بعد إصدارها الشّعـري «إيزالوان»، شامة درويـش:

التّكـرار في الكتابـة عـادة سيّئــة تجعلنـا نمـوت أو نتبــدّد

حوار: نور الدين لعراجي

 الجائـزة الدوليــة أو العربيــة لا تكمن فــي ماديّتهــا بـل في معنويّتهـا 

احتفظت الشّاعرة شامة درويش بإعلانها عن إصدارها القادم إلى غاية ما تحن لحظة الميلاد، بعد إصدار الأول عملت ما يشبه الحامل مجيئنا إلى الحياة دون أيّة مكتسبات أخرى عدا ما وصل أسماعنا وبطوننا ونحن نتكوّن أجنّة تحاول بناء جذعها الصّلب، معترفة أنّ أصعب الأمور بداياتها إن اقتنعنا بجدوى الكتابة، وفي حديثها لـ «الشعب» كشفت عن عديد النّقاط حول عوالم الكتابة والشّخوص، وقالت إنّ التّكرار عادة سيّئة، تولّد الرّتابة وتجعلنا نموت  أو نتبدّد، وكلّ مبدع يرى نفسه حيّا بين أعين قرّائه، فيختار طريق الصّبر على التسرّع.

-  الشعب: من ديوان «كعب يمشي على حافّة الألوان» إلى «إيزالوان»، كيف كانت رحلة الإصدار بعد سنوات الانتظار؟
 الشّاعرة شامة درويش: «كعب يمشي على حافّة الألوان»، مجموعة جعلتني أحمل الكثير من المسؤولية والتردد قبل النّشر مجدّدا، كنت أكتب بشغف، ومحبة وخوف في آن واحد، وكنت دائما أطرح سؤالي: هل سيضيف ما أكتبه شيئا للمتن الشّعري أم أنّه سيكون كتابا مطبوعا فقط.
كُنت أقف على أرضية التنوّع الثقافي الفاخر والتراث، كانت أمّي تجلس أمامي في كلّ حرف، وأبي كان حضوره طاغٍ..لم أستطع التملّص ممّا رضعته في طفولتي، إضافة إلى ما نشأت عليه من أغان شعبية وأهازيج الفلاحين، وصوت الحيوانات وحفيف الأشجار، وصوت امرأة تخلق من أناملها تحفا فنيّة وتردّد إيزالوان الحصّادة، وتحترف صنع كسرة الشعير، وتربّي أولادها، وتطعم الجراء..ورجل يشبه الجبل، ويبقى جبلا إلى أن يواجه الموت، هكذا كانت رحلتي من كعب يمشي على حافّة الألوان (حيرة الذات) إلى إيزالوان (العودة إلى الذات)، والحفر في جرح لمّا يلتئم.
-  عندما يصدر المبدع أولى باكوراته الأدبية، هل معناه وصل خطوط الكتابة الأولى أم أنّها بداية طريق؟
 إصدار أوّل عمل، يشبه مجيئنا إلى الحياة دون أيّة مكتسبات أخرى عدا ما وصل أسماعنا وبطوننا ونحن نتكوّن أجنّة تحاول بناء جذعها الصلب، لنقول للحياة: نحن هنا..أصعب الأمور بداياتها، فإن نحن اقتنعنا بجدوى الكتابة، سنكون صبورين على القادم، وهذا ما حاولت فعله؛ الصبر.
أشكر شجاعتي يوم كسّرت حاجز الخوف وسلّمت مخطوط جدائل متمرّدة إلى مسابقة وطنية، حتى أقتنع بأوّل خطوة في العلن، لكن الخطوات السريّة كانت كثيرة، ومنذ الطفولة؛ فكم رسمت وكم غنّيت وكم كتبت ومزّقت..البدايات خرافة، فلا شيء له بداية حقيقية، فنحن كلّما بدأنا، انتهينا إلى الحيرة..
-  يشعر المبدع بمسؤولية أدبية وأخلاقية تجاه القارئ، لذلك نجده يحاول بكل ما أوتي من قوّة خوض غمار النّشر مرات أخرى، هل يغمر شامة المبدعة ذلك الإحساس؟
 نعم، كثيرا ما يغمرني هذا الشعور لكنّي أجد مكابح التميّز أو الاختلاف تمنعني، لأنّ التكرار عادة سيّئة، تولّد الرّتابة وتجعلنا نموت أو نتبدّد، وكلّ مبدع يرى نفسه حيّا بين أعين قرّائه، فيختار طريق الصّبر على التسرّع، ليضع عتبة جديدة في مشواره.
نعم لدي الكثير لأنشره، لكنّه لا يكتمل، في كلّ مرة أجده صغيرا يحتاج إلى تصحيح وتصويب وتنقيح..لست مستعجلة، فالعمر يحسب بلحظات التميز لا بكثرة الحضور.
-  الكتابة في زمن الكورونا، محطّة إبداعيّة مهمة لما تكتنزه من ثقافة الفقد والسوداوية أيضا، فماذا منحت شامة درويش لهذه المرحلة إبداعيا؟
 الكتابة زمن كورونا لم تختلف عن غيرها، لكنّها تميّزت بالتعمّق في التجربة (تجربة الكتابة)، ربّما بفضل الزمن الممنوح لنا في منازلنا، وربّما لاجتهادنا في وضع خطّة جديدة لحياتنا، وربّما في إعادة ترتيب أولويّاتنا... نحن جميعا كنّا بحاجة إلى هذه المرحلة لكي نتأمّل ذواتنا من الداخل، ونعود إلى الله الأوّل والأخير...
-  المشهد الأدبي اليوم يغرق في ثنائية المحاباة والمعاداة، طغت سلوكيات إلغاء الآخر وعمق الاختلاف الحروب بينهم وبين الأجيال نفسها، فهل تعتبرين ذلك فتحا ثقافيا أم اجترار للأنا الفوقية فقط؟
 لم أدخل في صراعات ثنائية ولا جماعية، وعقلية الإقصاء هي ميزة البعض، ربما لهم أسبابهم، لكنهم حتما يختلفون عن الذين يمنحون فرصا كثيرة لمن يريد البدء...كلمة ثقافة تحمل في جيبها وكفّها مفهوم التسامح والاختلاف والتعايش، فكيف نعتبره فتحا أو فاتحا من يلغي الآخر ويقصيه؟
وكيف نعتدّ بإنسانيته وهو يمارس دور الأبوّة والإلغاء. أعتقد أنّنا بحاجة إلى إعادة تأمّل كي نواصل الدرب جميعا، ولو أراد الله في بدء التكوين لاكتفى بآدم ولم يخلق المختلف عنه..لكنّه خلق الذكر والأنثى ليمنحنا درس المختلف الأبديّ، لنكون في الحياة أبناء الولادة والتناسل؛ البيولوجي والفكري، لا أنا مطلقة في وجود الغير.
-  حقّقت الكثير من الأسماء الأدبية نجاحات عربية ودولية بحصولها على جوائز مهمّة، هل نقول إنّ السّاحة الأدبية بخير؟ أم أنّها نجاحات الصّدفة فقط؟
 أقول إنّها بخير؛ ذلك أنّ فعل الحضور في الجوائز الدولية هو نفسه إنجاز وتفوّق وتميّز، ناهيك عن الفوز، فهو درع ومسؤولية في آن واحد، يمنح صاحبه حصانة وتهديدا، فقيمة الجائزة الدولية أو العربية لا تكمن في ماديتها بل تكمن في معنويتها؛ فأن تكون صاحب لقب عليك البقاء في تلك المرتبة المعنوية التي حقّقتها، وأنا في اعتقادي إنّ الكتّاب الجزائريين الذين وصلوا إلى مراتب عربية وعالمية لم يكن محض صدفة أو مجاملة، بل ما كتبوه من قبل شاهد على تميّزهم.
والجزائريّ بطبعه يجنح إلى التميّز في كلّ شيء، فلِمَ لا يكون مميّزا في الكتابة. لست منحازة إلى أحد لكنّني متأكّدة من طموح كلّ كاتب له مشروع حقيقيّ يشتغل على تجسيده.
-  خصّصت أموال طائلة للصّناعة السينمائية، لكن لم نر سيناريوهات لكتّاب الظل، ماعدا بعض الأسماء دون غيرها، أين يكمن الخلل في رأيك؟
 كتابة السيناريو من أصعب الكتابات، لأنّها إن وجدت لتترجم عملا على الشاشة، يبقى من يحظى بالظهور فتلك مسألة انتقاء ومسألة حظوظ، قد أبرز أنا سليلة قرية لا يعرفها سوى سكّانها، أو شخص آخر من قرية أخرى ولا يبرز شخص من العاصمة، وقد يحدث العكس. الخلل هنا يعود إلى المبادرة من الكاتب نفسه، وإلى لجنة الانتقاء، فكلاهما مسؤول عن إيصال النصّ إلى المشاهد. ما لاحظته هو وجود نية التغيير، لكن متى تتجسّد هذه النية؟ نحن جميعا ننتظر زوال غشاوة عشرين عاما من التضليل وليس من الظلّ لأنّه شتان بين ضلالة ومنطقة ظلّ تمنح السلام والاستمرارية لهذا الوطن..
-  يشتكي مبدعون من حركة النشر في الجزائر، لذلك يلجأون إلى طبع مخطوطاتهم بالخارج، ما هي الأسباب وهل تفكّرون في ذلك؟
 في هذه القضيّة بالذات يمكن اختصار الإجابة في: انعدام المصداقية لبعض الدور الجزائرية، أقول بعضها وأنا التي جرّبت العديد من دور النشر.
وكانت التجربة مع دار «ميم» للنشر هي الأنضج والأصدق. لا أفكّر حاليا في التجريب مع دار خارج الوطن، إلا إذا اقتضت الضرورة لذلك. وليس عيبا أن ننشر مع دار عربية أو أجنبية، فالظروف تختلف من شخص إلى آخر.
-  ما هي مشاريعكم المستقبلية مع الكتابة؟
 ما دمت أكتب فأنا حتما أطمح إلى مشاريع كثيرة، نعم هناك جديد لكنه يتخمّر ويأخذ وقته في النمو.
-  النص الأدبي الجزائري اليوم له حضور، ويتمتّع بخصوصية فنية منحته صفة التميز عن بقية النصوص العربية الأخرى، ماذا لو رافق النقد نشأة النص كيف سيكون المولود الأدبي الجزائري؟
 النقد مبادرة فردية أو مؤسّساتية، وغيابه ليس معناه غيابا كليّا، بل هو يعاني نقصا فقط، وربّما يبحث الناقد عن نصوص مختلفة تشبع نهمه النظريّ. أنت قلت (ماذا لو) و(لو) في اللغة العربية هي حرف امتناع لامتناع، فما دام النقد ممتنعا فالمرافقة تكون ممتنعة هي الأخرى...حبّذا لو تكون هناك لجان مكلّفة بنقد الأعمال الأدبية وتصفية الغثّ من السمين..
-  كلمة أخيرة لك ماذا تقولين؟
 شكرا على هذا الحوار الثقافي، حيث منحني فرصة أخرى للتواجد على صفحات جريدة «الشعب». شكرا للنّوايا الطيبة من أصحاب القرار، أرجو أن تتجسّد قريبا وشكرا للكتابة لأنّها تمنحني البقاء.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024