مبدع رائعة “دورية نحو الشرق” الرّاحل عمار العسكري

علامة فارقة في تاريخ الفن السّابع الجزائري

يعد السينمائي الراحل عمار العسكري من كبار المخرجين الجزائريين، وعلامة فارقة في تاريخ الفن السابع الجزائري، إذ قدّم عددا من الأفلام التاريخية الهامة حول حرب التحرير، أبرزها تحفته الخالدة “دورية نحو الشرق”، التي كانت من أبرز إبداعات العهد الذهبي للسينما الجزائرية.
وتميّز العسكري (الذي مرت على وفاته 10 سنوات)، برؤية إخراجية واقعية وأسلوب فني راق حاكى تاريخ الثورة التحريرية بجمالية عالية، وقد أدرك منذ بداياته أن السينما وسيلة أساسية لتخليد هذه الثورة المجيدة والتأريخ للكفاح المسلح للجزائريين ومعاناتهم في ظل الاحتلال الفرنسي وخصوصا في الأرياف.
لقد تشبّع الراحل، وهو من رواد السينما الجزائرية، ومنذ نعومة أظفاره بقيم النضال والالتزام، حيث شارك في إضراب الطلبة الجزائريين في 19 ماي 1956 الذي دعا له الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين تحت لواء جبهة التحرير الوطني، ليلتحق بعدها بصفوف جيش التحرير الوطني سنة 1957 بالولاية التاريخية الثانية، ثم بالقاعدة الشرقية “بغارديماو” التونسية، وهذا المسار النضالي ترك بداخله أثرا كبيرا جعله فيما بعد من كبار السينمائيين الجزائريين ومن رواد الواقعية الثورية.
ودرس العسكري، وهو من مواليد 1942 بمدينة عين الباردة بعنابة، بالعاصمة اليوغسلافية بلغراد (صربيا حاليا)، وتحصّل على شهادة عليا في الإخراج من أكاديمية المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون لبلغراد في 1966، ثم شهادة دراسات عليا في العلوم الاقتصادية والعلوم السياسية من جامعة الجزائر.
وانخرط بعدها الراحل في مسار حافل، إذ أثرى الذاكرة السينمائية الجزائرية بالعديد من الأعمال المتميزة، أهمها “دورية نحو الشرق” (1971)، وهو تحفة سينمائية عن حياة المجاهدين في الجبال، وقد جسّد بحق بطولات جزائرية فردية وجماعية في تجانس رائع، إضافة إلى ما قدمه من قيم إنسانية نبيلة ميزت الثورة والثوار بشكل عام.
ويتطرّق هذا العمل الواقعي، الذي شارك فيه نخبة من الممثلين الجزائريين كحسان بن زيراري وحاج اسماعيل محمد الصغير ونور الدين مزيان، لمهمة ثورية نحو الشرق الجزائري وما لاقته من مصاعب جمة أدت لاستشهاد العديد من المجاهدين، وقد عرف لدى الجزائريين بالصيحة الشهيرة “ياو عليكم..”، الذي أداها الراحل حجاجي العياشي.
ويعد أيضا “أبواب الصمت” (1988) الذي يتطرّق لقصة “عمار البكوش”، والذي شارك فيه الممثل الراحل حسن الحسني وهو في فراش المرض، من روائع العسكري وملحمة إنسانية حزينة تحكي عن معاناة الجزائريين إبان الاستعمار الفرنسي، كاشفا جرائم هذا الاستعمار البغيض الذي لم يرحم أحدا، وقد أبدع من خلاله المخرج في تجسيد
ومن أعماله أيضا “المفيد..سننتصر” (1978) الحائز على الجائزة البرونزية بمهرجان دمشق السينمائي بسوريا، والذي يتناول موضوع الثورة الزراعية في جزائر ما بعد الاستقلال، في حين كان آخر أعماله فيلم “زهرة اللوتس” (1998)، وهو إنتاج مشترك جزائري فيتنامي يحكي عن قصة صحفية بالتلفزيون الفيتنامي تدعى “حورية” تأتي للجزائر لإنجاز ريبورتاج مصور فتلتقي بوالدها الجزائري، حيث يعكس العسكري من ورائها قصة كفاح شعبين تجمعهما عدالة القضية والمستدمر المشترك.
وقدّم الراحل أيضا في بداياته عدة أفلام قصيرة من بينها “جحيم في السن العاشرة” (1968) و«البلاغ” (1969)، والتي سلّط من خلالها الضوء على طموحات وآمال الجزائريين في مرحلة ما بعد الانعتاق والتحرر، وقد توّج مساره السينمائي ككل بعدة جوائز نالها في تظاهرات دولية مختلفة كمهرجان “قرطاج” بتونس و«فيسباكو” ببوركينافاسو.
وعمار العسكري هو أيضا نقابي ومناضل في سبيل سينما جزائرية ذات حضور دولي، فقد شغل منصب أمين عام نقابة السينمائيين والتقنيين والعمال بالاتحاد العام للعمال الجزائريين في 1980، كما شغل منصب مدير المركز الجزائري للفن والصناعة السينماتوغرافية (كاييك) في 1996.
وبرز الراحل أيضا بعضويته في عدة هيئات ثقافية وتاريخية تعنى بالذاكرة، فقد كان عضوا مؤسّسا بمؤسسة “مفدي زكريا” ومؤسسة “أصدقاء الجزائر مع فيتنام”، وكذا عضوا رئيسا للجمعية الفنية السينمائية “أضواء” التي ترأسها إلى غاية وفاته.
وتمّ تكريم العسكري، الذي وافته المنية في الفاتح ماي 2015 عن 73 عاما، في عدة مناسبات ومهرجانات اعترافا برصيده السينمائي الثري والتزامه الدائم بالقضية الجزائرية، ودفاعه المستميت عن قطاع السينما في الجزائر، وقد كانت آخر أمانيه إنجاز فيلم حول مسار المناضل الرمز فرانز فانون.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19764

العدد 19764

الإثنين 05 ماي 2025
العدد 19763

العدد 19763

الأحد 04 ماي 2025
العدد 19762

العدد 19762

السبت 03 ماي 2025
العدد 19761

العدد 19761

الأربعاء 30 أفريل 2025