآليفه الجمّة ومقالاته الرصينة، حيث شارك في الحياة العلمية هناك كمدرس ومؤلف وصحفي بارع ورئيس لجمعية الهداية الإسلامية، كما تقلد مشيخة الأزهر الشريف من عام 1952 إلى 1954(4) إلى أن وافاه أجله يوم 02 فيفري 1958، ليدفن بمقبرة آل تيمور بالقاهرة.
مؤلفات، رسائل ومقالات
وقد أغنى الشيخ محمد الخضر حسين المكتبة العربية والإسلامية بمجموعة ضخمة من الكتب والمصنفات والرسائل منها:
- الحرية في الإسلام، تونس (1909)
- نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم، لعلي عبد الرازق، القاهرة (1926)
- نقض كتاب في الشعر الجاهلي، لطه حسين، القاهرة (1927)
- الدعوة إلى الإصلاح، القاهرة (1928)
- علماء الإسلام في الأندلس، القاهرة (1928)
- القياس في اللغة العربية، القاهرة  (1935)
- خواطر الحياة .. ديوان شعر، القاهرة  (1953)
- دراسات في العربية وتاريخها، دمشق  (1961)
- رسائل الإصلاح، دمشق (1971)
- الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، دمشق  (1971)
- بلاغة القرآن، دمشق (1971)
- تونس وجامع الزيتونة، دمشق  (1971)
- الخيال في الشعر العربي، دمشق  (1971)
- محمد رسول الله وخاتم النبيين، دمشق (1972 ) (5)
إضافة إلى العديد من المقالات والدراسات والمحاضرات (6)
كما برع في المجال الصحفي، حيث أصدر عام 1904م مجلة (السعادة العظمى) بتونس، وبمصر أصدر مجلة (الهداية الإسلامية) عام 1929 ومجلة (نور الإسلام)عام 1930 م، وكذا مجلة (لواء الإسلام)عام 1947 (7) .
من نشاطه ونضاله التحرري
صفحة أخرى من صفحات النضال الوطني لتحرير المغرب العربي، التي نقرأها في سجل مسيرة العلامة المصلح الشيخ محمد الخضر حسين، ومن ذلك:
مشاركته في نشاط (اللجنة التونسية الجزائرية لتحرير بلاد المغرب بألمانيا)، وهذا قبل نهاية الحرب العالمية الأولى1917ــ 1918، يوم كان مقيما بألمانيا، وخلالها كان يلقي المحاضرات على الجنود المغاربة (تونس والجزائر والمغرب الأقصى) الأسرى من جيوش الحلفاء، والعمل على إمالتهم، وضمّهم إلى جانب الثورة من أجل الاستقلال والحرية لأوطانهم (8).
وكان من المحرّضين للثورة على فرنسا، وقد كلّفه ذلك حكما بالإعدام من قبل السلطات الفرنسية، كما صدر الأمر المؤرخ في 15جوان1917، والذي تضمن ما يلي»حجزت بقصد بيـعها أملاك الأخضـر بن الحسـين المدرس السـابق في الـجامع الأعظم، الذي ثبت عصيانه»(9).
تأسيسه جمعية تعاون جاليات إفريقيا الشمالية1924 بعد خروجه من سوريا عقب معركة ميسلون عام 1920، وفشل المقاومة العربية السورية، ودخول الفرنسيين إلى هذا البلد العربي، لجأ الشيخ محمد الخضر حسين إلى مصر، التي اتّخذها ملاذا له، ولم يلبث أن شرع في نشاطه الثقافي والفكري والأدبيوالسياسي، من خلال المشاركة في المنتديات واللقاءات وتدبيج المقالات وتأليف الكتب …
كما أسّس جمعية جديدة أطلق عليها اسم (جمعية تعاون جاليات إفريقيا الشمالية) عام 1342هـالموافق جوان 1924 م، ووضع لها قانونا، ضم توطئة وعشرين مادة، وفي مادتها الأولى كتب «تألفت في مدينة القاهرة جمعية خيرية إصلاحية تسمى: جمعية تعاون جاليات إفريقيا الشمالية :طرابلس، وتونس، والجزائر،ومراكش» ( 10 )
ومن مقاصدها وأهدافها الرئيسة، تنوير أفكار أبناء هذه الأقطار، وبثّ الأخلاق الفاضلة بينهم والدفاع عن حقوقهم بالطرق الحكمية السليمة.
وقَدّر قيمة اشتراك أعضاء الجمعية بـ ( خمسة قروش مصرية)، وبيّن واجباتهم وحقوقهم، بعد أن قسّمهم إلـى أعضاء: عاملين، ومساعدين، وأعضاء شرف.
وقد تشكلت الهيئة الإدارية لهذا الفضاء النضالي الوطني من السّادة:
الإمام محمد الخضر حسين ـ تونس ( رئيسا )
الأستاذ طاهر محمد التّونسي ــ تونس ( عضوا)
المحامي محمد عبد الوهاب  ــالمغرب(عضوا)
الدكتور عبد العزيز قاسمــ المغرب ( عضوا )
الأستاذ محمد الرّزقي ــ الجزائر ( عضوا )
الدكتور محمد عبد السلام العيادي ــ الجزائر (عضوا )
الأستاذ محمد التهامي نصر ـ ليبيا ( عضوا )
الأستاذ عبد الله الكافي ــ ليبيا(عضوا ) (11)
وقد كان لهذه الجمعية نشاط لم يدم طويلا، بعد أن حلت محلها ( جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية).
وقد استبشرت الصحافة المصرية الصادرة في ذلك الحين بتأسيس هذه الجمعية، وما انبثق عنها من لجان، حيث كتبت مجلة ( الزهراء ) للأستاذ محبّ الدين الخطيب  QUOTE   أسّست جمعية تعاون جاليات شمال إفريقيا في القاهرة لجنة لنشر آداب إفريقيا الشمالية العربية وحضارتها، برئاسة الأستاذ السيد محمد الخضر التونسي، للبحث عن الكتب التي تعرضت لهذا الموضوع، وإلقاء المحاضرات فيه، وتـرجمة ما ورد عن ذلك في الصـحف والكتب الأجنبية، وقررت نشر ما يحرّره أعضاؤها في الزهراء »(12).
وقد استمرت هذه الجمعية في نشاطها إلى غاية الحرب العالميةالثانية، حيث توقّف نشاطها في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي.
«يتبــــــع»

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024
العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024