إدمـاج المـتــاحف في الـــدورة الاقتـصاديـة مـا يـزال دون التـطـلـعـات..
سلّطت الأستاذة الجامعية المتخصصة في التراث ومديرة قصر رياس البحر، الدكتورة فايزة رياش، الضوء على واقع المتاحف في الجزائر، مؤكدة على تنوعها الكبير وأهميتها في صون الذاكرة الوطنية، داعية إلى إدماجها ضمن ما يعرف بـ«الاقتصاد البنفسجي”، الذي يزاوج بين الثقافة والإبداع والتنمية المستدامة.
وأوضحت فايزة رياش في تصريح لـ«الشعب”، أن الجزائر تتوفر على شبكة واسعة من المتاحف الوطنية، يصل عددها إلى 23 متحفًا، موزعة على مختلف الولايات، وتغطي مجالات متعددة، منها متاحف الآثار كمتحفي سطيف وقسنطينة، والفنون والتقاليد الشعبية مثل متحف الجزائر العاصمة وأحمد باي، ومتاحف الإثنوغرافيا كـ«الباردو”، إضافة إلى متاحف للفنون الجميلة والفن المعاصر بالعاصمة ووهران، ومتاحف التراث الطبيعي على غرار زبانا.
كما لفتت إلى وجود متاحف متميزة في الجنوب، من بينها متحف تندوف ومتحف المنيعة، الذي يضم مواد جيولوجية وبلونتولوجية نادرة، كعظام الديناصورات والزواحف المتحجرة، إلى جانب أحجار استثنائية تعود إلى عصور سحيقة، مما يعزز القيمة العلمية والثقافية لهذه المؤسسات.
وأشارت رياش، إلى أهمية ما يسمى بمتاحف المواقع، التي تُلحق عادة بمناطق أثرية بارزة، كمتحف تيبازة، جميلة، تبسة، تيمڨاد وتازولت، والتي تحتضن بقايا أثرية مكتشفة في مواقعها الأصلية، وتكاد تصل إلى 25 متحفا. ورغم الترسانة القانونية التي تتيح إنشاء متاحف خاصة، فإن تفعيل هذا المسار لا يزال محدودًا، حسب تعبيرها.
ورغم تنوع هذه البنية التحتية الثقافية، اعتبرت فايزة رياش، أن إدماج المتاحف في الدورة الاقتصادية لا يزال دون التطلعات، مشددة على أن السياحة الثقافية تشكل إحدى واجهات الاقتصاد البنفسجي الذي يربط الثقافة بالإبداع، وهو ما يجعل من المتحف ركيزة محورية في هذا التوجه، ليس من خلال الطابع الربحي، بل عبر مساهمته في استقطاب الزوار، تنظيم الفعاليات، واستغلال الفضاءات التاريخية لأغراض ترويجية وفنية.
وأوضحت المتحدثة في هذا السياق، أن المفهوم الجديد للمتحف، كما أقره المجلس الدولي للمتاحف )COM( في جمعيته العامة المنعقدة ببراغ عام 2022، ينص على أن المتحف مؤسسة غير ربحية، تؤدي وظائف تربوية وثقافية، وتسهم في صون التراث وتحقيق التنمية المستدامة، دون أن تُختزل في منطق اقتصادي ضيق. واعتبرت أن المتحف أشبه بمرآة لهوية الأمة، وخزانة لذاكرتها، وأن وظيفته تتكامل مع المدرسة في ترسيخ القيم وتعزيز المواطنة.
في المقابل، أكدت رياش أن هذا الدور لا يمكن أن يتحقق دون إعادة تأهيل عميقة لفضاءات العرض، وإدماج الوسائط التكنولوجية الحديثة، من جولات افتراضية، ووسائل تفاعلية، وسينوغرافيا مبتكرة تحفز الزائر على الاكتشاف والتفاعل. واعتبرت أن الزائر الجزائري اليوم، بحكم اطلاعه على التجارب الدولية، بات يطالب بتجربة متحفية تواكب المعايير العالمية.
وأضافت فايزة رياش أن تحديث المتاحف يبدأ بجرد شامل للممتلكات الثقافية، باعتباره خطوة محورية في حمايتها، خصوصا بالنسبة للتراث المنقول والمجالات المرتبطة بالإثنوغرافيا. كما شددت على ضرورة تبني استراتيجيات لإدارة المخاطر، سواء كانت طبيعية أو بشرية، مشيرة إلى أن أغلب المتاحف الجزائرية تتواجد في مواقع أثرية أو بنايات تاريخية، ما يجعلها عرضة لمخاطر متعددة تستوجب خططًا وقائية فعالة.
وعن تجربة قصر رياس البحر، أوضحت رياش أن فتح فضاءات جديدة موجهة للأطفال، كـ«فضاء الريس الصغير”، وتنظيم ورشات للحرفيين وتهيئة قاعات عرض حديثة، أدى إلى ارتفاع ملحوظ في عدد الزوار، ما يؤكد أن تحديث العرض الثقافي يسهم في استقطاب الجمهور، لاسيما المحلي منه. واعتبرت أن المتحف، وفق هذا المنظور، يصبح فضاء للإبداع والتفاعل والتربية الجمالية، لا مجرد مستودع للتحف والقطع الأثرية.
وختمت حديثها بالتشديد على أن الجزائر تمتلك رصيدا تراثيا فريدا يمكن أن يشكل رافدا قويا للسياحة الثقافية والاقتصاد الوطني، إذا ما تم الاستثمار في تحديث المتاحف، وتفعيل دورها كمؤسسات حيوية لنقل المعرفة، وغرس القيم، والحفاظ على الذاكرة الجماعية.