أكد الباحث مراد ترغيني من جامعة خنشلة أن ما يحققه المسرح الجزائري اليوم يتجاوز كونه فعلا فنيا معزولا، ليصبح شاهدا على ما وصفه بـ«الجزائر المنتصرة ثقافيا”، وهي الجزائر التي تخوض معركة استعادة الوعي عبر الثقافة والفنون، لا سيما المسرح الذي ظل تاريخيا أداة فعّالة في مساءلة الواقع وصياغة المخيال الجمعي.
وقال ترغيني، في حديث مع “الشعب” إن المنجز المسرحي الراهن يعكس روحا جديدة في الفعل الثقافي، حيث لم يعد المسرح مجرّد واجهة احتفالية، بل بات ميدانا للتجريب، ولتفكيك الأنماط التقليدية، ولإعادة تشكيل العلاقة بين الشكل والمضمون. وأشار إلى أن عودة الاشتغال العميق على النص، وانفتاح العروض على الوسائط البصرية، وإدماج الجسد والصوت والرقمي، تُعدّ ملامح بارزة لهذه المرحلة الجديدة.
وأوضح الناقد المسرحي مراد ترغيني، أن هذا التحوّل لم يكن ممكنا لولا دعم الدولة للفعل الثقافي، وتمكين المؤسسات الجهوية من لعب أدوار ريادية. وأكد أن مدُنًا مثل مستغانم، بجاية، سطيف، ووهران، صارت مختبرات حقيقية لبلورة رؤى مسرحية بديلة، تُراكم على التجربة وتعيد تأطيرها من منظور فنّي معاصر.
ولفت المتحدّث، إلى أن هذه الحيوية الفنية لا تعكس فقط طموحات المبدعين، بل تعكس أيضا إرادة سياسية في جعل الثقافة جزءًا من المشروع الوطني المتكامل. وقال إن المسرح الجزائري، من خلال مشاركاته الإقليمية والدولية، ومن خلال تتويجاته المتكررة، قدّم صورة جديدة عن الجزائر، صورة ثقافية متنوّرة تواكب العصر وتُعبّر عن تعددية المجتمع وهمومه وتطلعاته.
وفي جانب النص، قال ترغيني، إن ما نشهده اليوم هو عودة قوّية للنص المسرحي الجزائري كمجال للإبداع، بعد سنوات من هيمنة العرض البصري على حساب الكتابة. وأوضح أن جيلا جديدا من الكتّاب أصبح يشتغل على النص كفضاء فلسفي وجمالي، مسكون بأسئلة الهوية، الذاكرة، والتحوّلات الاجتماعية، في توازٍ مع حساسية لغوية متطوّرة.
وأشار أيضا إلى أن الورشات التكوينية، ومراكز التدريب، والدينامية التي تشهدها المؤسسات المسرحية، كلها عوامل أسهمت في إنضاج هذا المسار، وسمحت ببروز أصوات شابة واعية، قادرة على التفاعل مع التجارب العالمية دون فقدان الارتباط بالواقع الجزائري.
وأكد الباحث، أن المسرح اليوم بات أداة للتمثيل الرمزي لجزائر جديدة، تنتصر للثقافة كما تنتصر للسيادة والتنمية. وقال إن هذا الفن، بقدر ما يعكس هموم الإنسان الجزائري، يقدّم في الوقت نفسه لغة مشتركة تجمع بين المبدع والجمهور، وتُعيد الاعتبار للتفكير النقدي في زمن الهيمنة الرقمية والتفاهة المُعمّمة.
ولفت في ختام تصريحه، إلى أن التحدّي الأكبر اليوم يتمثل في بناء مؤسسات نقدية وتوثيقية ترافق هذا الحراك المسرحي، وتحميه من التشتت أو الذوبان في اللّحظة العارضة. كما شدّد على ضرورة ترسيخ التربية الفنية في المنظومة التربوية، وتفعيل التكوين الأكاديمي المسرحي، معتبرا أن الاستثمار في الإنسان هو الكفيل بتحقيق انتصار ثقافي دائم، يكون فيه المسرح واجهة حضارية حقيقية للجزائر الجديدة.