وفق دراسات علمية متخصّصة في مجال الخوارزميات المتعلقة بعالم السوشال ميديا، فقد أُثبت أن الخوارزميات هي التي تقوم بتقييم المنشورات والمحتوى الذي يبحث الشخص عنه، حتى يتمكن من ترتيب المحتوى الذي يراه من منشورات، ريلز، بحث، مجموعات، صفحات، وتوفير محتوى يناسب اهتمام الشخص ليظهر أمامه حينما يقوم بالتصفح مما يؤدي إلى وجود تفاعل لطيف.
كما تؤثّر وتتداخل الخوارزميات حينما يتعلق الأمر بالتواجد في المجموعات، والتي يتواجد فيها المحيطون، فكلما تمكن المستخدم للمجموعات من التواجد حيثما يوجد جمهوره، يساعده ذلك على فهم الاحتياجات التي يمكن توفيرها، وفهم السلوكيات، والمساعدة على الانتشار، كما تساعد الخوارزميات في الفايسبوك على معرفة ما يقوم به المُستخدم ويساعده على نشر محتوى يتناسب مع الجمهور المستهدف.
ومن الأمثلة الأخرى كذلك، هو تعمّد أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر موقف معين، ويطرح سؤالاً «يستشير به الجمهور»، ومن هنا تبدأ التعليقات بالتتابع، حيث تحدّثت «آية»، عن تجربة إحدى صديقاتها التي وصل بها الأمر «للطلاق»، بعد أن وصفت زوجها بأنه نرجسي وأناني، ولكنها لم تعلم أن تلك العبارة ستصل لعائلة زوجها، الأمر الذي أدى إلى حدوث طلاق سريع من زوجها دون أي تردد.
هذه الإشكالية في اللامبالاة بالحديث عن العلاقات الأسرية من خلال السوشيال ميديا، يتحدث عنها الخبراء بأن العلاقات الأسرية والاجتماعية مهمة للإنسان مهما كان موقعه، والمحافظة عليها مسؤولية الجميع لأن استقرار الأسرة ونجاحها وديمومتها من أهم عوامل استقرار المجتمع وهو ما يعود بالفائدة على الجميع.
ومن أهم عوامل المحافظة على العلاقات الأسرية حفظ الأسرار والحكمة في التعامل والحوار بين أفراد الأسرة، والاحترام المتبادل والقدرة على التعامل مع المشكلات والصبر والتحمل في سبيل تحقيق مصلحة الأسرة، والمحافظة على الخصوصية مهمة للشخص، بيد أنه في كثير من الأحيان فإن الفرد نفسه هو من يسمح للآخرين بالاطلاع على خصوصياته أو التدخل في حياته الخاصة سواء من خلال الحديث معهم وإشراكهم في تفاصيل حياته أو من خلال النشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويستغرب المختصّون وجود الكثيرين ممّن يتحدثون بكل وضوح عن تفاصيل حياته وعلاقاته الأسرية مع المحيطين، ممّا يحول تلك الأخبار عرضة للتحليل والتعليق، والبعض لا يكتفي بذلك بل يطلب من الآخرين أن يتدخلوا في خصوصياته من خلال التعليق أو الإعجاب أو طلب الرأي أو الإجابة عن سؤال يطرحه، وهو يفرح بالتعامل معه ويتفاخر بأعداد المتابعين والمتفاعلين، ويعده نجاحا، وربما يتحدث بطريقة غير لائقة وتسيء لأصحابها، ظنا منه أن كسب أعدادا كبيرة من المتابعين يمنحه الشهرة، وربما يجلب له المال.
طرح الأسئلة حول قضايا أسرية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والطلب من العموم تقديم آرائهم فيه الكثير من الخطورة، فمن يدلي برأيه ليس صاحب خبرة واختصاص بالضرورة، وقد يكون مغرضا أو متحاملا أو لا يريد الخير، أو صاحب تجربة فاشلة يريد أن يعممها ويرى العالم كله من خلال تجربته.
ثم أن القضايا الأسرية تتعلق بالأشخاص وهم مختلفو الطباع والمزاج والثقافة والبيئة الاجتماعية والعمر والنضج، ولا يمكن أن يصح فيها التعميم، فما يناسب شخص قد لا يناسب آخر، وسر نجاح أسرة قد لا يكون بالضرورة هو نفسه للأسرة الأخرى.
فالنظر في القضايا الأسرية والاجتماعية يحتاج إلى تشخيص صحيح وخبرة وقدرة على اقتراح الحلول المناسبة، وهذه لها أهلها من أصحاب التخصص والخبرة والثقات المؤتمنين على أسرار الآخرين والحريصين على مصالحهم بما يحقق العدالة ومصلحة الأسرة، وطلب الرأي والمشورة على مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال المجموعات له سلبيات كثيرة، إذ يظهر صاحب السؤال أنه يعاني من مشكلة ويطلب رأي الآخرين فيها.
إذ يبدأ بإفشاء الأسرار والطلب من الآخرين التدخل، وهو ما يستثير الأطراف الأخرى في المشكلة من زوج أو أبناء وبنات، أهل الزوج أو الزوجة، الأقارب أو الأصدقاء، وهذا يسيء للعلاقات وقد يدمرها.
لذا، لا يمكن من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات أن يتحدث الإنسان عن مشاكله بكل صراحة ووضوح على السوشيال ميديا، فلا يوجد وصفات «معلبة» لحل المشكلات، ولا يوجد إجابة جاهزة لكل سؤال حتى من أهل الاختصاص، ونشر تفاصيل الحياة الشخصية والمشكلات يؤدّي إلى استسهال هذه الأمور وقبولها بل وتعميمها في المجتمع.
(وكالات)