كشف الروائي واسيني لعرج بأن غياب المؤسسة النقدية لا يعني الجزائر وحدها، ولكنه يمس العالم العربي كله، معتبرا ما يتواجد في المشهد الثقافي من محاولات فردية عند الكثيرين، إنما هي حقائق بلا ميزان أو كما وصفها «بالتقيح الثقافي»، في إشارة منه إلى الرغبات الفردية عند الكثير من الأقلام الجادة التي تبقى جهودها تصنع الفارق أمام الموجة الالكترونية السهلة التي تحاول عزل هذه المحاولات، وعرقلة نقلها بالفعل النقدي من الأكاديمية الجامعية الضيقة إلى الممارسة القريبة من النصوص والظواهر دون خسران علميتها.
أكد صاحب «ليليات رمادة» أن المشهد الثقافي الجزائري يمتلك نقادا أجلاء بجهودهم، وهم في حاجة ماسة إلى توحيد هذه الجهود بتنظيمها في شكل تجمعات لتشكيل هذه المؤسسة النقدية، التي اعتبرها بمثابة «الجهاز المهيكل والمنظم الذي لا سلطان يرتكز عليه إلا سلطان المعرفة، جهاز يتم من خلاله اختبار الحالة النقدية في البلاد وكيفيات اشتغالها مع تحديد مسبق وواضح لوظائفها، ويشكل رأيها، أي المؤسسة، سلطة حقيقية تحتكم لها الأغلبية وتؤمن بجدواها، وتخضع لسلطان العقل والموضوعية بشكل دقيق ومنهجي، أي أنها ليست كلاما يرمى هنا وهناك بلا مسؤولية».
أوضح أستاذ الادب العربي، بجامعة السوربون واسيني لعرج في منشور له على صفحته الرسمية، بأن دور هذه المؤسسة النقدية لا يقتصر على القراءة فقط، بل يكمن دورها في المتابعة اليومية والمنتظمة والدقيقة لكل «التحوّلات الأدبية الحاصلة في البلاد، وتقدم نتائجها باستمرار من خلال العمل على النصوص وعلى الظواهر في الوقت نفسه، وتحتفي بالمميز منها لوضعه في مدارات الاهتمام. بمعني أن من تضعه المؤسسة في المدار يلقى الاهتمام والشهرة والامتداد. سلطتها الثقافية والرمزية تتجاوز القراءات السريعة، تعمل على فهم النص الأدبي في دائرة الاهتمام وتحسس جودته ونظامه الفعلي».
قال الروائي، إن «قوّة المؤسسة النقدية تتجلّى في اتساع ثقافتها ونظرتها، ولا تشكل «مجموعة إلكترونية»، هدفها الأول والأخير الظهور الفردي على حساب النص والنقد وتمسد «جوخ» بعضها البعض، كأننا بصدد عصابة، متفقة على تحويل النقد إلى سلسلة من الأمزجة الشخصية الفردية، بلا أفق نقدي حقيقي. النقد ثقافة ومسافة وموضوعية، وليست سلسلة انطباعات».
في ذات السياق، أكد أن الساحة الثقافية بالجزائر يوجد بها نقاد، ونقاد كبار، لكنهم لا يظهرون مطلقا، «في هذا الوضع البائس الذي يخنق أي مبادرة من مبادراتهم، وجعل النقد الفعلي يتراجع كليا. لم تكن المدرسة التاريخية في النقد الجزائري مهمة إلا من حيث تمكنها من جمع ما تشتت من النصوص الأدبية الجزائرية ودراستها. عبد الله الركيبي درس القصة القصيرة في الجزائر ومنحها تاريخا لم يكن موجودا قبله، كذلك فعل الدكاترة صالح خرفي ومحمد ناصر وعبد الله الركيبي بالنسبة للشعر، كلاسيكيا كان أو حرا، أو دينيا، وأسسوا له تاريخا ومدارس سهّل على القارئ فهم الظواهر».
وثمّن واسيني محاولات أبناء جيله أو الجيل القريب منه من أمثال عبد الحميد بورايو، رشيد بن مالك، يوسف لطرش، آمنة بلعلى، كما تحدث عن الاستثناءات التي قال على «أنها موجودة بكل تأكيد ومهمة لا يمكن القفز على جهود يوسف وغليسي، وحيد بن بوعزيز، واليامين بن تومي، وغيرهم كثير.
للتذكير شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة إصدارات مهمة من الاعمال الروائية والقصصية والشعرية، وبقيت هذه الأعمال تنتظر دورها من المتابعة النقدية الجادة، بعيدا عن القراءة الإجترارية حتى تستطيع الوقوف على دروب الكتابة وفنياتها الجمالية، ما يسمح للنقد بمرافقة الابداع الأدبي في شتى الأجناس الأخرى.