سـاهم في إسمـاع دوي الثّـورة المجيـدة مـع فريـق جبهـة التّحريـر الوطنـي

عبـــــد الحميـــد كرمـــالي كـتب بأحـرف من ذهب فصولا منــيرة في مسـار الكــرة الجزائريــــة

إعداد: فؤاد بن طالب

نستحضر بهذه المناسبة الكبيرة إنجازات المدرّب القدير عبد الحميد  كرمالي رحمه الله، والجزائر تحتفل بالذكرى 64 لاندلاع الثورة التحريرية مع مسيرة هذا الرجل الذي صنع أمجاد فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم من 1958 إلى الاستقلال رفقة صديقه المرحوم مختار عريبي، دون أن ننسى جل لاعبي فريق جبهة التحرير الوطني للكرة المستديرة وعلى رأسهم النجم رشيد مخلوفي، إلى جانب سوكان، زوبا، بوشوك والقائمة طويلة، حيث طاف هؤلاء القارات الخمس وسجلوا أسماء الفريق الرمز بحروف من ذهب، وساهموا بقسط كبير في التعريف بالثورة الجزائرية في تلك الفترة التاريخية، وقد كان عبد الحميد كرمالي نجما كبيرا ولاعبا من الطراز العالي إلى أن حققت الجزائر استقلالها، فكان واحدا من الذين بنوا صرح الكرة الجزائرية بعد الاستقلال كلاعب في اتحاد سطيف، وبعدها الوفاق ثم مدربا لفريق عين الفوارة إلى أن أسندت له مهمة الإشراف مرة ثانية على تدريب الاتحاد السطايفي، ثم الوفاق بعدها انتقل إلى العاصمة ليصبح مدربا لمولودية الجزائر أين سجل معها أروع النتائج التي لازال الجميع يتحدثون عن هذا الرجل الذي أهدى للجزائر أول كأس إفريقيا 1990.

محطّات تاريخية...

تعتبر كلها محطات في تاريخ هذا الرجل سواء مع فريق جبهة التحرير الوطني أو الفريق الوطني، وبعد هذه الإنجازات التاريخية والميدانية تقلد شيخ المدربين الجزائريين عدة مسؤوليات كمدرب للأكابر والأواسط والفريق الوطني العسكري، وسجّل مع هذه المنتخبات ألقابا عديدة، وخرج على يديه الكثير من النجوم على غرار ماجر، صالحي عبد الحميد، وهم كثيرون لذلك يبقى عبد الحميد كرمالي نجم المدربين الجزائريين منذ الاستقلال إلى اليوم، حيث تتلمذ في مدرسته كبار المدربين الجزائريين وعلى رأسهم رابح سعدان وغيره من المدربين الشباب الذين يقودون حاليا أغلب الأندية وفي جميع الأقسام.
لذلك يبقى كرمالي دائما رمزا من رموز الكرة الجزائرية بدون منازع نظرا لأجندته المليئة بالإنجازات التي تبقى شاهدة على المحطات التي مر بها منذ مداعبته الكرة إلى اعتزاله الملاعب، لكن حبه وعشقه للكرة المستديرة لا زال يجري في عروقه.

النّشأة وبدايتــه مع الكرة المستديــرة

ولد عبد الحميد كرمالي يوم 24 أفريل 1931 بمدينة سطيف وسط عائلة كانت تعيش ظروفا صعبة خاصة بعد وفاة والده وعمره لا يتعدى (10) سنوات ، وبسبب الظروف القاسية لم يتمكن عبد الحميد من الذهاب بعيدا في دراسته، ولم يكن آنذاك أي فرد من العائلة يتوقع أن يرى عبد الحميد يداعب الكرة في يوم من الأيام، ويلعب لفرق شهيرة لكن حبه للساحرة المستديرة كان منذ طفولته يمارس الكرة في أزقة سطيف رفقة أصدقائه بالأحياء الشعبية.
تم اكتشافه من طرف ثلاثة أشخاص كانوا يبحثون في الأحياء الشعبية بمدينة سطيف عن المواهب الشابة إلى أن حطّت عينهم على الموهوب ابن مدينة عين الفوارة. هؤلاء الذين اكتشفوا واحدا يسمى بن عودة (لياص) عبيد وعبد القادر لخليف الذين كانوا دوما يتجولون في أحياء الهواء الطلق، طنجة (حي يحياوي)، المحطة، ووسط المدينة أين كانت تسكن عائلة كرمالي أين بدأت الانطلاقة ومداعبة الكرة سنة 1948 كان عمره آنذاك لا يتعدى 17 سنة في أول حوار مع بذلة اتحاد سطيف تمكن خلالها من خطف أنظار المتتبعين بتسجيله لهدفين على طريقة الكبار في تلك الفترة. بعدها مباشرة أمضى عقدا مع اتحاد الجزائر، وهو في نفس الوقت لاعبا باتحاد سطيف، ممّا كلفه عقوبة توقيف لمدة عامين ليجد نفسه بدون مهنة، حيث كان شغله الشاغل كرة القدم لا غير.
بعد الوضعية التي عاشها بعد توقيفه من اللعب لمدة سنتين في الجزائر، فضل الذهاب إلى فرنسا وكان له ذلك فحط الرحال بمدينة ميلوز وعمره 19 عاما، فأمضى بعض الوقت هناك ثم عاد إلى الجزائر ولعب مرة أخرى مع اتحاد الجزائر الذي لم يبقى فيه لمدة طويلة، حيث عاد إلى ميلوز ليبدأ مرحلة جديدة في حياته الكروية، حيث لعب في فريق كان إلى جانب المرحوم مختار عريبي ومصطفى زيتوني وبعد مدة في كان. انتقل بعدها للعب في أولمبيك ليون، خاصة وأن هذه المدينة كانت تعج بالجزائريين الذين يتوافدون على الملعب بكثرة لرؤية هذا النجم القادم من عين الفوارة، وهذا الى غاية 1958.

التحاقــــــه بفريـق جبهــــة التّحــرير الوطنـي

التحق عبد الحميد كرمالي بفريق جبهة التحرير الوطني في أفريل 1958 بالعاصمة التونسية مشكلا مع عدد من النجوم أبرزهم رشيد مخلوفي، مصطفى زيتوني والمرحوم مختاري عريبي، وقد ترك كل ما لديه بليون من مال وشهرة وبطولة، ليتفرع لفريق جبهة التحرير الوطني، وكانت الرحلة شاقة عبر سويسرا وإيطاليا ومن ثم الالتحاق بتونس. وتتواصل رحلة الكفاح من أجل تحرير الوطن عبر القارات، على غرار الصين، العراق، مصر، يوغسلافيا وغيرها من البلدان التي كانت واقفة بجانب القضية الجزائرية العادلة، وهي تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي.

  سجلّـه الذّهبـي

عبد الحميد كرمالي توفي يوم 13 أفريل 2013 وهو يبلغ من العمر 81 سنة، أمضى سنوات تاريخية مع فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم الذي لعب له العشرات من المباريات ضد منتخبات عالمية، وكان واحد من الذين أمطروا شباك الأندية، والمنتخبات وأمام فرق كانت تسمى «بالوزن الثقيل».
بعد الاستقلال عاد إلى الفريق الذي تربّى فيه وبدأ معه وعمره لا يتعدى 17 سنة، إنه اتحاد سطيف، ثم لعب للوفاق الذي نال معه أول كأس بعد الاستقلال، وكان صاحب أول هدف في أول كأس بعد تسجيله لهدف إثر كرة ثابتة ضد ترجي مستغانم الذي نشط أول نهائي كأس الجمهورية مع الوفاق السطايفي عام 62-63.

ولوجه عالم التّدريب

دخل نجم فريق جبهة التحرير الوطني والكرة الجزائرية عالم التدريب حيث أشرف على فرق منها ترجي مستغانم، مولودية الجزائر، الوفاق وفريق الأواسط الذي وصل به إلى أعلى المراتب عالميا، كما درب خارج الديار الاتحاد الليبي، مرسى تونس ورأس الخيمة الإماراتي دون أن ننسى المحاضرات التي ألقاها هنا وهناك في المجال الكروي.

أفضل إنجاز للشّيخ كرمالي

منذ الاستقلال، أشرف على الخضر أكثر من مدرب على غرار خالف، معوش، خباطو، لموي، مخلوفي وغيرهم من المدربين المعروفين، وتمكن كرمالي سنة 1990 من كسب التاج القاري لأمم إفريقيا الوحيد في تاريخ الكرة المستديرة الجزائرية ليبقى شاهدا على قدرات الرجل على تحمل مصاعب التدريب باقتدار.

كـرمالي يبقـى نجمــا متميّزا في سمــاء الكـــرة الجزائريــــة

وبعد إهدائه للجزائر أول كأس قارية عام 1990، لم يتوقف عن النشاط الرياضي، حتى ولو بعد تقدمه في السن حيث لم يمنعه للقيام بإسهاماته من أجل تنوير الشباب وتدعيم الكرة الجزائرية عامة و»الخضر» خاصة، لأنه كما قال ونحن نتحدث معه ذات يوم فالحنين إلى الكرة المستديرة كان  يسري في عروقه لأنه يتذكر أيام الزمن الجميل حين كان شابا مع الرفقاء في قلب فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم وفرق المدينة، ليبقى المرحوم كرمالي رمزا متميزا عن بقية المدربين نظرا لشعبيته وتواضعه. إنّه رجل التحديات، وهذا باعتراف كل الذين عايشوه، ليبقى اسما مميّزا لذاكرة الكرة الجزائرية التي أدخلها في سجل القارة السمراء عام 1990.
وعرف المرحوم كرمالي بحنكته في التحضير والاشراف على الأندية التي دربها و يعطي الفرصة للاعبين الشبان، مما أكسبهم ثقة كبيرة وأصبحوا نجوما بعد أن تتلمذوا على يد هذا المدرب الذي ترك اسما بارزا ضمن المدربين.
والكل يتذكّر الفرحة العارمة التي عرفها تتويج الجزائر بكأس إفريقيا عام 1990 بقيادة المرحوم كرمالي، وبمساعدة كل من نور الدين سعدي والمرحوم عبد الوهاب حين تفوق المنتخب الوطني على نظيره النيجيري في النهائي بنتيجة 1 – 0 من توقيع اللاعب وجاني.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024