الجزائر- تونس

علاقات مميّـزة في الاتحاد المغاربي

أمين بلعمري

إن العلاقات الجزائرية-التونسية متميزة و خاصة و هذا باجتماع الكثير من العوامل و الظروف و هي علاقات تتعدى بكثير الرسميات و المصالح الظرفية نظرا لبعدها التاريخي و عمقها الشعبي، عمق جعل دم الشعبين يمتزج في مواجهة أعتى قوة استعمارية لم تفرق في البطش و التقتيل بين جزائري و تونسي عند ممارسة سياسة الانتقام المقيت و أسلوب العقاب الجماعي من خلال استهداف الأبرياء العزل من أطفال و نساء و شيوخ في ساقية سيدي يوسف و في غيرها من الأماكن التي سجلت تضامن الشعبين بأحرف من ذهب.
إن كل هذه العوامل شكلّت الأسس المتينة للتعاون الجزائري – التونسي و ذلك منذ استقلال الجزائر العام 1962 حيث أنه و بعد مرور سنة واحدة فقط أي العام 1963 جاءت أول اتفاقية بين الجارتين  لتعبد الطريق أمام 114 اتفاقية ثنائية أخرى وقعت على مدار ستين عاما جاءت جميعها لتؤكد على متانة و نضج  هذه العلاقة التي ستلقي بظلالها لاحقا على المغرب العربي و تصبح إحدى حلقات بناء هذا الصرح الذي حلمت به و لا تزال كل شعوب المنطقة.
لا شك أن المحن و الأزمات كانت دائما المحك الحقيقي لقياس متانة العلاقات بين الأمم و الشعوب و في هذا الإطار جاءت الأوضاع الاستثنائية التي مرت بها الشقيقة تونس على خلفية أحداث “الربيع العربي” لتؤكد أن هذه المحنة التي ألّمت بالشعب التونسي أظهرت التزام الجزائر بدعم خيارات الشعب التونسي دون تدخل في شؤونه و العمل على حماية هذه الخيارات و تحصينها من خلال رفضها المستميت لأي  تدخل أجنبي تحت أي مبرر كان ، فمنذ انطلاق “ثورة الياسمين” عملت الجزائر على مرافقة الشقيقة تونس في تحوّلها الديمقراطي و عملت كل ما في وسعها من أجل تقريب وجهات النظر بين الفرقاء التونسيين لكي تتم العملية بسلاسة، كما عملت بالمقابل على إفشال مخططات الإرهاب وأجنداته المختلفة الرامية إلى إجهاض هذا المسار و إغراق البلاد في دوامة الفوضى و العنف عبر اغتيالات سياسية تمكّنت من بثّ الارتباك في أوساط الطبقة السياسية التونسية و كادت أن تكسر الإجماع المتوصل إليه حول حتمية الانتقال السياسي السلمي.
إن هذا الالتزام الجزائري الذي أملته أواصر الأخوة و الجوار تجلى بوضوح كذلك في مساعدة الشقيقة تونس على مكافحة الآلة الإرهابية من خلال تقديم كل ما تملك من خبرة و إمكانيات لإجهاض المشروع الإرهابي الرامي إلى تحويل تونس الخضراء إلى إمارة للعنف و الإرهاب، إلا أن التعاون الأمني و العسكري بين البلدين القائم على إدراك مشترك  للأمن الوطني للبلدين الذي لا يمكنه إلا أن يكون متكاملا و هذه  المعادلة وحدها هي من أفشلت هذا المخطط الإرهابي في تونس و ستفشل كل المحاولات الخبيثة الرامية إلى ضرب الاستقرار فيها أو في الجزائر. بهذا استطاعت تونس مواصلة تحوّلها الديمقراطي و إعادة بناء دولة المؤسسات و على رأسها المؤسسة الرئاسية من خلال الاختيار الشعبي للباجي قائد السبسي كأول رئيس منتخب ديمقراطيا في أول استحقاقات رئاسية ديمقراطية تعددية تشهدها تونس منذ الاستقلال و هي انتخابات شهد لها العالم كله بالشفافية، لتتحوّل بذلك تونس إلى نموذج يحتذى كتجربة ناجحة في التحول الديمقراطي.
إن زيارة الرئيس الباجي قايد السبسي إلى الجزائر في أول تنقل له إلى خارج تونس بصفته رئيسا للبلاد - بدعوة من أخيه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة - تحمل دلالات كبيرة على غد مشرق لعلاقات ثنائية مستمرة ستزداد مستقبلا  عمقا ومتانة و ستشكّل محورا مهما في البناء المغاربي كما تعكس إرادة سياسية قوية زادتها التجارب صلابة  وإصرارا على المضي قدما بهذه العلاقة الثنائية المتميزة إلى أبعد الحدود.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19444

العدد 19444

الأحد 14 أفريل 2024