مراجعات..

لابد لقطار الحياة من التوقف قليلا..للمراجعة..

يكتبه :أ - د - حبيب مونسي

لا بد لكل قطار من محطة يتوقف فيها قليلا، حتى يتيح لبعض المسافرين من مغادرته والنزول على رصيف محطته، ويسمح لآخرين بالركوب ليواصل رحلته. هذه من سنن ما صنعه الإنسان لنفسه في الحياة حتى يطوي المسافات، ويختصر الوقفات، ويسمح لنفسه بالحركة في مضمار الحياة بسهوله ويسر. كذلك هو قطار الحياة يحتاج إلى وقفات للتزود، وأخرى لينزل من انتهت رحلته، ويركب من تبدأ رحلته في كبد المستقبل الممتد بين يديه. وفي هذه الوقفات سر قد لا يُفصح به لنفسه، ولكنه ضرب من إيقاف الزمن ولو توهما، ليصلح من شأنه، ويهذب من شعت أمره، ويخفف من وعثاء سفر، فإذا هو أطمأن لأمره واستقر على حسن سمته، انطلق خفيفا يجوب آفاقا أخرى تتجدد أمامه. إنها وقفات المراجعات..التي يُعيد فيها على نفسه كثيرا من قناعاته..يتفحصها..يناقشها..يرى أثرها في حياته التي بين يديه. فكثير ما كانت القناعات بما فيها من قصر نظر، وخطأ في التركيب والعرض، عائقا يقف حجر عثرة في طريقه وهو لا يدري أنه يُؤتى في فشله من هذا الباب، فإن استطاع سدَّه أو التقليل من تأثيره عليه، استطاع أن يبدأ سيرا جديدا..
المراجعات.. ليس سبيلا للشك، ولا دربا للحيرة، ولا غفلة لإضاعة الوقت، كما يمكن أن نتوهم. إنما هي للنظر في المكتسب نظرة أخرى، نظرة الناقد الذي يريد أن يتأكد من طبيعة الأشياء وحقيقتها، وأن يعيد عليها من صميم التجربة المتجددة أسئلة أجد، وطرحا أشدّ صلة بالواقع والأحداث..لأننا لا نستطيع أن نستمر بما سمعناه وحفظناه من أزمنة متباعدة، دون أن نجدد فيه النظر. لأننا لا نؤمن أننا قد وعيناه وعيا سليما، وفهمناه فهما مستقيما..والخطر كل الخطر، في أن يتسمَّم التفكير بأفكار اعتراها الفساد من نواحيها، ونحن نجهل ذلك. فغدت في عقولنا سببا للمرض، والأرق، والقلق، والحيرة، ونحن لا نلتفت إليها. لأننا قد أغلقنا دونها باب المراجعة وحسبناها أنها ثابتة مستقرة لا يعتريها شيء من أحوال الزمان والمكان، ولا يطرأ عليها من التبدل ما يُخرجها عن فهمنا الأول لها..
المراجعات أولا وأخيرا..تذكير..والذكرى تنفع المؤمنين..وسيكون حديثنا فيها حديث الدين، والثقافة، والسياسة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسفة، والأدب، والفن..سيكون حديثا يُطوِّح بنا يمينا وشمالا بما يُؤثث واقعنا المعرفي، والثقافي، والحضاري..لا نترك شاردة ولا واردة إلا أخذنا بها، معاودة، ومراجعة، وتحليلا، وتمحيصا...فبسم الله نبدأ، وبه نستعين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024