الأثنولوجي البلجيكي كزافي فان ديرستابان لـ «الشعب»

الطاقـات المتجـدّدة مستقبــل إفريقيـا

حاوره: حمزة محصول

كزافي فان ديرستبان، البلجيكي الذي قضى أزيد من 25 سنة في إفريقيا، في أعمال الإغاثة،تجوّل بين 30 دولة ودرس بها تخصّص الأثنولوجيا (علم الأعراق)، صاحب الرحلة البرية الشهير بين بروكسل ودكار، لديه أزيد من 15 مؤلفا ومعرفة دقيقة بشؤون القارة. يقدّم في هذا الحوار الذي أجرته معه «الشعب» مقاربة عن موقع إفريقيا والبديل الأمثل للخروج من التبعية.
❊ الشعب: قطعتم 6000 كلم في ظرف 165 ساعة من بروكسل إلى دكار (عاصمة السنغال) بسيارة كهربائية، ما الذي دفعك للقيام بهذه الرحلة؟
❊❊ كزافي فان ديرستابان: الرحلة كانت شاقة ورائعة في نفس الوقت، وأعتبرها من أجمل ما قمت به في حياتي. الفكرة ظهرت لما طلب منّي إنجاز معرض حول «رهانات الغد والطاقات المتجدّدة في إفريقيا» وتقديمه في دكار، ولم أكن في وضعية مناسبة للقيام بهذه الأشياء، لأن أصدقائي الأفارقة عاتبوني وقالوا لي: ماذا سنستفيد من عملك هذا، فقد فضّلت طباعته في أوروبا ولم تفعل ذلك هنا، وجئت في الطائرة ولها آثار كارثية على  البيئة، ثم تأتي لبلد يعتبر مزبلة بالنسبة لأوروبا، فأنتم ترسلون لنا السيارات القديمة والخردة من الآلات، لتحدّثنا عن التكنولوجيات الجديدة التي لا يمكننا الحصول عليها ولن نملتكها ربما أبدا؟».
وجدت كلامهم صحيح، فالدول الإفريقية التي لا تملك النفط، على غرار السنغال تعتبر من أفضل الزبائن للطاقات المتجدّدة، فلا يمكنهم حرق المواد الأحفورية لتوليد الكهرباء، والدولة لا تستطيع توزيعها على الجميع لتكلفتها الباهظة.
ووعدتهم والرئيس عبد اللاي واد، أنّي في المرة القادمة سآتي إلى دكار بسيارة أقل تلويثا للمحيط، وصنعت سيارة كهربائية ليست سريعة ولكنها تتوفر على ما أردته بحيث أعيد بنفسي توليد الطاقة الكهربائية عن طريق دواسات كل 200 كلم.
ولما بلغت دكار قدّمتها للمعاهد التقنية والجامعات، وقلت لهم أتمنى أن تجدوا فيها شيئا يفيدكم، وعندما أعود السنة المقبلة أريدكم أن تقولي لي «أنّ وسيلتك بدائية وها قد صنعنا شيئا أفضل منها». كان ذلك سنة 2008، لم أخترع سيارة تنافس فولسفاغن (يضحك)، ولكني حاولت إبراز قيمة استغلال الطاقات المتجددة بالنسبة للدول الإفريقية الفقيرة للموارد الأولية.

❊ هل كان سفركم الطويل هذا من أجل تنبيه الأفارقة فقط بأهمية الطاقات المتجددة والتي تعتبر عندهم أمرا بعيد المنال، أم لتقولوا لهم أنتم أيضا قادرون على صناعة شيء بأيديكم وبأدواتكم الخاصة؟
❊❊ الاثنين معا، أردت أن أثير الانتباه لأهمية استغلال الطاقات البديلة للمحروقات والنفط، لتوفير مصادر جديدة لتوليد الكهرباء وتمكين الناس منها في الدول الفقيرة، والتفكير في استغلال هذه الطاقات أصبح محل اهتمام كبريات الدول النفطية، فدول الخليج تستثمر فيها وهي ليست أكثر علما وإتقانا لها من الجزائر، لكنها تعمل على تطويرها، وحتى شركات النفط الكبرى شديدة الاهتمام بها.
وهناك إجماع على أنّ العالم سيتغير مستقبلا، وبعد سنوات لا أتصوّر وجود دول تعتمد على المحروقات كمصدر وحيد للدخل، ضف إلى ذلك ما يعانيه العالم اليوم من أجل البترول، فحيثما أكتشف تظهر الصراعات، إنّها نعمة سيئة بالنسبة لي. أنظر ماذا حدث في مالي كم من شخص قتل بعدما تمّ فتح استغلال المحروقات، انظر إلى العراق كم من مليون مات، موريتانيا غزاها الإرهاب. إنّ الأمر لا يتعلق بقضية تغيير أو ديمقراطية وإنّما مسألة سوق نفط وصراع على موارده، فهو لا يصنع حتى سعادة الدول المنتجة له.  

❊ درستم في إفريقيا علاقة الإنسان بالمحيط والأثنولوجيا، كيف وجدتم مسألة التعايش بين الأقليات، في ظل الحديث عن التعصب والقبلية بين مختلف الجماعات الاثنية؟
❊❊ أنا أسمّيها التعددية الثقافية، التي يعتبرها الغرب «غريبة»، ولكن هذا خطأ، فحيثما وجد تنوع ثقافي وجد التنوع الاقتصادي، لأن لديك الفلاح، الراعي، صانع الفخار والتاجر، وكل هؤلاء لديهم استقلالية في حرفتهم ويساهمون في تقوية السوق.
وأعتقد أنّ هناك حتمية التعايش معا، حرصا على المصلحة العامة. قضيت بعض السنوات في إثيوبيا وبها 400 مجموعة عرقية، وهم يعيشون بسلام بعد الخروج من الحرب الأهلية وقادرون على تفادي الخلافات، فهناك جميع الأديان، مساجد وكنائس. يجب أن تجمع التعددية الأفارقة للوصول إلى مستوى من الاكتفاء الذاتي الغذائي، فعندما يستورد بلد ما كل شيء هنا الكارثة، لأنّه يفقد خصوصيته الاقتصادية ليضيّع الخصوصية الثقافية، فإفريقيا هي مستقبل الغذ إذا توفرت نوعية مجتمع يعيش مما ينتج.

❊ هناك أراضي غنية بالموارد والأحجار الكريمة، لكن الإنسان الإفريقي ما يزال فقيرا، بما تفسّرون ذلك في رأيكم؟
❊❊ لم تعد الفترة الاستعمارية مبرّرا يعلّق عليه الفشل والتخلف، لأنّ موازين القوى تغيّرت بعد انتهاء الحرب الباردة، وما على الأفارقة سوى الدفاع عن أسعار مواردهم في الأسواق الدولية. وعدم امتلاك الأفارقة لأدوات تحويل المواد الأولية، يطرح كسبب رئيسي، فهي تحول بالخارج ويعاد استيرادها بأثمان باهظة بعدما بيعت المادة الخام بسعر أقل.
إنّ امتلاك الوسيلة والكفاءة ضروري، موريتانيا تتحكّم جيدا في مواردها الصيدية، بينما السنغال لا تحصل على فلس واحد من الصيد البحري، لأنه يسير بشكل فوضوي. أجد هذا سخيفا لما تملكه من ثروة، وبالتالي أنا أدعو للكف عن القول نحن متأخّرون لأنّنا كذا وكذا، فالكونغو قادرة على أن تصبح خليج الغد إذا وجدت من يعمل أو شركاء نزهاء يأخذون بأيدها. هناك ثروات ثمينة لا تستغل، فإذا استوردنا كل شيء ويظل المجتمع جالسا، فهو أمر لا يتقبّله العقل.

❊ لكن هذا لا ينفي تدخّل الغرب في الشؤون الداخلية للقارة؟
❊❊ صحيح، غالبا ما ارتبطت مشاكل الأفارقة بالخارج، أجريت بحثا عن النزاع في السودان تحت عنوان «بين الحرب والثقافة»، واكتشفت أنّ معظم الحروب التي وقعت في السودان منذ الـ 70 مرتبطة بمصالح خارجية، وقلت أنّ الصراع مصدر دخل مهم أيضا، وسمعت أحد تجار الأسلحة يقول ذات يوم: «لمّا تنفق منظمات الإغاثة فرنك واحد نربح نحن 10».
فالمساعدات الإنسانية تقوّي الحرب، كيف؟ لما تقدّم مساعدات ومخيمات للاجئين تكون قواعد خلفية للتوظيف، والأمم المتحدة تشغّل شرطة لحراسة المخيمات، بينما يستمر تدفق السلاح. أحيانا بلاد في حالة حرب تدرّ مداخيل أفضل من أخرى تعيش في سلام.
ومالي التي أعرفها جيدا، ماذا فعلت فرنسا؟ تركت الوضع يتعفّن ولم تتدخّل حتى قبل النظام توقيع الاتفاقية مع شركة أريفا لاستغلال النفط وأنقذته في آخر لحظة، وكانت تعلم أنّ الفوضى في ليبيا ستوصل الأسلحة للإرهابيين في النيجر وجنوب الصحراء، وفعلت الأمر نفسه في التشاد عند اكتشاف البترول، حيث أنقدت الرئيس بعدما قبل إمضاء الاتفاقية وفضت من حوله حصار المعارضة في قصره، كيف تتوقّعون أن يحدث استقرار بهذا التفكير.
مثال آخر، كوديفوار بلد تطورت حركيته الاقتصادية وأصبح المستوى المعيشي في أبيدجان أغلى من باريس، ماذا قالوا؟ كلّما ارتفع المستوى المعيشي كلّما أصبح المواطن الايفواري أكثر تطلّبا، وكلما كنا نحن الخاسر الأكبر، لم لا نرميهم في حرب أهلية ويبدؤون من الصفر ويبقون دائما في حاجة إلينا؟
كيف بدأت المشاكل في إفريقيا الوسطى؟ بألماس بوكاسا، تلك القصة الشهيرة التي أسقطت جيسكار ديستان، لقد أصبح إمبراطورا بمساعدة فرنسا، وفي موريتانيا تم القضاء على السياحة بعد اكتشاف البترول في الصحراء، حيث لا توجد سوى الطائرات الحربية الفرنسية بالمطار، لحماية وتأمين المنطقة، خوفا من لجوء السكان عندما يشعرون بالغضب إلى اختطاف السياح، وتسيطر على يورانيوم النيجر هذا البلد الفقير.

❊ يتحدث القادة الأفارقة عن إفريقيا كقوة عالمية ثالثة بعد 50 سنة، كيف تتوقّعون مستقبل القارة؟
❊❊ مهما بلغت صعوبة الأمر، مستقبل إفريقيا يبعث على التفاؤل، ولكن أعتقد أنّه من الخطأ الحديث عن القوة، وإنّما البحث عن الاستقلالية الطاقوية والغذائية هذه هي الرهانات الكبرى، فليست قضية قوة وإنما استقلالية.
يحدث التقدم بالمحافظة على التنوع الثقافي، ووجود قادة أمثال هواري بومدين، سيكو ثوري، توماس سانكارا لدعم الوحدة والاتحاد الإفريقي، وأتمنى رؤية عملة موحّدة جهويا لدول إفريقيا وتجارة وصناعة متبادلة، فخط سكة حديدية بين الجزائر ولاغوس سيكون استراتيجيا وهاما، لقد فكّر الأفارقة في كيفية التقرب من أوروبا، وعليهم تقريب المسافة بين شمال وجنوب الصحراء الكبرى.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024