الشاعــرة زينب الأعــــوج لـــ «الشعـــــــب»:

مـن يقف في وجه إبـداع المـرأة يقـف بالأسـاس في وجه تقــدم المجتمع

حاورتها: هدى بوعطيح

أكدت الشاعرة زينب الأعوج في حوار مع ''الشعب'' أن الاحتفاء بالكاتب والكتاب في الجزائر لم يصبح تقليدا، كما أن الاحتفاء بكل ما هو إبداع شحيح جدا ومناسباتي، وليس مرتبطا بآفاق وبإستراتيجية بعيدة المدى، معتبرة الشعر الحلقة الأضعف في كل ذلك.
وقالت الأعوج، إن الكتابة بالأصل هي جسد متحرك وحي ومتحول، يتطور باستمرار، مبرزة في سياق حديثها أن المرأة ساهمت بشتى الطرق والوسائل في عملية التأسيس للإبداع بشكل عام، قائلة كل من يقف في وجه إبداع المرأة فهو يقف بالأساس في وجه تقدم المجتمع ومسيرته التي لا يكمن أن ترتكز على رجل واحدة.


«الشعب»: برز الصوت النسائي خلال السنوات الأخيرة بكثافة في الميدان الأدبي، الذي أعلن بذلك تحرره من عباءة ''الرجولة''، كيف تقيمين الحضور النسوي في هذا المجال، وبالضبط في عالم ''الشعر''؟
¯¯ زينب الأعوج: صحيح أن الصوت النسائي برز وبكثافة في الميدان الأدبي وبكل أنواعه وعلى مستوى كل الوطن العربي في السنوات الأخيرة، لكن هذا لا يعني أنه كان غائبا أو منطفئا بطبيعة الحال، أو أن حضوره ولو بنوع من الكثافة يعني بالضرورة أنه وصل إلى مستوى الحضور والرواج المطلوب.
 هناك إنتاج مهم في مجالات الإبداع بشكل عام من فن تشكيلي وموسيقى وفن الصورة والمسرح والسينما والرواية والشعرئوالقصة، لكن المشكل الكبير يتمثل في غياب الركيزة الإعلامية الحقيقية، الإعلام بكل أنواعه ووسائله السمعية والبصرية والمكتوبة لا يواكب ما ينتج وما ينجز وما ينشر إلا نادرا، زد على ذلك في ما يخص الكتابة الأدبية، تأتي معضلة التوزيع على مستوى الوطن العربي ككل، والجزائر خصوصا إذ يُطرح وبحدة.
رحلة الكتاب عويصة وعويصة جدا! الكتاب العربي لا يسافر إلا نادرا بمناسبة المعارض مثلا. كما أن الاحتفاء عندنا بالكتاب وبالكاتب للأسف لم يصبح تقليدا، والاحتفاء بكل ما هو إبداع شحيح جدا، ومناسباتي وليس مرتبطا بآفاق وبإستراتيجية بعيدة المدى. والشعر هو الحلقة الأضعف في كل ذلك، لا دور النشر تهتم به ولا المنابر التي هو في حاجة ماسة لها ترحب به، بالرغم من أنه موجود وبكثافة، الشعر يجب أن يُسمع ويُرى ويُلمس، أظن أنه ليس كثيرا عليه هذا الدلال والدلع؟؟
الإبداع النسائي، كان دائما موجودا بكثرة أو بقلة ـ هذا سؤال آخر طبعا ـ وليس له أي علاقة بعباءة الرجولة حسب تعبيرك، لأنه لم يخرج بالضرورة من تحت جناحها.
وهنا طبعا أتكلم عن إبداع المرأة في الجزائر، سواء ما كان باللغتين أو ما أبدعته المرأة من موروث شعبي بلهجات مختلفة ومتنوعة، الحضور النسائي في المجال الإبداعي بشكل عام ليس جديدا، وليس باللغة العربية وحدها فقط بل بلغات أخرى أيضا، المرأة المبدعة ساهمت هي الأخرى بشتى الطرق والوسائل في عملية التأسيس للإبداع بشكل عام، على سبيل المثال لا الحصر هل يمكننا ونحن نتكلم عن الإبداع في الجزائر أن نغض النظر عن المؤسسات في هذا المجال ـ مهما كانت القيمة الإبداعية بطبيعة الحال، وبأي مقياس نحكم عليها ـ من أمثال الطاوس عمروش، جميلة دباش، مريم بان، الزهور ونيسي، آسيا جبار، حواء جبالي، يمينة مشاكرة، صافية كتو، زليخة السعودي وغيرهن.. كما
أنه لا يمكننا أن نغفل أسماء من جيل السبعينات مثل مبروكة بوساحة وأحلام مستغانمي وجميلة زنير..
عفوا كان لا بد من هذا التوضيح حتى أبين أن ما كتب وما يكتب من شعر في الجزائر ليس وليد الصدفة، لكن هو عبارة عن سلسلة متواصلة للموروث الشعري الجزائري بشكل عام وللموروث الشعري العربي والإنساني بغض النظر طبعا كما قلت ذلك من قبل، عن مستويات الكتابة وقيمتها الإبداعية، فهذا مجال آخر.
وأقول أيضا أن صوت الشاعر وصوت الشاعرة يصدح بنفس الهواجس والأحلام والآمال والإحباطات، كل بطريقته الخاصة ومدى العلاقة مع الذات ومع الآخر ومدى حساسيته للأشياء ومدى طبعا عمق الموهبة وقوتها.
الفرق ربما أنه سابقا كان الشاعر محظوظا بالرغم من قلة الوسائل والإمكانات ودار نشر واحدة متمثلة في المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع (خس ) والتي نشرت في تلك المرحلة لكل الأصوات وباللغتين، كانت هناك منابر وأمسيات شعرية وعمليات تركيب شعري. كان للشعر صوت. الآن بالرغم من تعدد الأصوات والزخم على الأقل على مستوى الكم لا يتمكن الشعراء من نشر مجموعة شعرية إلا نادرا لأن دور النشر تراهن على الكتاب المربح ماديا، والعمل المربح الآن هو الرواية، وإلى حد ما الكتاب التاريخي والسياسي أو الفضائحي.
هناك أصوات متميزة نشرت في فترة معينة ولم تواصل ربما بسبب معضلة النشر أو شظف الحياة أو البحث عن العمل، أو زواج فيه الكثير من الأنانية يقتل الموهبة أو على الأقل يجعلها تنام إلى أجل غير مسمى.
لكن الآن حتى وإن شحت دور النشر، فإن وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات وفرصة الصفحات الخاصة والصحافة الإلكترونية جعلت مئات المواهب الشعرية النسائية تتفجر، طبعا غربلة السمين من الغث تعود للوقت وللزمن. كما أن هذه التكنولوجيا الجميلة والتي لا بد منها بطبيعة الحال اختصرت المسافات وجعلت الكثير من المبدعين المهمين يتواصلون مع مبدعات شابات ـ بما أن السؤال مرتبط بإبداع المرأة ـ من الوطن العربي مما يساعد طبعا على تشجيع الكتابة وجرأة المحاولة، لكن العملية تتطلب الكثير من التواضع والتأني وصقل الموهبة، لأن الكثيرات من المبدعات الشابات يتوهمن أنهن أصبحن كاتبات مهمات بمجرد تواصلهن مع فلان أو فلانة من الكتاب المعروفين. وأيضا المجاملات الآنية والمتسرعة كثيرا ما تقتل الموهبة.
¯ تعالت الأصوات بأن إبداع المرأة لم يحظ بالاهتمام، إلا من قبيل المجاملة لها، لا أكثر ولا أقل، ما تعليقك؟
¯¯ لقد أجبت سابقا ولو قليلا على هذا السؤال، خاصة بالنسبة للشعر، المشكل العويص أنه من الناحية الإعلامية وأنا أتكلم عن الجزائر بالخصوص، ليس هناك مواكبة أو متابعة إعلامية للإبداع بشكل عام سواء ما تكبته المرأة أو الرجل، وإبداع المرأة بشكل خاص إلا بعض الأعمال على مستوى الوطن العربي، والتي روج لها بشكل كبير سواء لقوتها كنصوص في بعض الأحيان، أو لحساسية مواضيعها أو لأن الموضوع المتطرق له كان ضمن الموضة الرائجة، أو ضمن ما هو مطلوب على مستوى سوق الكتاب والمتلقي، أو مرتبط بالمبدعة نفسها وعلاقتها بعوالم «الماركتينغ» والقدرة على تسويقها لكتاباتها. على مستوى الشعر، المتابعة غائبة تقريبا، هناك متابعات آنية ومرحلية وكثيرا ما تكون مرتبطة بمناسبة معينة على سبيل المثال ( سنة الجزائر في فرنسا، الجزائر عاصمة للثقافة العربية، تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية) وبعدها صمت مطبق.
كما أن هناك من يتحين الفرص للتقليل من قيمة عمل ما انطلاقا من حكم أخلاقي أو ديني أو سياسي، وليس منطلقا من دراسة نقدية أو تقديم موضوعي لعمل ما، لدفع المتلقي إلى القراءة لتقديم كتاب لا بد أن تتوفر للصحفي المختص القدرة على القراءة المتأنية ووسائل الإغراء والإغواء والمتعة، وقبل ذلك أن يعشق القراءة وأن يحب مهنته.
بعض الكتاب يكتب عنهم في الجزائر أو ربما لا يكتب عنهم، حتى يكتب عنهم ويحتفى بهم خارج الجزائر .

٣ ـ في اعتقادك ما هي الإضافة التي قدمتها الأقلام النسوية في مجال الشعر، لا سيما وأن عديد الشعراء يؤكدون بأن حيز إبداعها ضيّق مقارنة بما يبدعه الرجل؟

أولا أنا شخصيا لا أحب هذه المقارنات، هناك كتابة قوية أو كتابة ضعيفة بغض النظر عمن كتبها. وهذه النقطة بالذات تبين مدى غياب الإعلام المتخصص في مجال الإبداع بشكل عام، والذي من المفروض أن يواكب ويتابع ويبرز الجديد على مستوى الإنتاج الأدبي على الأقل، إن لم أقل أنواع الإبداع الأخرى من فن تشكيلي ومسرح وسينما وفن التصوير إلخ. وأيضا من يحكمون هذه الأحكام، هل قرءوا كل أو على الأقل بعض ما كتب على مستوى الوطن العربي؟ وهل قاموا بإحصائيات ورصد لما نشر؟ هناك شاعرات متميزات في كل الوطن العربي بدون استثناء ممن كتبن القصيدة العمودية وممن أسسن مع شعراء آخرين من جيلهن للقصيدة الحرة والقصيدة النثرية، شاعرات اشتغلن على مستوى بناء القصيدة وجمالياتها وفنياتها، شاعرات واعيات بموقعهن الحقيقي كمبدعات وكنساء على مستوى مجتمعاتهن، ناضلن، وأسسن مجلات وصحفا، وأثرين بمواقفهن الاجتماعية والثقافية والسياسية في مجتمعاتهن.
الذين يعطون هذه الأحكام ربما لم يقرءوا لا لشاعرة من مصر أو سورية أو العراق أو لبنان أو فلسطين أو البحرين ولا لشاعرة من عمان ولا لشاعرة من الإمارات العربية أو موريتانيا أو الصحراء الغربية أو من تونس أو المغرب..
والآن مع الأجيال الجديدة والمتجددة، كثيرا ما نكتشف أصواتا نسائية متميزة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد المبدع في كماشة دار النشر التي تنشره أو لا تنشره والتي لا تراهن عليه أساسا. أصبح الأنترنيت يلعب دورا مهما في هذا المجال، هذا لا يعني أن كل ما ينشر هو جيد ومتميز، طبعا مع مرور الوقت الغربال يلعب دوره وربما بقساوة حتى.
¯ يقال إن الشعر النسوي يتميز بزخم عاطفي وغنج أنثوي، وتسكنه هواجس الحرية والعدل والمساواة، وبأن المرأة تكتب عن نفسها أكثر ما تكتب عن الآخر، وبمعنى أصح كتابات المرأة سيرة ذاتية أو يوميات شخصية؟
¯¯ هذا السؤال مرتبط في أساسه بما سبق، الشعر هو زخم عاطفي بالأساس، هو فيض من المشاعر والأحاسيس، وإلا ستكون اللغة عبارة عن إسمنت مسلح بعيدة عن الشفافية وعن روح الإبداع، المبدع هو صانع الفرح بامتياز وصانع الأمل حتى وهو يحكي عن الدمار وعن الموت وعن كل البشاعات التي تحيط بالإنسان، فما بالك إن كان المبدع هنا امرأة بكل ما تملكه من قوة داخلية للعطاء والتضحية. المرأة هي الحياة وهي صانعة الحياة .
المواضيع التي عالجتها كتابات المرأة، وبعمق معرفي متميز وركيزة ثقافية قوية، وفي الكثير من الأحيان مواضيع متنوعة ومتعددة ولا يمكن أن تُحصى، واكبت وتواكب قضايا المجتمع في أدق التفاصيل سياسيا واجتماعيا وثقافيا، وكتاباتها ذات أبعاد إنسانية وليس ذاتية محضة فقط.
وحتى من هذا المنطلق، أي الذاتي، فإن المرأة هي الأدرى عموما بقضايا المرأة وحقوق المرأة وما تعانيه المرأة من إجحاف في حقها على كل المستويات. تكتب عن الفرح والحلم وعن الاغتصاب والزواج القسري وزنا المحارم والخيانة الزوجية، والهجر في المضاجع، والحمل الإجباري، طاعة للزوج وإلى .. وإلى.. يمكنني أن أحصي الكثير من القضايا دون توقف. والمبدع بهذا المعنى إذا ابتعد عن الذاتي والحميمي يصبح آلة متحركة والآلة لا تعطينا لا عاطفة ولا إحساسا لا بالآنا ولا بالآخر. الإبداع مثل صناعة تحفة نادرة نخاف عليها من الجرح ومن العطب، هو عملية تجريب مستمرة وإلا تموت وتنتهي، وكل نص هو نفس جديد وروح فياضة نمنحها وهج الحياة من خلال اللغة وما نخلقه من وسائل جديدة نحرك بها خفايا النص مهما كان هذا النص الإبداعي.
أما السيرة الذاتية، فهذا موضوع آخر ربما يتطلب جلسات طويلة ودراسات مفصلة، لأننا في مجتمعات لا زالت تعيش على الأحكام المسبقة وانعدام حرية الفرد، كيف تُكتب السيرة الذاتية في مجتمعات تحتكر الجسد والذات والذاكرة وحتى روح ونفس الإنسان إن أرادت، في مجتمعاتنا الإنسان ليس ملك نفسه بالضرورة ، لا زال ملكا للقبيلة والعشيرة ربما حتى دون أن يدري، وحتى وهو يعتبر نفسه حرا من كل القيود والأفكار المسبقة والطابوهات والمحرمات.
إذن لا زلنا نفتقد للشرط الأساسي في السيرة الذاتية وهو الحرية سواء بالنسبة للكاتب أو الكاتبة، لكن رغم ذلك أقول ما العيب في أن تكون كتابة المرأة سيرة ذاتية. كل كتابة هي قوس قزح وهي شذرات ونيازك شفافة تتطاير مثل النور من ذواتنا العميقة والحميمة والخفية.
¯ بعض النقاد وصفوا الشاعرات الجزائريات بالمتحررات، وبأن النسق الشعري في الأدب النسوي، حوّل الجسد إلى كتابة، كيف تنظرين إلى هذه المقولة؟
¯¯ أولا لا بد من تحديد المصطلحات والمفاهيم حتى لا نطلقها هكذا اعتباطا، ما معنى الحرية وما معنى التحرر في مجتمعاتنا، وحتى في المجتمعات المتقدمة التي أصبحت تعيد النظر في الكثير من الأشياء التي تعتبر بالنسبة لها مسلمة من المسلمات.
الكتابة بالأصل هي جسد، جسد متحرك وحي ومتحول، جسد يتطور باستمرار وفرض شروطه ومتطلبات، إن الشرط الأساسي في الإبداع هو الإحساس بالحرية، وكلما اكتسبنا قليلا أو كثيرا منها لا بد أن نكمش به بكل قوانا وألا نقف عند حدوده ونتفرج، لأن الحرية مثل كل القيم الإنسانية الأخرى لا بد من مراعاتها وسقيها حتى لا تعطش ولا يصيبها الجفاف.
¯ وما رأيك فيمن يصفون لغة الشعر النسوي بلغة البوح والتعرية؟
¯¯  هذه الأوصاف والنعوت أطلقت على الإبداع النسائي بشكل عام وليس فقط على الشعر، الأحكام المجانية والمتناقضة كثيرة، والوصف المبسط طبعا لا يُحصى في غياب النقد الحقيقي والقراءة الجادة للعملية الإبداعية. ليس هناك قراءة عميقة لما ينشر، وقليلا مثلا ما نجد أن نصوصا شعرية تدرس في إطار أبحاث جامعية، النصوص الجيدة موجودة على كل مستوى الوطن العربي، فقط نبحث عنها وسنجدها بالتأكيد.
كل عملية إبداعية بطبيعة الحال هي بوح وتعرية وحرية بالأساس وأنا أقولها بشكل آخر بمعنى الإفصاح عن الذات وعن الآخر بطريقتنا الخاصة، الإفصاح بطريقة جمالية وفنية حد الإدهاش، تكون فيها اللغة هي وسيلة الرحلة الممتعة هي أجنحة الفراشات التي تأخذنا إلى المتعة وحوافها المغرية، الإبداع هو بالضرورة قول ما في الذات ولمس ما في المجتمع ونبضه الدائم والمستمر.
¯ المرأة الكاتبة تعرضت إلى انتقادات المجتمع، الرافض للشاعرة والأديبة، حتى أن هناك كاتبات أنهين مسيرتهن الأدبية خضوعا لأحكام المحيط، هل واجهت زينب الأعوج هذا العالم، وما هي رسالتها لكل من يقف في وجه الإبداع النسوي؟
¯¯ أنا شخصيا لم تواجهني مشاكل وضغوطات كبيرة أو خطيرة بالرغم من أن عائلتي مثل كل العائلات المحافظة في مجتمعاتنا. أبي ''ربي يطوّل في عمره'' لم يقف يوما ضد تعليمنا أو مواصلة دراستنا خاصة نحن البنات، لكنه كأي أب كان يتوجس ويخاف.
الإشكال كان مرات في المسافة، مثلا لما نجحت في البكالوريا كان لا بد أن أنتقل من تلمسان أين درست المرحلة الثانوية إلى وهران لإتمام الدراسة في الجامعة، لكنه بعد أخد ورد وافق في النهاية. أيضا بالنسبة للدراسات العليا بعد تحصلي على منحة كان شرطه الوحيد هو أن أذهب إلى سورية وأنا متزوجة لأن خطوبتي أنا وواسيني كانت سنة قبل ذلك حينها واسيني كان في سورية. طبعا حتى وإن كانت أمنيتي أن أذهب قبل الزواج، فأنا أتفهم إحساس أبي والظروف المحيطة وصورته ومهابته في المحيط وفي المجتمع. أيضا هو يفتخر كوني أكتب وأنشط في المجتمع، فهو يعشق التعليم والعلم، ربما لأنه حرم من ذلك بسبب الاستعمار وقلة الإمكانيات والفقر، لم تسعفه الظروف أن يدرس لكنه كان عصاميا وتعلم عدة مهن، وفي ما يخص التعليم فكان دائما يردد لنا وصية أحد رجال الدين المقدسيين والذي زار الجزائر في نهاية الأربعينيات، ومكث عند أبي في مدينة مغنية لفترة، فكان دائما يوصيه بتعليم أبنائه قائلا له : ''ما يبقى إلا ما يحفر في العقل وفي القلب، أنظر إلينا خرجنا من فلسطين ولم نأخذ شيئا لا مالا ولا أرضا إلا ما سجل في القلب والعقل''، إلى حد الآن لا زال يرددها كلما سنحت الفرصة. من الناحية الأخرى الحمد لله رفيقي في الحياة، واسيني فهو مبدع متميز وحساس بشكل مفرط.
وبالنسبة للشق الآخر طبعا أقول: كل من يقف في وجه إبداع المرأة فهو يقف بالأساس في وجه تقدم المجتمع ومسيرته التي لا يكمن أن ترتكز على رجل واحدة، مسيرة المجتمع التي لا يمكن أن تتراجع إلى الخلف بحكم أن العالم أصبح قرية صغيرة على كل المستويات، خاصة بما أنجزه وينجزه الإنسان يوميا من وسائل محت الحدود وقربت المسافات.
المشكل في، كيف نواكب العصر، وبالتالي أخطر شيء هو الجهل والتخلف وغرس الرؤوس في الرمل مثل النعامة وكأن ما يحدث في العالم من تطور لا يعنينا.
لكن في الأخير أقول إن الموهبة القوية والإصرار والإرادة الصلبة لا بد أن يصلوا مهما سدت الأبواب ومهما كانت الضغوطات ومهما كانت الحواجز، لأن الإبداع الحقيقي مثل النهر إذا سدت منابعه ومجاريه يخلق لنفسه مسارات أخرى مهما كانت عواقبها، ربما تصل حد الطوفان.
 ¯ لمن تقرأ زينب الأعوج من شاعرات الجزائر، وبمن تأثرت؟
¯¯ أقرأ الكثير من الشعر العربي والعالمي بلغات مختلفة، وأستمع كثيرا للقصائد الشعبية المغناة بمختلف الطبوع وأقرأ معظم ما ينشر منها طبعا، قراءة الشعر هي حالة خاصة، تجعلك تنظر إلى الحياة بشكل مختلف، وترى أنه بالرغم مما يحدث في الواقع وبالرغم من المرارة العامة الآن في العالم وخاصة في الوطن العربي والإسلامي يجب أن نكمش بالحياة وبكل ما لدينا من قوة لأنها هبة وهدية لا تتكرر ونعيشها مرة واحدة فقط. والقراءة بهذا المعنى تجعلنا نعيش أكثر من حياة.
هناك أسماء طبعا مثل نصيرة محمدي، رشيدة خوازم، فاطمة بن شعلال، نجاح حدة، منيرة سعد خلخال، نوارة لحرش، سمية محنيش، زهرة بوسكين، كنزة مباركي على سبيل المثال لا الحصر، وغيرهن كثير أيضا، ممن يؤثثن الآن صفحات المدونات والمواقع الخاصة بالشعر.
¯ ومن خارج الجزائر؟
¯¯ أريد أن أقول أن قراءاتي ليست مرتبطة بالشعر تحديدا فأنا أقرأ الرواية والقصة والدراسات التاريخية والاجتماعية والأنتروبولوجية والفلسفة والكتب الدينية وتاريخ الأديان، قراءاتي متنوعة. لكن بما أنك تريدين لمن أقرأ في مجال الشعر هذه مثلا بعض الأسماء،
الخنساء، شاعرات الأندلس، شاعرات من تركيا وإيران، وشاعرات من أوروبا وأمريكا وشاعرات روسيات، وفدوى طوقان،ئنازك الملائكة، عائشة أرناؤوط، حمدة خميس، فوزية السندي، ميسون صقر، نجوم الغانم وغيرهن كثير.
هناك نقطة مهمة أيضا لا بد من ذكرها وهو أن بعض المدونات والمواقع أصبحت تلعب دورا مهما في التواصل الثقافي والتعرف على مبدعين ومبدعات في مختلف المجالات والأشكال الإبداعية .

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024