تقدّم الروائية أميرة حساني في عملها الروائي “غريب في مارسيليا” تجربة إنسانية مليئة بالألم والمعاناة في متاهات اجتماعية ونفسية متعددة، وذلك على مدار فترات مختلفة من هذه الرحلة الإنسانية المتعبة.
تغوص الرواية الصادرة باللغة العربية عن دار “القصبة للنشر”، والتي تندرج ضمن خانة الأدب الواقعي، وبحساسية غائرة في تفاصيل حياة بطل العمل، أحمد، شاب حالم ينحدر من عائلة فقيرة من الريف الجزائري، يعيش صراعات نفسية وترسبات اجتماعية ولدت من رحم وتداعيات فترة الاستعمار، لتتحوّل تدريجيا إلى نزاعات عائلية قاهرة، تدفعه الى مغادرة القرية إلى الجزائر العاصمة، أين يتعود على حياة المدن وسرعة الحركة والضجيج ومنها إلى مارسيليا الفرنسية.
تدور وقائع الرواية ـ التي تقع في 174 صفحة ـ خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث كانت تتطرق الكاتبة إلى الهجرة كتجربة شخصية فحسب، فيدخل القارئ في مغامرة إنسانية فريدة للشاب أحمد الذي اختار العزلة كحل للهروب من مشاكله الاجتماعية والعائلية، حيث خبأت له الأقدار مجددا حزمة من الآلام غريبا وحيدا بمدينة مارسيليا، ممتهنا الصيد في مينائها بالصدفة بعد أن كان يمارس حرفة النجارة.
وتتوالى وقائع الرواية في سرد مشوق، حيث يقرر الشاب وبالرغم من إحساسه بالذل والاهانة في باخرة الصيد لكونه أجنبيا ولا يحسن المهنة أن “يضمد جراحه بحفنة ملح وتعلم أصول مهنته الجديدة”، وهو لم يكن يتوقع يوما ترك المطرقة والخشب، مؤمنا بأن هذا العمل وهذا التغيير بمثابة بداية جديدة.
وفي رحلة التغيير يقرّر أحمد العمل لتحقيق أول أهدافه في حياته الجديدة، فضلا عن التخلص من هموم الماضي، بالتمكن من مهنة الصيد واقتناء قاربه الخاص، غير أنّ العمل بمفرده في سواحل مارسيليا، يعيده الى ذكريات عائلية مؤلمة على متن “قاربه الأزرق”، ولن يخرج من دوامة الماضي، إلا بعد تعرّفه على فتاة لبنانية، ليلى، جمعت بينهما ظروف صعبة.
ويعتزم أحمد طي كتاب العزوبية والآلام الدفينة سنة 1983، إلا أن العنف الإرهابي سيغير مجرى حياته، بعد وفاة ليلى في عملية إرهابية دموية في القطار الذي كانا على متنه في فرنسا.
وقد تمكّنت الروائية الشابة أميرة حساني في أول عمل روائي لها من إبراز موهبتها في الكتابة، ونسج نص مميز ناعم وعميق، وذلك اعتمادا على قاموس لغوي بسيط وصور بلاغية جميلة، تعكس شحنات عاطفية وجماليات، فضلا على بناء شخوص تتحرك في فضاء زماني يعج بالأحداث المتداخلة.
أميرة فاطمة الزهراء حساني، من مواليد 1997 بالعاصمة، حاصلة على شهادة ماستر في اللغة الفرنسية تخصّ