«بريكست».. طلاق تاريخي مؤلم بين لندن وبروكسل

انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي.. المكاسب والخسائر

فضيلة بودريش

بعد أن توّجت مفاوضات لندن مع بروكسل الطويلة والشاقة على اتفاق رسم معالم الانفصال البريطاني عن منطقة الأورو، كثر الحديث عن من الخاسر والرابح؟ وما أفضى هذا الطلاق التاريخي المؤلم بالنسبة للكثير من البريطانيين الذين بقوا لآخر لحظة متشبثين بأمل بقاء تواجدهم في قلب الاتحاد الأوروبي، أكبر تكتل اقتصادي في العالم؟.
وصف اتفاق ما بعد «بريكست» بالصفقة الصعبة والتفاهم العسير حول ملفات الصيد والجمارك والتنقل، عرقلت إنهاء شراكة بريطانيا مع شركائها التقليديين بيسر وتفاقم خلال الأسابيع الماضية التخوف من الرحيل البريطاني من دون اتفاق تعالت فيه التهديدات من الجانبين، لكن وفي الوقت بدل الضائع تنفس المتفاوضون الصعداء بعد أن اكتملت المفاوضات على صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي حل النقاط الشائكة التي أشعلت التوتر بين الجانبين.


10 أشهر من المفاوضات
ليس بالغريب أن عدد صفحات اتفاق مرحلة ما بعد «بريكست» تجاوز الألف صفحة، تتضمن جميع تفاصيل الانفصال المؤلم والمتأسف عليه من الطرفين بعد مسار تفاوض مضني عمره 10 أشهر كاملة، وإن كان البعض يتوجه نحو رصد خسائر ومزايا الانفصال لكل شريك، إلا أن بريطانيا واثقة بأنها ستتجاوز ذلك بعد فترة قصيرة، وقد أشاد كافة القادة الأوروبيين بالاتفاق، بينما جونسون رئيس وزراء بريطانيا وصف ذلك بــ «هدية» عيد الميلاد للبريطانيين. لكن كل ذلك لا يخفي التغييرات الكبيرة التي تواجه شركاء الأمس على بعد ساعات بالنسبة لتنقلات الأشخاص والنشاطات التجارية في الفضاء الأوروبي، لأن سكان المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لن يستفيدوا مجددا من حرية الحركة المطلقة للإقامة والعمل على طرفي الحدود، ويوقف تدفق رؤوس الأموال بفعل الترتيبات الجديدة المفروضة بقوة قانون الاتفاق، بعد أن انفصلت الأسواق عن بعضها، فوق ذلك ستخضعان لقوانين مختلفة، مما سيدفع إلى استحداث قيود في مجال تبادل البضائع والخدمات والعمل والسفر وما إلى غير ذلك.

غياب الرسوم

قوّة الاتفاق الذي ستستفيد من مزاياه لندن، يكمن في الوصول الخالي من التعريفات والحصص إلى واحد من أكبر أسواق العالم يعد بمثابة العمود الفقري لصفقة بريكست، ولأنه يتجاوز حدود صفقات الاتحاد الأوروبي مع كندا أو اليابان، لأن الاتفاق ينص أنه لن تكون هناك أي رسوم أو حصص على المنتجات البريطانية والأوروبية، التي يتبادلها الطرفان. وبالموازاة مع ذلك سيتم الإبقاء على الصادرات البريطانية، فيما يتعلق بالامتثال لمعايير الصحة والسلامة، التي يضعها الاتحاد الأوروبي. وكانت بريطانيا قد استحسنت كثيرا غياب الرسوم كنقطة إيجابية رئيسية في الاتفاق، وبخلاف ذلك فإن النشاط التجاري سيفرض عليه قيود جديدة على الواردات والصادرات عبر بحر المانش.
وما يخسره البريطانيون عدم الاعتراف بالمؤهلات العلمية والمهنية لمواطنيها، فلم يعد ممكنا بالنسبة للأطباء والمهندسين والصيادلة وما إلى غير ذلك، العمل في بلدان منطقة الأورو إلا بعد حيازة اعتراف من هذه الدول. ويضاف إلى كل ذلك خسارتهم لحرية التنقل والتعليم وتأسيس نشاط اقتصادي أو تجاري أو العيش في منطقة الأورو، حيث يشترط بعد الإقامة لمدة 90 يوما استخراج تأشيرة.

إعادة ضبط التوازن

ومن الملفات المعقدة التي كانت حجر عثرة في تحدي الخروج البريطاني باتفاق، ملف مصايد الأسماك التي تركت موجة من الاستياء الحاد وسط الصيادين والتجار البريطانيين، الذين اعتبروا استمرار دول الاتحاد الأوروبي مقاسمتهم لحق الصيد إلى غاية عام 2026، إجحافا في حقهم، ولم تتمكن بريطانيا من استعادة السيطرة الكاملة على مياهها، في حين حاولت دول الاتحاد الأوروبي الساحلية، ضمان حقوق الصيد في مياه المملكة المتحدة. وتم حلحلة الخلاف وتسوية سوء التفاهم، بتخلي الاتحاد الأوروبي عن 25 بالمائة من حصته لمدة 5 سنوات ونصف. وستتواصل وفق مفاوضات سنوية، تنظم بانتظام لحصص السمك، التي يمكن لقوارب الاتحاد الأوروبي الحصول عليها من المياه البريطانية.
وتقاطع الطرفان على حد أدنى للمعايير البيئية، والاجتماعية، والخاصة بالقوى العاملة التي لا ينبغي التنازل عنها، في وقت التزمت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بعملية المراجعة بعد أربع سنوات بهدف تكريس مبدأ تكافؤ الفرص.
علما أن من أكبر النقاط الشائكة في المحادثات، نذكر إصرار المملكة المتحدة على «بند تطور» أو «آلية تكافؤ»، غير أن كل ذلك انتهى بالتسوية التي قيل أنها تحققت على حساب لندن بدل بروكسل، والجدير بالإشارة فإن هذه الصفقة نصّت على بند مراجعة و»إعادة ضبط توازن»، يسمح بانطلاق عملية مراجعة للجوانب الاقتصادية في الصفقة، ومنها معايير الحد الأدنى.

تمزق الروابط

هل فعلا أضعف بايدن أمل أنصار مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي في تعزيز الروابط مع الولايات المتحدة؟، بعد أن جعل الأولوية للاتحاد الأوروبي. إذا تمزقت روابط بريطانيا مع التكتل المتشكل من 27 دولة، وصارت مجبرة على التعامل مع الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن الذي على ما يبدو لا يتقاسم مع أنصار بريكست تطلعاتهم.
وخلاصة القول أن هذا الاتفاق الصعب والشاق ينتظر أن يكون ورقة طريق وإطار عمل جديد، لتطبيق القانون والتعاون القضائي في المسائل الجنائية، وكل ما تعلق بالقانون المدني. على خلفية أن تحقيقات الشرطة وجهود تطبيق القانون عبر الحدود سيستمر، إلى جانب اتفاقيات تضمن بقاء المملكة المتحدة في برامج تبادل المعلومات الرئيسية، ولكن ليس جميع البرامج لأن بريطانيا لم تصبح جزءا في نظام مذكرات الاعتقال الأوروبي، ولم تعد عضوا كاملا في اليوروبول (وكالة تطبيق القانون الأوروبية) واليوروجست (وكالة العدل الأوروبية (يوروجست) هيئة لمتابعة المقاتلين الأجانب قضائياً). غير أن التعاون مستمر بين المملكة المتحدة، واليوروبول، واليوروجست، وكل ذلك لا يمنع من بقاء تعاون قوي بين الشرطة الوطنية والسلطات القضائية»، مع محافظة بريطانيا على «آلية وصول» إلى نظام معلومات شنغن، وتعد قاعدة البيانات المؤتمنة التي تشارك تنبيهات الشرطة حول السلع التي تتعرض إلى السرقة بالإضافة إلى المفقودين.
وينبغي الاعتراف أن الخروج باتفاق رغم أنه أفضل من الخروج من دونه، لكنه يبقى خسارة كبيرة لجميع الأطراف، وقد يكون بابا فُتح لخروج دول أخرى ستعمل على تصدّع هذا التكتل العملاق.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024