الكيان المنبوذ يتخبّط في أزماته

حصيلـة كارثيـة لنصف عـام من الحـرب على الفلسطينيّــين

 عندما يدرس المؤرّخون والباحثون في كليات الأمن القومي 6 أشهر من حرب غزة، سيضطرون إلى قراءة الوثائق والمستندات مرتين وثلاث مرات، ولن يصدّقوا ما يقرأون. سيكون صعباً عليهم تفسير حجم الإبادة وكمّية الدّمار والأزمات الإنسانية التي خلّفها العدوان الصهيوني الهمجي، الذي استمرّ طيلة نصف عام يحصد أرواح الأبرياء، ويحوّل الحياة الناس إلى جحيم حقيقي، بينما واصل العالم تواطؤه وإطلاقه يد سفّاكي الدماء لارتكاب أبشع المجازر.
طوت أمس حرب الإبادة التي فجّرها الكيان الصهيوني على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، شهرها السادس واستهلّت السابع، ورغم حجم الدمار والخسائر البشرية المروّعة التي خلّفتها، فلا تبدو في الأفق مؤشرات عن قرب وقفها حيث ما زالت مفاوضات التهدئة متعثرة، والتهديد باجتياح رفح قائما ونداءات وقف إطلاق النار تصطدم بجدار من التعنّت الصهيوني المقيت.

جيـش يقتـل ولا يقاتل

 لقد أدار الجيش الصهيوني الحرب كما لو أنه يحارب دولة عظمى، وليس حركات مقاومة لا يزيد حجمها عن بضعة آلاف رجل، بل لقد أدار حربه على المدنيين من أطفال ونساء، وجنّد لذلك 287 ألف عسكري من جيش الاحتياط، إضافة إلى الجيش النظامي برمته، أي ما مجموعه نصف مليون مقاتل لخوض هذه الإبادة التي ستبقى وصمة عار في جبين البشرية جمعاء.
واستخدم الكيان كل الوحدات العسكرية في سلاح الجو أولاً، ثم سلاح البحرية واليابسة والهندسة والمخابرات، واستخدم قنابل ذكية وأسلحة جديدة لم تستخدم من قبل، ووسائل تعتمد الذكاء الاصطناعي، وزوّدته أمريكا بكلّ ما يحتاجه من عتاد حتى يكمل عدوانه.

خسائـر جسيمــة

 لم تفرّق القوات الصهيونية بين مسلح ومدني، وهو أمر مخيف في عالم الحروب، وراحت تدمّر كل شيء في قطاع غزة؛ البيوت والعمارات والمستشفيات والعيادات الطبية والجامعات والكنائس والجوامع والمدارس والنوادي.
لقد بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين نحو 34 ألفاً ثلثاهم من النساء والأطفال ونحو 90 ألف جريح، وغالبيتهم أيضاً نساء وأطفال، وتحوّل جميع سكان قطاع غزّة إلى نازحين ومشرّدين وجياع، ما يعني أن هذه الحرب سوف لن تطفئ جدوة المقاومة كما يعتقد الدمويون الصهاينة، بل على العكس تماما حيث ستخلق جيلا من الفلسطينيين جاهزين للدفاع عن أرضهم بكلّ الوسائل.
وفي حين وصل عدد الشهداء بين عمال الإغاثة في غزة إلى 224، و484 من عمال القطاع الصحي، ارتفع عدد الشهداء وسط الصحافيين إلى 95 على الأقل.
أما حجم الدمار فحدّث ولا حرج، إذ تحوّل القطاع المكتظ بالسكان إلى مساحات شاسعة رمادية اللون، لا يعلوها سوى الركام. فقد بلغت نسبة المباني التي تضررت نحو 55.9 %، وفق “أسوشييتد برس”. أما نسبة المنازل التي تضررت فوصل إلى أكثر من 60 %.
كما تضرّر 227 مسجد و3 كنائس، في حين دمّر 90 % من المدارس، وبطبيعة الحال خرج كامل الأطفال من النظام التعليمي الذي توقف بشكل تام أصلا. ولم يبق من المستشفيات العاملة في القطاع سوى 10 من أصل 36.
ولعل المعاناة الأكبر على الإطلاق بعد الموت تمثلت في مواجهة 1.1 مليون فلسطيني خطر المجاعة. فقد وصلت نسبة الأطفال في شمال غزة تحت سن الثانية الذين يعانون من سوء التغذية الحاد إلى 31 %. في حين نزح 1.7 مليون غزاوي من منازلهم أي ما يعادل 70 % من السكان.

الاحتـلال غـارق في رمـال متحرّكـة

 مع أن الكيان الصهيوني استخدم هذه القوى الهائلة، فقد غرق في الحرب لتتحول إلى أطول حرب في تاريخه منذ قيامه سنة 1948، والتي جلبت له الكثير من الكراهية والأحقاد.
وبحسب الإحصاءات الرسمية للاحتلال، فقد بلغ عدد القتلى الصهاينة نحو 1500، بينهم 600 عسكري، والجرحى نحو 4 آلاف (التقديرات غير الرسمية تتحدث عن 11500 جريح، وتشكك في عدد القتلى وتعتبره متواضعاً أمام الحقيقة).
كما أشارت المصادر إلى أن عدد الصواريخ التي عبرت إلى الكيان خلال الأشهر الستة الماضية بلغ نحو 9100 من غزة، و3100 من لبنان، و35 من سوريا. وتابع أن عدد قتلاه نتيجة “الحوادث” بلغ 41 منهم 20 قتلوا بنيران صديقة.
نصف عام مرّ إذن على حرب الإبادة والتجويع التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، من دون تحقيق أهدافها المرجوّة، إلا في الإمعان في القتل والإجرام، والتجويع والتهجير والتدمير، وارتكاب جرائم حرب، وانتهاك القانون الدولي، واستهداف مؤسسات وفرق الإغاثة والمستشفيات. إن كانت هذه “الإنجازات” التي يبحث عنها الكيان، فقد حقّقها ولكن لا شيء غيرها، وبالتأكيد ليس “النصر المطلق” الذي يردده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في ظل فشلها في إخضاع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة التي ما زالت صامدة وتواجه الاحتلال بكلّ قوّة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024