الشاعرة والإعلامية كنزة مباركي في حوار مع “الشعب”:

أؤمن بالتواصل والاستمرارية ولا أحمل راية الاستخلاف

أجـرى الحـوار :العيفـة سميـر

كنزة مباركي
صاحبة رائعة “هوسٌ بلون وجهي”، افتكت بها جائزة “علي معاشي”، وتمّ تكريمها من طرف وزيرة الثقافة خليدة تومي عرفانا لإبداعها في مجال الشعر من خلال هذا الديوان الذي يضم أزيد من 21 قصيدة نثر.
تشتغل في مجال الإعلام منذ سنوات، كان لها العديد من المشاركات الثقافية والإعلامية في ملتقيات
ومهرجانات ومؤتمرات،  تحصّلت مرتين على جائزة المسابقة  الوطنية للشعر النسوي في قسنطينة للعامين 2008 و 2009، ونالت المركز الأول  في اليوم العالمي للشعر بعنابة في 2007 .
كل التفاصيل في هذا الحوار الذي اجرته “الشعب”.

الشعب: الشاعرة كنزة من الشخصيات الفنية الشابة التي تحمل راية استخلاف الأسماء التي فقدتها الساحة الثقافية، هل تشعرين بثقل هذه المهمة؟ وما الدور الذي يلعبه المثقف في صنع الرأي العام؟
كنزة مباركي: في البداية أشكر جريدة “الشعب” على مساحة البوح هذه، وأحيي عبرها قراءها جميعا.. دعني أقول أولا إنني لا أحمل راية استخلاف أحد بأي شكل من الأشكال أو تحت أي مسمى، لأنني أدرك جيدا أن لكل واحد بصمته الخاصة، المهمة هي نفسها لدى الفنان والمبدع، سواء عاش في القرون السابقة أو يعيش في القرون اللاَّحقة، أتحدث عن جوهر الفن، وعن الإبداع بالمطلق، وأعي جيدا أن الفن لغة يستخدمها كل شخص بالطريقة التي تظهر تميز هذا عن ذاك، وهنا تبرز السمات الإبداعية لدى فنان أكثر من آخر، أؤمن بالتواصلية والاستمرارية، ولا أؤمن إطلاقا بأن يحل فنان مكان آخر .. لماذا إذن نخلق الأفكار والرؤى و الكلام وغير ذلك من منتجات الإبداع؟
ألا نفعل هذا لنترك أثرا يصل للأجيال التي تأتي بعدنا لتطلع على موروث فني إبداعي، يدخل ضمن حصيلة التاريخ الثقافي لحقب معينة للمجتمعات؟ ألم يفعل الفنانون السابقون ذلك، فتركوا لنا ما وجدناه اليوم؟
إذن، لا يهمني أن أحمل راية الاستخلاف، لكنني أتيت بتجربتي المتواضعة أحاول أن أضيء زاوية قد أراها معتمة، جئت أيضا لأقول ما أحسّه وأنا أنخرط في هذا العالم، وأتعامل مع البشر في كل مكان.
والدور الذي تلعبه الشخصية الفنية فهو دور الفنان لا غير .. لا يمكن للفنان أن يلعب أدوارا أخرى خارج دائرة الفن وإلا فقَدَ ما يقدمُه ماهيَّتَه الحقيقية .. أن يغلِّفَ الفنُّ محتوياتٍ سياسية أو اجتماعية أو غيرها بذريعة أن الفنان يؤدي أدوارا إضافية فهذا النوع من اللعب خارج حلبة الفن والإبداع لا يستهويني.
لا أعتقد أنه يمكن أن يحسب على الفن الذي هو لغة يعبر بها الإنسان عن جوهر ذاته و ليس عن حاجاته ومتطلباته في الحياة، الشيء الزائد سيسمى وفقا لغايته ولفحوى الرسالة التي يحملها.
وفيما يخص الجزء الأخير من سؤالك أقول نعم .. تساهم الشخصية الفنية في صنع الرأي العام، وبلورته وتوجيهه، ذلك لما يحصل من خلال تأثر الناس والمتلقين لمادة الفن باختلاف أقسامه، وهنا لا أستثني قسما من الأقسام السبعة للفنون المتعارف عليها والتي تجمع الفنون التشكيلية، الحركية والصوتية.  فالفنان بإمكانه أن يشكل وجدان الجماهير التي تتابع فنه، من خلال التأثير في أحاسيسهم وعواطفهم وحتى في معارفهم حول قضية ما باستمالات فنية مبدعة تضرب في الصميم هدفها لتوجيه آراء الناس نحو قضية معينة وبشكل محدّد.
في خضم هذا الواقع والتحديات التي يواجهها المجتمع العربي والجزائري، خاصة على كل الأصعدة، يتابع الناس مسارات الشخصيات العامة بمن فيهم الفنانون. لكن الشخصية العامة يقررها الآخرون.
❊ ضمن هذه التحديات التي يعيشها المجتمع أي دور يمكن للفنان أن يلعبه؟
❊❊ كما ذكرت سابقا، الفنان لا يلعب غير دوره فحسب  يقدم منتجا فنيا لمتلقٍّ يحس ذلك المنتج بوجدانه، ما ينتظر الفنان في خضم التغيرات والتحديات التي تواجهها المجتمعات كلها دون تخصيص هو أن يرتقي بهذه المجتمعات، الناس يتأثرون بالفن ورسائله وبالإعلام ووسائله، وبالتالي يتغيرون وفقا للمنحى الذي تقذفه هذه الرسائل، إما إيجابا أو سلبا، من هنا ربما أقف عند مقصود سؤالك وأقول، على الفنان أن ينقل ما ينقل ما يحسه فعلا وألا ينخرط في خطابات غير خطاب الفن والجمال، حتى يستطيع أن يقدم ما يخدم مجتمعه ويطور ذائقة المتلقين.
❊ ما هو المنعرج المفصلي الذي ساعدك على صياغة شخصيتك الفنية، وجعلك تحملين على كاهلك رسالة تتعلق بالفن التي طالما اشتكى من ثقلها من سبقك على الساحة؟
❊❊ ما أزال أبحث عن نفسي في هذا الشتات المحيط بنا، مازلت أتعلم وأحاول وأقتفي أثر الضوء الذي يشاكسني من بعيد، هو حتما ليس ضوء نجومية أو رغبة في الظهور، ولكنه ضوء آخر النفق .. النفق الذي أحسبني وجميع المبدعين في العالم بأسره متواجدون في ظلمته، لولا هذه الظلمة ما شعرنا بالحاجة الملحَّة للنور وما تحركت في دواخلنا الرغبات في تلوين العالم بالشعر والموسيقى والمسرح والسينما والفن التشكيلي والنحت والصورة والكاريكاتير وغيرها من الفنون الإبداعية .. ما أزال أسعى لصقل موهبتي، باكتشاف الجديد دوما، بالذهاب بعيدا إلى حيث قد أصل إلى منبع الجمال ومنبع المعرفة.
لا بأس بأن أحاول وأقتفي أثر الأسئلة التي لا تهدأ ولا تتوقف لحظة عن ثورتها .. أهتم كثيرا بالقراءات المنوعة في مختلف المجالات، وأقيس درجة حرارة الكون من خلال قراءاتي .. و أبدا لن أقتنع بأنني وصلت إلى حيث أريد، لأنني مازلت أريد أن أكمل السير في طريق صعبة لكنها ممتعة، طويلة لكنها شيقة، مازلت كذلك، لا أعرف هل ما أفكر به اليوم هو ما أريده في المطلق؟ أنا لا أؤمن بالمطلق .. أؤمن بأن ما أكتبه اليوم سيكون أثرا أتركه ورائي لمن يريد أن يعرف ماذا خلَّفت، لأواصل الكتابة وإضاءة محطات تكوِّن مجمل تجربتي التي أعتبرها متواضعة جدا إلى الآن .
❊ كيف كانت ذكرى ٨ مارس في ذاكرة الشاعرة؟
❊❊ هل تصدقني إن قلت لك: ليس هذا ما يشغلني، أو ما يجعلني أضع يدي على قلبي من الخوف؟، ما يخيفني هو متى ينتهي نسياننا للإنسان فينا؟، مصيبتنا الكبرى لا تكمن في هذا رجل وتلك امرأة وبينهما حرب ونار، المصيبة الكبرى هي أن العالم اليوم فاقد للإنسانية، الإنسان نسي أخاه ونسي نفسه وإنسانيته أيضا .. والفن لا يصنف وفقا للجنس، فما يقدمه الرجل تقدم مثله المرأة وكله منتج فني لا يفرقه سوى التميز الإبداعي.
❊ كامرأة ما هي الأهداف المختزنة في ذهنك إزاء مجتمعك، وقضاياه اليومية؟
❊❊ مثلي مثل الرجل، أفكر في المساهمة في بناء مجتمعي بما أستطيع إضافته ليشكل إنجازا يسهم في إظهار صورة بلدي بشكل لائق ومشرّف، بعيدا عن السياسة قريبا من نبض الشارع الذي لا أتبنى لغته لأتحول إلى ناقلٍ للواقع بحرفية، ولكني أتعامل مع هذا الشارع بلغتي التي أترجم من خلالها إحساسي بما يجري، وأقول كلمتي التي أحس في العمق أنها كلمة الكثيرين ممن يعيشون في هذا المجتمع معي.
 الأهداف المختزنة في ذهن الكاتب تطبع في كل كلمة يكتبها. أن أسعى لتقديم عمل إبداعي فتلك مساهمة في خدمة الحراك الفني والثقافي لمجتمعي، وأن أقدم للقارئ ما يغذي نهمه للفن ويرتقي بذائقته فتلك مساهمة في نثر جرعات الإبداع والجمال في مجتمعي.
❊ الشاعرة الأديبة كنزة مباركي لك الحرية في أي كلمة أخيرة؟
❊❊ كل عام ووطني الغالي بألف خير .. فما دام الوطن بخير فإن النساء والرجال والأطفال والشيوخ سيكونون بخير أيضا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024