صدر في الرابع أفريل 2025 وحقّق 910 ملايين دولار إيرادات..

”مايــن كرافـــت”.. رسالة الإبداع في عصر “الكل رقمي”

كتب: سليمان. ج

نجـــاح تجـاري واسع لم يعــف الفيلـم مــن ملاحظــات النّقــاد

 منذ انطلاقها عام 2011، استحوذت لعبة الفيديو “ماين كرافت” على قلوب وعقول الملايين حول العالم، وحقّقت مكانة بارزة كظاهرة ثقافية ببيع أكثر من 300 مليون نسخة، فترسّخت “ماين كرافت” كأكثر ألعاب الفيديو مبيعًا على الإطلاق.. هذه الشعبية الهائلة خلقت - بطبيعة الحال - ترقبًا كبيرًا لدى إعلان تحويل هذا العالم المكعّب إلى فيلم سينمائي. إلاّ أنّ التحدي الذي واجه صنّاع الفيلم كان فريدًا من نوعه، ذلك أنّ “ماين كرافت” في جوهرها لعبة “رملية” مفتوحة، لا تفرض على اللاعبين قصة محدّدة، بل تمنحهم حرية الإبداع والتجوال في عالم لا نهائي. ما جعل التحدي يتمثل في كيفية ترجمة التجربة التفاعلية إلى سرد سينمائي خطي..

في الرابع من أبريل عام 2025، وصل فيلم “A Minecraft Movie” إلى دور العرض، وحقّق نجاحًا تجاريًا ملحوظًا منذ اللحظات الأولى لعرضه، فقد استطاع الفيلم أن يتصدّر شباك التذاكر في عام 2025 بإيرادات افتتاحية هي الأكبر على الإطلاق، وتفوق حتى على فيلم “Deadpool & Wolverine”.
على الصعيد العالمي، تجاوزت إيرادات الفيلم 910 ملايين دولار بميزانية إنتاج تقدر بـ150 مليون دولار، ليصبح بذلك ثاني أعلى فيلم مقتبس عن لعبة فيديو تحقيقًا للإيرادات على الإطلاق في تاريخ السينما.
على الرغم من هذا الإنجاز التجاري اللّافت، فإنّ النقاد استقبلوا الفيلم بآراء متباينة، حيث حصل على متوسط تقييم 45 من 100 بناءً على 40 مراجعة نقدية.. هذا التباين بين النجاح الجماهيري والاستقبال النقدي أثار تساؤلات حول طبيعة “ماين كرافت”، وما إذا كان قد استطاع بالفعل أن يلامس جوهر تجربة اللعبة، أم أنه اكتفى بالاستفادة من شعبية العلامة التجارية دون تقديم محتوى سينمائي متكامل.
هل نجح الفيلم في استحضار سحر “العالم المكعب” على الشاشة الكبيرة، أم أنه خيّب آمال محبي اللّعبة وعشاق السينما على حدّ سواء؟ هذا هو السؤال..

بـــين “البكســـل” والواقـــع.. ترجمـــة اللّعبــة

 تكمن أكبر التحديات في تحويل لعبة فيديو تعتمد على البساطة البصرية مثل “ماين كرافت” إلى فيلم سينمائي، في إيجاد توازن بين الحفاظ على المظهر المميز للعبة، وتقديم تجربة بصرية جذابة على الشاشة الكبيرة. فقد سعى الفيلم إلى إعادة تصوّر العالم المكعب الشهير بأسلوب يجمع بين الواقعية والتأثيرات الرقمية. ولقد أشاد عدد من النقاد بالجهود المبذولة في هذا الموضوع، وأشاروا إلى أنّ المؤثرات البصرية نجحت في بعث الحيوية في “المخلوقات المكعبة” بشكل جيد. ما يعني أنّ صناع الفيلم أولوا اهتمامًا خاصًا لترجمة العناصر البصرية المألوفة من اللعبة إلى لغة سينمائية.  
في المقابل، لم يسلم الفيلم من الانتقادات فيما يتعلّق بأسلوبه البصري، فقد وصفه بعض النقاد بأنه “قبيح بشكل ملحوظ” أو أقرب إلى “فيديو يوتيوب من عام 2013”.. هذا الإختلاف في الآراء يعكس صعوبة تحقيق إجماع حول كيفية تمثيل عالم “ماين كرافت” بصريًا في فيلم واقعي. فقد يرى البعض أنّ الفيلم نجح في التقاط جوهر اللعبة، بينما يجد آخرون أنّ المحاولة تبدو مصطنعة أو غير ملهمة.  
من الجوانب الإيجابية التي لاحظها المتفرّجون، هو تضمين الفيلم للعديد من العناصر والمخلوقات وآليات اللعب التي يعرفها محبو “ماين كرافت”. فقد ظهرت مخلوقات شهيرة مثل “الكريبرز” والمخلوقات المتحولة و«الزومبيات”. كما تم دمج عنصر الصناعة، وهو جزء أساسي من طريقة لعب “ماين كرافت”، في سياق القصة، حيث قام “ستيف” (صاحب دور البطولة) بتعليم الشخصيات الأخرى كيفية الصناعة.. هذا الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة يهدف إلى خلق شعور بالألفة والتقدير لدى جمهور اللعبة.  
وقد أكّد مخرج الفيلم، جاريد هيس، أنّ فريق التصميم، بقيادة غرانت ماجور (مصمم إنتاج فيلم King Kong)، عمل على إحياء عالم “ماين كرافت” باستخدام مواد ذات ملمس مكعب ومناطق حيوية نابضة بالحياة ودعائم مربعة، مع الاعتماد على المؤثرات العملية والفنون الرّقمية. وهو ما يشير إلى وجود جهد حقيقي من قبل صناع الفيلم لتقديم تجربة بصرية تحترم المظهر الفريد للعبة على نطاق سينمائي واسع، مع الأخذ في الاعتبار خيارات العرض بتقنيتي IMAX و3D.  

شخصيـــات مـــن ورق أم قوالـب إبداعيـــة؟

 تدور أحداث الفيلم حول أربعة أشخاص غير متوافقين يتم سحبهم عبر بوابة غامضة إلى عالم “أوفرورلد” المكعب الغريب.. أول الشخصيات غاريت “رجل القمامة” غاريسون، بطل ألعاب الفيديو السابق الذي يؤدي دوره جيسون موموا، ثم ستيف، الخبير في الصناعة الذي لم يكن متوقّعًا، ويجسده جاك بلاك، وناتالي، الأخت اليتيمة التي تلعب دورها إيما مايرز، ودون، وكيلة العقارات التي تحلم بامتلاك حديقة حيوانات، وتؤدي دورها دانييل بروكس، ثم هنري، شقيق ناتالي الأصغر الذي يمتلك حقيبة ظهر نفاثة، ويقوم بدوره سيباستيان يوجين هانسن.  
تنطلق المجموعة في مهمة سحرية مع ستيف لإتقان التعامل مع هذا العالم الجديد، والعودة إلى ديارهم، بينما يحاولون حماية “أوفرورلد” من الساحرة الشريرة، “مالغوشا” التي تسعى إلى الانتقام من عالم “أوفرورلد”، وهي تبدو غريبة بعض الشيء، حيث تسعى للانتقام بسبب انتقادات تعرضت لها في عرض مواهب تعرّضت فيه إلى تنمر لا يطاق.. الصراع الرّئيسي إذن، يتمحور حول موضوع الإبداع، حيث تلعب “كرة الهيمنة” دورًا محوريًا. وتنشأ الأحداث من كراهية مالغوشا لـ«الإبداع”.  
وتعتمد حبكة (ماين كرافت) على العديد من القوالب التقليدية لأفلام المغامرات الخيالية، حيث تجتمع مجموعة غير متجانسة من الأبطال في رحلة لهزيمة قوة شريرة وإنقاذ أرض سحرية. وقد أشار بعض المراجعين إلى أوجه التشابه مع أفلام مثل “جومنجي” و«سيد الخواتم”.. غير أن هذه نقطة إيجابية لصالح الفيلم حيث تجعله مألوفا، يسهل على الجمهور الواسع الوصول إليه، ولكنه قد يفتقر إلى الأصالة بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن سرد أكثر ابتكارًا أو استكشافًا أعمق لعالم “ماين كرافت”.. بالتالي.. قد يُنظر إلى الاعتماد على القوالب المألوفة على أنها “خيار آمن”، ولكن يبقى خيارا غير ملهم.  
وقد تعرض تطوير الشخصيات في الفيلم لانتقادات عديدة، حيث وصفها عدد من النقاد بأنها “سطحية” أو “مرسومة بخطوط رفيعة” أو مجرد “نماذج نمطية متعبة”. حتى أن أحد المراجعين ذهب إلى أن المتفرج لن يلاحظ غياب أن شخصيات مثل دون وغاريت.
وقد لاحظ نقاد أنّ الفيلم لا يهتم كثيرًا بالعلاقات بين الشخصيات، ممّا يجعل بعض اللحظات محرجة أو فارغة. وقد ذكرت شخصية دون التي تؤديها دانييل بروكس على وجه الخصوص بأنها لم تحصل على أشياء كثيرة لتقدمها في الفيلم، ويعتقد النقاد أن النقص في تطوير الشخصيات قد يضعف قدرة الجمهور على الارتباط عاطفيًا بالقصة، ممّا يجعل الاهتمام بصراعاتهم أو انتصاراتهم صعبا للغاية.  
أداء الممثلين الرئيسيين خضع لتشريح النقاد أيضا، وكان هناك تباينا كبيرا في الآراء بخصوص أداء جاك بلاك في دور ستيف، وجيسون موموا في دور غاريت، إذ هناك من أشاد بحيوية جاك بلاك المعهودة، معتبرين أنها مناسبة لروح الفيلم، بينما وجدها آخرون مبالغًا فيها. وقد وصف أداؤه بأنه في “وضع المعلم الأحمق الكامل”. في المقابل، تم الإشادة بالكيمياء بين بلاك وموموا باعتبارها نقطة قوة في الفيلم، حيث وصف “الرابطة الأخوية” بينهما بأنها تضيء الشاشة. ومع ذلك، انتقد عدد من النقاد أداء بلاك، ووصفوه بأنه “مزعج” وغير مضحك.
هذا التباين في الآراء حول أدائه يسلّط الضوء على مدى اختلاف تصورات المشاهدين حول شخصية ستيف وكيفية تجسيدها.  

كوميديــــا مكعبـــة أم فكاهـــة باهتــــة؟

 صنف “ماين كرافت” على أنه فيلم حركة كوميدي عائلي. وقد حاول المخرج جاريد هيس، المعروف بأعماله الكوميدية السابقة مثل “Napoleon Dynamite” و«Nacho Libre”، استعادة أسلوبه الفكاهي العبثي والعشوائي في هذا الفيلم. وقد أشار المخرج نفسه إلى أن سلوك الجمهور أثناء العروض كان “مضحكًا للغاية”. وقد تضمن الفيلم بعض النكات التي تستهدف جمهورًا أصغر سنًا بالإضافة إلى بعض الإشارات الخفية للكبار. ما يعني أن المخرج حاول تقديم كوميديا متعدّدة المستويات تستهدف شرائح مختلفة من الجمهور.  
ومع ذلك، يبدو أن الفيلم اعتمد بشكل كبير على الفكاهة السخيفة والعبثية، والتي قد تروق للجمهور الأصغر سنًا ومحبي أعمال المخرج السابقة، لكنها تنفر الباحثين عن كوميديا أكثر نضجًا أو تعقيدًا. وقد وجد كثير من النقاد أن الفكاهة في الفيلم لم تنجح في تحقيق الهدف المطلوب. وقدروا أن الفكاهة مصمّمة لتتناسب مع الطبيعة الغريبة وغير المنطقية للعبة، لكن طريقة تنفيذها هي العامل الحاسم في مدى جاذبيتها للجمهور الأوسع.  
وقد شهدت عروض الفيلم ردود فعل حماسية من الجمهور، بما في ذلك الهتاف بعبارات تردّد في الفيلم مثل (فارس الدجاج) “Chicken jockey!” والقفز والتصفيق، وفي بعض الحالات، رمي الفشار في الهواء. وقد عبر المخرج عن سعادته بهذه الردود، ووصفها بأنها “ممتعة للغاية” و«حفلة حقيقية”. فـ«الفيلم نجح في التواصل مع جمهوره المستهدف على مستوى عاطفي وحماسي، حتى لو لم يتفق ذلك مع توقعات النقاد فيما يتعلق بالجودة السينمائية أو التعقيد السردي” كما يقول المخرج، ويضيف: يمكن اعتبار هذا “الجو الاحتفالي” في دور العرض مؤشّرًا على مستوى من الانخراط والمتعة بين المعجبين يتجاوز التقييم النقدي التقليدي.  
وتراوحت الأوصاف العامة لنبرة الفيلم بين “أحمق” و«غريب الأطوار” إلى “فوضى وردية ساخنة مفرطة النشاط” و«هراء يمكن التنبؤ به”. وقد وجده البعض “رحلة ممتعة لم تأخذ نفسها على محمل الجدّ”. ويشير هذا التباين في الأوصاف إلى أن تنفيذ الفيلم قد يكون غير متساوٍ أو أنه يتبنى عبثية متعمدة، وهو ما قد يكون خيارًا أسلوبيًا مقصودًا من قبل المخرج جاريد هيس، المعروف بحساسيته الغريبة الأطوار. قد يؤدي مزيج الحركة الحية وعالم اللعبة السخيف بطبيعته إلى تضارب في النبرة، أو يمكن تفسيره على أنه نهج مرح وواع بذاته يتردد صداه مع العناصر غير المنطقية في كثير من الأحيان في اللعبة.  

بــين الفيلــم واللّعبــة..

 يعد موضوع الإبداع محورًا أساسيًا في فيلم “A Minecraft Movie”، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بأسلوب اللعب الأساسي في لعبة “ماين كرافت”. وقد أكّد الفيلم مرارًا وتكرارًا على أهمية الإبداع، حيث تعلم الشخصيات أنّ الإبداع ضروري للبقاء على قيد الحياة في عالم “أوفرورلد”.  
وتعرّض الفيلم لانتقادات لكونه “غير مبتكر” أو يفتقر إلى “عالم الإبداع اللّانهائي” الذي تتميز به اللعبة، وبدلاً من ذلك، بدا “روتينيًا وغير جذاب”. حتى أن هناك في النقاد من شعر بأنه لم يفهم “ماين كرافت” على الإطلاق. على الرغم من الترويج الصريح للإبداع كموضوع مركزي، قد لا يجسد السرد والتنفيذ في الفيلم بشكل كامل الروح الإبداعية المفتوحة للعبة، ممّا قد يجعله يبدو أقرب إلى مغامرة مُعدة مسبقًا بدلاً من تجربة تعتمد حقًا على اللاعب.  
ولقد لوحظت فرص ضائعة لعرض جوانب البناء والاستكشاف في اللعبة، والتي تعتبر أساسية لتجربة “ماين كرافت”. وقد أعرب أحد المراجعين عن خيبة أمله لعدم رؤية الشخصيات النسائية وهن يبنين ويدجّنّ الحيوانات بتفصيل كافٍ، على عكس الشخصيات الذكورية التي شاركت في القتال. وذهبوا إلى أن الفيلم كان يمكنه أن يفيد من التركيز بشكل أكبر على آليات اللّعب الأساسية التي يتردّد صداها لدى اللاعبين، مثل متعة بناء هياكل معقدة وإثارة استكشاف المناظر الطبيعية الشاسعة وغير المعروفة.
إنّ إظهار هذه العناصر بشكل أكثر وضوحًا كان من الممكن أن يلتقط جوهر اللعبة بشكل أفضل ويقدّم تكيّفًا أكثر إرضاءً للّاعبين المخضرمين.  
في المقابل، يحاول الفيلم ترجمة موضوع الإبداع داخل اللعبة إلى رسالة أوسع حول أهمية الخيال ومتابعة المرء لشغفه في الحياة اليومية، حيث صرح ستيف بأنه إذا كان المرء شجاعًا بما يكفي، فيمكنه تحويل العالم الحقيقي إلى عالم “أوفرورلد” الخاص به. كما يظهر في النهاية شخصيات الفيلم في أثناء ممارسة قدراتهم الإبداعية في العالم الحقيقي.
في كل حال.. فيلم “ماين كرافت” إبداع متجدّد، ويسمح للصلة الموضوعية مع اللعبة أن تردّد صداها لدى الآباء والمشاهدين الأصغر سنًا، وتقدم رسالة قيمة حول قوة الإبداع خارج نطاق العالم الرقمي، حتى لو كان تنفيذ الفيلم لهذا الموضوع داخل عالم “ماين كرافت” محل نقاش.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19778

العدد 19778

الأربعاء 21 ماي 2025
العدد 19777

العدد 19777

الثلاثاء 20 ماي 2025
العدد 19776

العدد 19776

الإثنين 19 ماي 2025
العدد 19775

العدد 19775

الأحد 18 ماي 2025