الـــذّكـــاء الاصــطــنــاعـــي..دافع قوي لتثمين التّراث وحمايته
قال الدكتور محمد حميرة، المختص في صيانة وترميم الآثار بجامعة الجلفة، في تصريح لـ “الشعب”، إنّ الجزائر تمتلك ثروة تراثية هائلة، تمتد من رسومات ما قبل التاريخ في الهقار وبشار، إلى النقوش الصخرية بولاية الجلفة، ثم المواقع الرومانية مثل تيمقاد وقبر الرومية بتيبازة، وصولا إلى آثار العهد الإسلامي مثل قلعة بني حماد بالمسيلة وتاريخ تلمسان المجيد.
وأوضح الدكتور حميرة أنّ هذا التنوع يجعل من الجزائر “قارة أثرية” بامتياز، قادرة على دعم الاقتصاد المحلي وخلق مناصب شغل في قطاعات متعددة. وأن هذا التراث يمثل “البطاقة الوطنية للهوية الاقتصادية”، مشيرا إلى أن الاستثمار فيه يمكن أن يحقق مكاسب معتبرة للاقتصاد الوطني، خاصة من خلال السياحة الثقافية، التي باتت تدر عملة صعبة وتعزز من صورة الجزائر في الخارج.
ولفت الدكتور إلى أهمية استثمار التكنولوجيا الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، في إعداد فيديوهات رقمية ترويجية تبرز تنوع الجزائر الثقافي والجغرافي من أقصى الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب. وأوضح أن الجيل الجديد من السياح أصبح يعتمد بشكل كبير على منصات مثل “فيسبوك”، “تيك توك”، و«يوتيوب” لتحديد وجهاته السياحية.
وفي هذا السياق، أشار المتحدّث إلى أهمية تثمين التراث اللامادي، من فن الراي والموسيقى الشاوية إلى الطبخ التقليدي واللباس المحلي، باعتبارها عناصر اقتصادية قابلة للاستثمار. وبين أن هذه العناصر يمكن دمجها في مسارات السياحة والمهرجانات، ما سيعزّز من شعاع الجزائر الثقافي ويزيد من فرص الاستفادة الاقتصادية.
وأشار إلى أنّ هناك عدد من الدول التي نجحت في تحويل تراثها الثقافي إلى محرك رئيسي لاقتصادها، مثل إسبانيا وإيطاليا، وهي أمثلة حية على الفوائد الكبيرة التي يمكن جنيها من هذا القطاع، حيث قال “فإسبانيا، على سبيل المثال، نجحت في جعل سياحتها الثقافية جزءا أساسيا من اقتصادها، من خلال الاستفادة من المواقع الأثرية والمعالم التاريخية في جميع أنحاء البلاد. وبالمثل، تمكّنت إيطاليا من تحويل مواقعها الرومانية والمعمارية إلى عامل جذب سياحي رئيسي”.
ودعا الدكتور حميرة إلى تأسيس شركات ناشئة ومتخصصة في التراث الثقافي، مع ضرورة تكوين مرشدين سياحيين محترفين، قادرين على مرافقة السياح وتقديم محتوى معرفي، مع الحفاظ على المواقع من التلف الناتج عن الاستغلال غير المدروس.
وأكّد أنّ التحدي لم يعد في وفرة المواقع التراثية، بل في قدرتنا على تفعيلها اقتصاديا، وربطها باستراتيجية وطنية شاملة، تخرج الجزائر من منطق الافتخار الرمزي إلى منطق الاستثمار العملي.