موقف ثقافي واع وليس مجرد نوستالجيا..فيصل الأحمر لـ”الشعب”:

استلهام الـتراث في “الروايـة” يعـزّز الهويـة ويقـاوم النـسيــان

فاطمة الوحش

الأدب الجــزائـري لم يــتـنـكــّر لــلـمـوروث الـشــعبـــي

أكّد الكاتب والروائي فيصل الأحمر، أن التراث الشعبي يحضر بقوة وذكاء في الأدب الجزائري، لا سيما في الرواية، التي يعتبرها الحقل الأكثر انفتاحا على استلهام الذاكرة الجمعية. وأوضح في تصريح لـ«الشعب” أن ثمة ضرورة للتمييز بين الأدب الشعبي، باعتباره أدبا شفهيا متداولا بين الناس بلغاتهم ولهجاتهم، وبين الأدب الرسمي ذي الطابع الشعبي، الذي يُكتب بالعربية الفصحى ويُقدَّم في المؤسسات التعليمية والثقافية، لكنه يستوحي عمقه الجمالي ومصادر تفرده من التراث الشعبي.

وأشار الدكتور فيصل الأحمر، إلى أن الرواية الجزائرية، منذ بداياتها، لم تتنكر لهذا الموروث، بل انطلقت منه، وغرفته من معين الذاكرة الشفوية والمخيال الجمعي. وقال: “أستطيع أن أذكر عشرات النصوص الروائية التي تحيل مباشرة إلى التراث الشعبي، سواء القديم المتداول شفهيا أو ذلك المترسّخ في الوجدان الجماعي”. ولفت إلى أن هذا الحضور يبدو واضحًا في أعمال روائيين كبار، من أمثال مولود فرعون، الذي وظّف الثقافة الشعبية في رسم شخصياته، ومولود معمري، الذي عني بتدوين التراث الشفهي للقبائل وأدرجه ضمن البنية الفنية للرواية.
كما أشار المتحدث إلى أن هذا التوجه لم يتوقف عند الرواد، بل تواصل بعد مرحلة الكبار أمثال عبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار والطاهر جاووت وعبد المالك مرتاض، وامتد إلى أسماء معاصرة مثل حسين علام وجيلالي خلاص ومحمد مفلاح وواسيني الأعرج واليامين بن تومي، الذين أعادوا الاشتغال على التراث الشعبي برؤية فنية معاصرة.
وفي سياق متصل، شدّد الدكتور فيصل الأحمر، على أن استلهام التراث ليس مجرد استدعاء للقديم، بل هو فعل ثقافي يُسهم في الحفاظ على مقومات الهوية وتعزيز الانتماء الثقافي. وقال: “اللغة التي نستعملها في الكتابة هي العربية، وهي لغة ذات امتداد جغرافي واسع، لكن داخل هذا الامتداد توجد خصوصيات محلية ينبغي صونها، والتراث الشعبي هو الوعاء الطبيعي لهذه الخصوصيات”. وأضاف أن الهوية في جوهرها هي التاريخ المحلي والذاكرة الحية، وهي تتجلى بدرجة كبيرة في الحكايات والأغاني والأمثال والأساطير المتداولة شفهيا.
وذكر فيصل الأحمر أن استلهام التراث يجب أن يُفهم بوصفه موقفا ثقافيا واعيا، لا مجرد حنين نوستالجي، موضحًا أن “الكتابة في وجه الزمن هي فعل مقاومة ضد النسيان والمحو، والاشتغال على التراث هو أحد أشكال هذه المقاومة، من خلال التدوين وترك البصمات”.
أما فيما يخص التقنيات السردية التي يعتمدها الروائيون لتوظيف التراث الشعبي في نصوصهم، قال محدثنا إن ثمة مجموعة من الأساليب الفنية التي أثبتت فعاليتها. من بينها دمج الحكايات الشعبية ضمن السرد الروائي، سواء بإيرادها كاملة أو بإعادة صياغتها، مما يمنح النص بعدًا أسطوريا وارتباطا وثيقا بالذاكرة الجماعية..كما يستعين بعض الكتّاب بشخصيات تراثية وأسطورية، مثل جحا أو الزير سالم، ضمن سياقات سردية جديدة تؤدي وظائف رمزية تتراوح بين النقد والسخرية وتمثيل الوعي الجمعي.
وتبرز أهمية اللغة الشعبية والأمثال كمكوّن حيوي في هذا السياق، إذ تتيح للأعمال الروائية التعبير عن حكمة المجتمع وتجربته، كما تساهم اللهجات المحلية في إضفاء طابع من الواقعية والصدق على الحوارات  ومن جهة أخرى، فإن الطقوس والمعتقدات والعادات المرتبطة بالزواج والموت والاحتفالات تُدمج في النسيج السردي لتكشف عن بنية المجتمع الثقافية، وغالبا ما تُوظف للكشف عن التوتر بين العقل والخرافة، أو بين الدين والتقاليد، يضيف فيصل الأحمر.
وأشار أيضا إلى أن بعض الروائيين يستلهمون البنية الزمنية الدائرية للحكاية الشعبية، حيث تتكرر الأحداث أو تُروى خارج التسلسل الزمني التقليدي، مما يمنح الرواية طابعا تأويليا أو ملحميا. كما تُستثمر عناصر التراث كمصدر للرمز والأسطورة، وتُعاد قراءتها في ضوء الحاضر لمقاربة قضايا معاصرة..ويعمد بعض الكتّاب إلى محاكاة أسلوب الحكاية الشفوية من خلال التكرار، وصيغ النداء، والتوجه المباشر للقارئ، وهو ما يمنح النص طابعًا شعبيًا يقربه من المتلقي ويعزز صلته بالثقافة الجماعية.
وفي ختام حديثه، قال الدكتور فيصل الأحمر: “الرواية ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي وعاء للذاكرة ووسيلة مقاومة ثقافية، ومن هنا تأتي أهمية استلهام التراث الشعبي، لا كإطار خارجي، بل كمكوّن أصيل من مكونات الكتابة السردية الجزائرية”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19765

العدد 19765

الثلاثاء 06 ماي 2025
العدد 19764

العدد 19764

الإثنين 05 ماي 2025
العدد 19763

العدد 19763

الأحد 04 ماي 2025
العدد 19762

العدد 19762

السبت 03 ماي 2025