نواعم السوق الشعبية...

حواء تبيع الخضر والعجائن وقطع الغيار

أمينة جابالله

 فضلت فئة من النواعم ولوج عالم التجارة بالأسواق الجوارية إلى جانب الرجل. ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة، من بينها شح المناصب الإدارية التي توافق مؤهلاتهم الدراسية، وكذا عدم وجود المعيل لها بسبب وفاة الأب أو الزوج أو غيرها من الأسباب الاجتماعية المتعددة، التي شكلت تحديا لهن وجعلت أنوثتهن رمزا للكفاح من أجل لقمة العيش الحلال.

الكثيرات من بنات حواء تقلدن مناصب جد هامة وفي غاية المسؤولية، بحيث وجدناها في أعلى مناصب في الدولة، ووجدناها في عالم الإدارة والأعمال وكذا في العديد من المهن الحيوية كالتعليم والطب والهندسة، ناهيك في الميكانيكا، وإنما اللواتي أجبرهن الزمن على اقتحام التجارة في الأسواق الجوارية يمتلكن ميكانيزمات مميزة مكتسبة من واقع المعيشة وربما من أبرز هذه الميكانيزمات الجرأة والقوة، فعندما تحافظ الأنثى على كيانها وسط عمل مقتصر على الرجال ينبغي أن تتسلح بالحزم والعزم، ناهيك عن فرض احترامها في كل الظروف.

خطوات لقمة الحلال تبدأ من المعاناة

«الحاجة» بائعة في السوق السوداء هي امرأة في أوائل الستينات وجدناها تفترش طاولة في السوق الموازي المعروف باسم الشوماناف، تعرض من خلالها بضاعتها،المتمثلة في صناعة السلل و«الاكسسوارات” تقوم بطرزها وحياكتها بنفسها، دخولها هذا العالم كان سببه الحاجة والحرمان الذي كانت تعاني منه عائلتها الصغيرة، وهي لا تخجل بهذا العمل، بل بالعكس هي ترى في هذه التجار سترة لها ولأولادها، وأنها تقيها من طلب المساعدة من الغير. وتضيف محدثتنا أنها في البداية لاقت صعوبة في تقبّل أهلها وكذا المجتمع لعملها إلا أنه ومع إصرارها رضخوا للأمر الواقع وتقّبلوا عملها.
وعن معاملة باقي التجار لها تقول “الحاجة”: في البداية كان الجميع متفاجئا من دخولها عالم التجارة في الأسواق، ومشاركتهم طاولاتهم، باعة وزبائن وخصوصا في الأيام الأولى لنشاطها، فالجميع كان يحاول معرفة أسباب لجوئها إلى هذه التجارة، فقد “كنت أرى في وجوههم سؤالا واحدا، ماذا تفعل هذه المرأة هنا؟ إلا أنه وعند معرفتهم لقصتي ومدى معاناتي أصبح جميع التجار لا يتهاونون في مساعدتي وتقديم جميع الخدمات لي، فالكل أصبح يحاول مساعدتي قدر الإمكان”.
أما عن إقبال الزبائن تقول “الحاجة إنه يوجد إقبال في بعض الأحيان بدافع الفضول الذي يدفع الناس إلى الشراء وأحيانا حبّ المساعدة “ففي مرات كثيرة يحرص البعض على إعطائي مالا أكثر من سعر البضاعج التي ابتاعوها مني”، فيما يبقى الجنس الناعم أكثر الزبائن الذين يقصدون طاولتها، كونهم يجدون راحتهم مع المرأة أكثر من الرجل.
«نصيرة» أو كما يلقبها الباعة في ضواحي وادي كنيس بخالتي نصيرة احتراما لها، وهي امرأة في الأربعينات من عمرها تعلمت التجارة على والدها ومارست البيع وفنونه منذ أن كانت في العاشرة من عمرها، تقول نصيرة في هذا الصدد: ولجت عالم التجارة منذ الصغر وهذا تلبية لرغبة والدي المقعد، لم أجد أية عراقيل منذ نزولي للسوق وحتى أثناء غياب والدي الذي كان يضطره المرض أحيانا للمكوث في البيت، لم تصادفني مواقف محرجة، إلا في موقفين كنت آنذاك في بداية العمل، فكنت حينها لا أحسن تسمية كل قطع غيار السيارات تصلني من الزبائن، فاختلط علي الامر وبعت قطع غيار غالية الثمن بنصف سعرها... أما الموقف الثاني فكان بسبب تصرفات طائشة من بعض الشباب الذين اضطروا إلى الاعتذار مني بعدما لقنهم العم محمد درسا في الاخلاق..
«الزهرة» وأخواتها يقمن بصناعة المعجنات وبيعها لمحلات المواد الغذائية، داخل وخارج ولاية جيجل. تقول الزهرة وهي الكبرى في أخواتها: لقد تعلمت وأخواتي صناعة المعجنات بكل أنواعها على يد زوجة أبي التي لم تبخل علينا في شيء، وتعلمنا فن البيع الذي كان مقتصرا في البداية على بعض محلات الأكل السريع والمقاهي بكميات قليلة، وبعدما نالت منتوجاتنا الصيت الحسن، شاركنا في مسابقات للأكل التقلدي مع بعض الجمعيات الثقافية وبعدها جاءت فكرة توسيع مجال عملنا الذي أصبح مئة بالمئة تجاريا، ونحن نأمل أن نفتح مصنعا خاصا بنا لترويج بضاعتنا وكذا لتعليم أكبر عدد من الفتيات ولم لا الشباب الراغب في مثل هكذا مجال؟.
أما عن العراقيل التي واجهتها وأخواتها، فتقول المتحدثة: من أصعب المراحل التي واجهتنا تكمن في البداية أين تم رفض بضاعتنا من طرف بعض أصحاب المقاهي، لاسيما الذين كانوا يتفاوضون في البيع بطريقة غير عادلة، ولكن بعد مرور السنين تعلمنا كيف نفرض أنفسنا من خلال إتقاننا واحترافيتنا في صناعة المعجنات التقيلدية على ضوء المعايير الصحية والنظافة.

بالقشابية وسط الرجال صباحا... وسيدة بيت ممتازة في المساء

 خديجة، إمرأة في أواخر الستينات من ولاية الأغواط، دائرة عين ماضي، تعمل بائعة في سوق الخضر، الفواكه صباحا، وتقوم بصناعة الحلوى وبعض الأكلات التقليدية مساءً، وهي أم لبنات متفوقات في الدراسة. لم يكن دخولها عالم السوق والتجارة سهلا، ناهيك عن الوسط الذي تعيش فيه، فلم يسبق لهم وأن سمعوا بامرأة تبيع الخضر في سوق لايبيع فيه إلا الرجال. وعليه فلقد وجدت خديجة في ارتدائها القشابية ذريعة مقنعة من أجل ضمان مكانها الذي أصبح بعد فترة من عدم التقبل إلى حق وميزة يضرب به الأمثال، كل من يعرف خديجة سيقول بأنها مميزة، تتحدث بلطافة وبهدوء وبابتسامة لا تفارق محياها، تبيع بضاعتها بكل مرونة ولا تخطئ أبدا في الحساب، ولم يسبقها أحد في التحية والسلام، كما وصفتها لنا إحدى المقربات بأنها مستمعة جيدة ومتحدثة لبقة، فبالرغم من أنها لم تدخل المدرسة إلا أنها تملك شخصية قوية، سواء في الإقناع أو في إسداء النصح بطريقة يخال لمن يستمع إليها أنها كوتش في التنمية البشرية.
ليس غريبا على شقيقة الرجال، أن تخوض وسط تجارب الحياة، مِهَناً تتطلب منها رجولة قد لا تكمن في بعض الرجال، ويراها البعض أنها مغامرة صعبة، في حين لا يستسيغها البعض الآخر من أبناء المجتمع، وإنما هي في الحقيقة واجب وُكِّلَ إليها ليس بدافع المنافسة أو مزاحمة الرجال، بل بدافع وحيد ألا وهو كسب الخبزة الحلال والعيش على الكفاف والعفاف والستر والحياة بسلام.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024
العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024