ركن مثقّفون في الحجر

«الحجَر لا يعـــض»

بقلم إلهام بورابة

إن حجرنا لا نريد طلوع نهار.
لكن ريان تضايقت، وبدأت تشعر باختناق.
أمّي، فقدت حاسّة الشم، تشاكت في بكاء
وليلا صارت تهذي
الحمّى
وصرت أجري للمطبخ أغلّي الأعشاب وأعود إليها أخفض حرارتها بماء الزهر.
وصرنا كلّ يوم نعاني أعراض وهم الكورونا
وصار الحذر الهوس.
لا نكف عن التساؤل: كيف أصيب؟
لماذا؟ وهو لم يغادر البيت من شهور إلّا ساعتين؟
ماذا حدث ساعة خرج؟ أين سار؟ من التقى؟
هل تكون النّقود؟ هل البنك غير معقّمة مصالحه؟
مهما يكن، فلابد أنّه راع وقايته باهتمام، جزمت ريان عند استرجاع عافيتها.
راحت لجيب سترته تشهدنا على حرصه، أخرجت قنّينة المعقّم منتصفة وقفّازين وكمّامتين.
أعادت علينا شرح تدابيرها الخاصة حين عودته ذاك اليوم.
ردّدت: «دقّ الجرس وفتحت له.
قلت له: لحظة فقط والدي
أتيت له بالكرسي ليستريح من صعود السلّم.
استراح
نزع حذاءه، جوربه، ناولته خفّه.
عقّم مفاتيحه، هاتفه، وحمّالة النقود.
اتّجه للحمّام، اغتسل.
دخل المطبخ وتناول كأس ماء، ثمّ راح للصالون وقابل التلفاز، ثمّ نادى بلال: إذا خرجت اشتر لنا عنبا، ثمّ دمعت عيناها وأضافت: حين عاد بلال بعنب أحمر قال: لو عنبا أبيض!
ردّ بلال: هذا فقط ما وجدت بسبب الحجر قلّت البضائع، غسلت أمّي العنب، قطّرته، نضّدته له في صحن وأخذته له، تذوّق حبّات قليلة وأعاده.
أكلت أمي الحبات الباقية كلها.
ذكّرتها أنّ الطبيبة حذّرتها، ضحكت وردّت: الموت اليوم بالكورونا وليس بالسكر.
وتذّكرتٌ أني حقا أكلت من صحنه، وترشّفت بعض رضابه الذي علق بعنقود أخذ منه ثمّ ردّه وهو مازال يفخر بعصيره المبخّر كضباب.
فأيّ عدوى إذن؟
ها أنذي بخير.
حين ردّ الصحن إليّ استأذنته قلت: سآكله، تعرف كم أشتهي العنب.
ردّ عليّ: بصحتك.
يا صحتّي بعده تجلب لي التهمة والبغض!

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024