إستثمرت في العقل البشري وراهنت على التصنيع

كوريــا الجنوبيـــة... قـــــوّة اقتصاديــــة تتحــــدى العـالم

بالرغم من أنها لا تملك ثروات طبيعية كبيرة، وعانت في الماضي من حروب خرجت منها منهارة تماما، إلا أن جمهورية كوريا الجنوبية، إستطاعت أن تحقق واحدا من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، وتحتل مكانة رائدة في الاقتصاد العالمي حيث  تتموقع في المرتبة 15عالميًا وفق الناتج المحلي الإجمالي و 12 وفق تعادل القدرة الشرائية، ما يجعلها ضمن مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم، إضافة الى أنها من بين النمور الآسيوية الأكثر إزدهارا.

 بدون مبالغة،  بإمكاننا أن نطلق على كوريا الجنوبية « البلد المعجزة « فبعد سنوات من حروب مُدمرة ، استطاعت  أن تقف مجدداً على قدميها و أن تحقق تنمية  شاملة وقفزة تاريخية جعلتها تتحول إلى دولة تملك قوة اقتصادية، تجارية، تكنولوجية وصناعية تتحدى دول العالم أجمع.
لقد انهارت كوريا الجنوبية  خلال الحرب الكورية عام 1950 – 1953  انهياراً محزناً، ربع البنية التحتية دُمرت و 40% من المباني السكنية طويت أرضا و شمل الدمار حوالي 80% من محطات توليد الكهرباء، و 68% من المصانع و 46% من شبكة سكة الحديد ، و أصبحت البلاد تعيش على المعونات الخارجية، لكن قوة الارادة والتحدي  جعلت كوريا الجنوبية  تقف على قدميها من جديد  لتتحدى اقتصاديات العالم اليوم، والسرّ وراء هذا النجاح الباهر يكمن في قوة الإرادة و التخطيط و القدرة على مواجهة الصعوبات ومنح التنمية الاقتصادية أهمية كبرى.

العقل البشري سرّ النجاح

كوريا الجنوبية لم تقف مكتوفة الأيدي تطلب العون والمساعدة ، بل اجتهدت وثابرت حتى وصلت إلى ماهي عليه الآن، ومن أكثر الأمور التي كانت سبباً في نجاحها  هو الإيمان بالطاقات البشرية قبل كل شيء، العقل البشري هو السر وراء التطور الكوري الآن، فهو من قام بوضع الخطط وساهم بشكل رئيسي في نجاح دولة تفتقر إلى الموارد الطبيعية وتعاني من شح في رأس المال.
لقد استثمرت كوريا الجنوبية في العقل البشري عن طريق تكثيف الاهتمام بالتعليم والمدارس، و بالرغم من الأزمة المالية الحادة التي كانت تمر بها،  إلا أنها قررت أن ترفع من نسبة الإنفاق على التعليم من 2.5% في خمسينيات القرن الماضي  إلى حوالي 23% خلال فترة الثمانينيات، كما قامت بإرسال أعداد كبيرة من الطلاب والموظفين إلى الخارج حتى يستفيدوا من العلم والخبرات والتكنولوجيا التي كانت تفتقر إليها البلاد.
 

النهضة الاقتصادية

باقتصاد يعتمد تماماً على الزراعة وصيد الأسماك، وبشعب غير متعلم أنهكته الحروب المتوالية، كان أمام المسؤولين الكوريين الجنوبيين مهمة شبه مستحيلة للنهوض باقتصاد دولتهم الكسيرة، لقد كان معدل الدخل القومي في بداية الستينيات من القرن الماضي 82 دولاراً للفرد، والصادرات  أقل من 40 مليون دولار، ومعدل الأعمار أقل من 55 سنة.. بهذه الأرقام كانت كوريا الجنوبية تحتل مرتبة متدنية بين دول العالم، ولم يكن لها أي وجود بين أفضل 100 دولة في العالم.
بعد سنوات من الكفاح والتقلبات السياسية، انتقلت كوريا الجنوبية إلى ما هي عليه اليوم، وأصبحت من أفضل 10 دول في العالم في الصادرات بما يزيد على 560 مليار دولار سنوياً، وزاد معدل الأعمار في كوريا إلى 80 سنة لتصبح من أفضل 20 دولة في العالم، وأصبح معدل دخل الفرد السنوي يزيد على 27 ألف دولار. مرت كوريا الجنوبية بالكثير من التحدّيات الاقتصادية خلال هذه العقود، كان أكبر هذه التحديات هو التحوّل من اقتصاد يعتمد بشكل أساسي على الزراعة إلى اقتصاد يتكئ على الصناعة والتعدين.
لقد تحول الاقتصاد من الاعتماد بنسبة 60 في المائة على الزراعة، إلى أقل من 5 في المائة، وزادت مشاركة القطاع الصناعي في الناتج القومي من 12 في المائة إلى أكثر من 32 في المائة.

قطاع خاص في خدمة المجتمع

لم تكن النهضة الاقتصادية للصناعة الكورية نتاج عمل القطاع الخاص فقط، بل كان نمو القطاع الصناعي في كوريا الجنوبية  نتيجة مباشرة للعمل الحكومي، فقد قامت الحكومة خلال هذه العقود بالأخذ بيد القطاع الخاص وتوجيهه حسب الرؤية الحكومية المستقبلية.
 بعد أن نما القطاع الخاص ونضج، أصبح اليوم المصدر الرئيس للوظائف في كوريا وشريكاً فعلياً للحكومة الكورية، حيث تبلغ نسبة الموظفين في القطاع الخاص أكثر من 81 في المائة من القوة العاملة. وزادت قوة القطاع الخاص في كوريا الجنوبية حتى وصلت مشاركته في الناتج القومي إلى أكثر من 89 في المائة.

شركات اقتحمت منتوجاتها كل منازل العالم

 سامسونغ، هيونداي، إل جي.. شركات وأخرى تفوقت في ميادينها، واخترقت العالم بسلعها جاعلة لنفسها مكانة كبرى في عجلة عالم المال الكوري الجنوبي وعصب اقتصاده، هذه الشركات والتي تُعرف محليا باسم التشيبول (من تشاي»الثروة» وبول «عشيرة») كلها امبراطوريات أسرية .
 هذه التكتلات الاقتصادية، ازدهرت منذ بداية ستينيات القرن الماضي  بعد أن قررت القيادة آنذاك اعتماد الدولة على نفسها  وتأسيس اقتصاد قوي يقوم على الاكتفاء الذاتي والتصدير، فأعطت  الأفضلية للقروض الموجهة لأعمال التصدير والصناعات المحلية، وبمرور الوقت توسعت شركات «التشيبول «لتخلق قطاعات صناعية جديدة وتستفيد من التعامل مع الأسواق الأجنبية، مما دفع باقتصاد كوريا الجنوبية للأمام.
 لا أحد يستطيع نكران فضل هذه الشركات على كوريا الجنوبية، فتاريخ تأسيسها الذي مهدت له الحكومة عن طريق تسهيلات بنكية ، خلق عقدا ورابطا أخلاقيا بين الشركات والحكومة متمثلا في واجبات هذه الشركات تجاه الدولة والمجتمع الكوري، خلقت الوظائف واستثمرت وكانت خير سفير لكوريا الجنوبية في العالم  وعززت من مكانها وأهلت كوادرها المحلية.


بطاقة تعريف

-  الاسم :  جمهورية كوريا الجنوبية
- العاصمة: سيول
- اللغة الرسمية: يتكلم الكوريون لغة واحدة وتسمى أي هان كول (كورية)، إضافة إلى لهجات مختلفة  النظام السياسي: جمهوري تاريخ الاستقلال: 15 أوت 1945 (عن اليابان)
- العملة: وون
- الجغرافيا
الموقع: تقع كوريا الجنوبية في شرق آسيا بين بحر اليابان والبحر الأصفر وتغطي النصف الجنوبي لشبه الجزيرة الكورية المساحة: 100.140 كيلومترا مربعا الموارد الطبيعية: الحديد، الأسماك، الفحم، التنغستن، الغرافيت، الرصاص، الطاقة الكهرومائية
- المناخ: قارّي.
- السكان
التعداد: 49.039.986 نسمة (تقديرات جويلية 2014) التوزيع العرقي: ينحدر الكوريون الجنوبيون من عرقية واحدة باستثناء نسبة قليلة جدا من ذوي الأصول الصينية (قرابة عشرين ألفاً) الديانة: 43.6% لا دين لهم، 31.6% مسيحيون، 24.2% بوذيون، 0.9% غير معروف.
- الاقتصاد
أهم المنتجات: الأجهزة الإلكترونية والكهربائية، أجهزة الاتصالات، السيارات، المواد الكيميائية، صناعة السفن، الصلب.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024