صدر مؤخراً كتاب “السياسة الحيوية من منظور الفلسفة الاجتماعية: دراسات في الجسد والمرض والعنصرية والعدالة الصحية في النظام الدولي الجديد” للمؤلف الزواوي بغورة، عن دار سؤال للنشر ببيروت عام 2023، يقدم الكتاب، الذي يقع في 344 صفحة، قراءة فلسفية اجتماعية معمقة لقضايا معاصرة وظواهر عالمية محورية، مثل جائحة كوفيد-19، والعزلة، والشعبوية، والعنصرية، والعدالة الصحية في سياق النظام الدولي الجديد.
ويعالج الكتاب، عبر ثمانية فصول، قضايا جوهرية في الفلسفة الاجتماعية، موضحاً علاقتها بالفلسفة الحيوية وأبعادها النظرية والعملية.
وقالت الباحثة زبيدة مونية بن ميسي إن المؤلف يركز على مفهوم “السياسة الحيوية” بوصفه تفاعلاً بين الفعل ورد الفعل، وتأثيره في فلسفة ميشال فوكو والتحليلات السياسية والاجتماعية المعاصرة للظواهر الراهنة كالصحة العامة، والسكان، والإنتاج الزراعي والاقتصادي، والبحث الطبي والتقنيات الحيوية.
كما يستعرض بغورة مقاربات متنوعة للسياسة الحيوية، منها المقاربة الوصفية الفرنسية التي تركز على مشكلة الحياة وعلاقتها بالتطورات في علوم الحياة والبيولوجيا وفلسفة جورج كانغيلام وميشال فوكو، ويشير إلى أن السياسة الحيوية تختلف عن السلطتين السيادية والانضباطية بتركيزها على الممارسات الحكومية الهادفة إلى الحفاظ على صحة السكان ورفاههم، من خلال تنظيم السكان، ومكافحة الأوبئة، وتعويض الضحايا، والاهتمام بالبيئة الطبيعية.
وسجلت بن ميسي أن الكتاب يتناول كذلك المقاربة التحليلية الأميركية-الإنكليزية من خلال أعمال بول رابينوف ونيكولاس روز، حيث يتزايد اندماج العلوم بالسوق، ما أدى إلى ظهور نموذج علمي مندمج بالسوق وآخر يحافظ على استقلاليته، كما يدرس مفهوم “المواطنة البيولوجية”، ويعرج على المقاربة التاريخية الألمانية، من خلال توماس ليمكي، الذي ربط فوكو بكارل ماركس، والسياسة الحيوية بالحكمانية الليبرالية.
ولم يغفل بغورة المقاربة النقدية الإيطالية – تقول بن ميسي - مستعرضاً إسهامات فلاسفة مثل جيورجيو أغامبين الذي يرى أن “تسييس الحياة” يجمع بين السلطتين الحيوية والسياسية، وروبرتو إسبوزيتو الذي وظف مفهوم تدبير الحياة، وموريزيو لازاراتو الذي ربط السياسة الحيوية بالاقتصاد الليبرالي.
ويبرز الفصل الثاني من الكتاب أهمية الجسد في فلسفة فوكو والعلوم الإنسانية والاجتماعية، ويحلل علاقة الجسد بالسلطة، من جسد الحاكم إلى تقنيات السلطة الانضباطية والحيوية، وصولاً إلى فنون الحكم، كما يناقش مفهوم المرض كتجربة وخطاب، مستعرضاً تحليلات فوكو حول المرض وعلاقته بالمؤسسات الطبية والاجتماعية والسياسية.
وخصص بغورة فصلاً كاملاً لمسألة العزلة في زمن جائحة كورونا، متسائلاً عن طبيعتها ودور الفلسفة في تفسيرها، ويعرض موقفين فلسفيين معاصرين: الأول لأغامبين الذي يرى أن الجائحة حالة استثناء استغلت للتقييد، والثاني لإدغار موران ويورغن هابرماس الذي كشفت الجائحة عن ضعف السياسات النيوليبرالية وطالب بتطبيق مبدأ المساواة في الرعاية الصحية، ويقترح بغورة حلولاً أخلاقية تتضمن العناية بالآخر وتعزيز العلاقات الإنسانية.يتناول الكتاب أيضاً – وفق بن ميسي - ظاهرة الشعبوية، معتبراً إياها تعبيراً عن أزمة الديمقراطية في المجتمعات المعاصرة ويشير إلى أن صعود شخصيات مثل دونالد ترامب ومارين لوبان، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، كانا من أبرز مظاهر هذه “اللحظة الشعبوية”، ويحلل الكتاب الخطاب الشعبوي الذي يتميز بالانحياز إلى الشعب، والاعتماد على الزعيم الكاريزمي، والتحريض ضد الفئات التي تعتبر تهديداً، والسعي للقطيعة مع النظام القائم.
وفي سياق مواقف دولية متباينة، عادت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتلقي بظلالها على المشهد المتوتر. فخلال 48 ساعة الماضية (أي منذ صباح الأحد 15 جوان 2025)، وفي ظل حملته الانتخابية المتصاعدة، انتقد ترامب إدارة الرئيس الحالي جو بايدن ووصف سياستها تجاه إيران بأنها “ضعيفة”.ويحرص ترامب على إعادة تأكيد موقفه المتشدد تجاه إيران، الذي تميز بالانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018 وفرض “أقصى الضغوط”. وتوحي تصريحاته الأخيرة بأنه في حال عودته إلى البيت الأبيض، سيعتمد نهجاً أكثر صرامة تجاه طهران، وقد لا يمانع في تصعيد المواجهة (الكتاب صدر قبل الانتخابات الأمريكية الأخيرة). وقد لمح ترامب إلى أن رده على الهجوم الإيراني المباشر كان سيكون “أكثر حسماً” من رد إدارة بايدن، في محاولة لاستعراض قوته واستعادة نفوذه في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة وأن الكيان الصهيوني يحظى بدعم قوي من قاعدته الانتخابية. هذه التصريحات، وإن كانت تأتي في سياق الحملة الانتخابية، إلا أنها تزيد من حالة عدم اليقين بشأن مسار السياسة الأمريكية المستقبلية تجاه المنطقة.
كما يتطرق المؤلف إلى مسألة العنصرية، محللاً تاريخها ومحدداتها، ويكشف ارتباطها بالتعصب العرقي والنظرة الدونية للآخر. ويستشهد بفلاسفة مثل ديدييه فاسين ونانسي فرازر في تحليلها للرأسمالية.
ويختتم الكتاب بمناقشة مستقبل النظام الدولي الجديد وعلاقته بالأزمة الصحية العالمية، محللاً التنافس بين الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وتأثير العولمة على هذه الديناميات. ويستنتج بغورة أن المعطيات الحالية تشير إلى عالم متعدد الأقطاب، مع هيمنة نسبية للولايات المتحدة وصعود قوى أخرى.ويشدد على ضرورة مساءلة أسس العولمة من منظور نقدي، لكشف حدودها وفتح آفاق جديدة أمام الإنسانية.ويخلص بغورة إلى أن جائحة كورونا كشفت عن غياب التضامن العالمي والعدالة الصحية، وساهم فشل العولمة الليبرالية في تعزيز الدولة القومية والوطنية، مؤكداً على أهمية العلم في مواجهة الأزمات الصحية والتحليل النقدي للمشكلات التي يعانيها الوطن العربي.
على الرغم من القيمة المعرفية للكتاب وثراء جهازه المفاهيمي، إلا أن المراجعة تسجل بعض الملاحظات، منها طول العنوان، واعتماد المؤلف على العرض والوصف والتحليل مع غياب النقد للعديد من الأفكار، خاصة أفكار فوكو التي اعتبرت مسلمات غير قابلة للدحض كما ارتكز الكتاب على فوكو كمرجعية وحيدة، متجاهلاً مرجعيات فلسفية أخرى تناولت نفس الموضوع.