مناسبات اجتماعية تؤرق عائلات

عزلة اختيارية بسبب..»التّاوسة»

 ما بين «سداد الواجب» وتضاعف الأعباء المادية، تقف عائلات «مكتوفة الأيدي» أمام مناسبات اجتماعية متتالية تتطلب الهدايا و»التاوسة»، ما يشكّل عبئا كبيرا عليها، وأحيانا يؤدي إلى «عزلة» عن الآخرين لتفادي الإحراج، وقدّرت كاتبة «الغد» ديمة محبوبة واقع ما تعيشه العائلة بسبب هذه الأعباء المادية.
وتشكو «أم عبد الرحمن» من الأعباء المالية التي تثقل كاهل عائلتها، قائلة: «عندما يدعوني أحد إلى مناسبة اجتماعية، سواء كانت زفافا أو ولادة، أشعر بالحرج والتوتر. كيف أستطيع الحضور أو تقديم الهدايا خاصة إذا كانت أكثر من دعوة؟».
تعيش «أم عبد الرحمن» وزوجها على دخل شهري لا يتجاوز 60 ألف دينار، وهو مبلغ بالكاد يغطي الاحتياجات الأساسية، «أحياناً أفضل الاعتذار عن عدم الحضور لتجنب الإحراج»، وفق قول «أم عبد الرحمن».
وتضيف أنها ومع تزايد الضغوط الاقتصادية، تزداد عزلتها الاجتماعية، حيث لم تعد تستطيع مشاركة الفرحة مع أقربائها وأصدقائها، وتقديم الهدايا و»التاوسة» لتلك المناسبات، وإن قدمتها تكون محرجة بسبب بساطتها.
ومن الجانب الآخر، يعاني الموظف «سمير» من دين متراكم بسبب مناسبات اجتماعية عديدة، تحديدا في موسم الصيف، ونشاطات الأقارب. يقول «لا أستطيع رفض الدعوات، فهذا يعد «عيبا» في مجتمعنا»، لذلك يضطر للاستدانة، ولكنه الآن يعاني من صعوبة السداد.
بعض العائلات باتت تطلب عند حضور مناسباتها عدم تقديم «التاوسة»، وذلك بدافع الشعور بالمسؤولية الاجتماعية وتخفيف الحرج عن الآخرين. يهدف هذا التوجه إلى تجنب التسبب في ضائقة مالية إضافية للمدعوين، سواء كان ذلك بسبب ديون مترتبة عليهم أو لضمان حضورهم من دون الشعور بالضغط أو الإحراج.
ويرى مختصّون في علم الاجتماع أنه في مجتمعنا، تعد المناسبات جزءا لا يتجزأ من الترابط الاجتماعي، ولكنها مع الوقت أصبحت عبئا ماليا لا يمكن تجاهله، ما يسبّب الكثير من الحرج والضيق المالي وحتى مشكلات عائلية مرهقة، بالتالي التأثير على العلاقات الاجتماعية».
كما يؤكّد النفسانيون أن للعجز المالي تأثير نفسي سلبي، فالعزلة الاجتماعية التي يفرضها العجز المالي تؤدي إلى شعور الشخص بالاكتئاب والقلق، كما تؤثر على الثقة بالنفس وتزيد من التوتر داخل الأسرة.
والإنسان بطبيعته يرغب بتقديم الهدايا كتعبير عن المودة والتقدير، ولكن ينبغي أن تتناسب الهدية مع قدرته المالية، وليس مع قدرة الشخص الذي يستلم الهدية، فـ «ليس من الضروري أن أقدم هدية بقيمة 10 آلاف دينار لأن شخصا ما قدّم لي هدية بالقيمة ذاتها في مناسبة سابقة». وفي حال كان الشخص مقتدرا، فالأمر مختلف، أما أن يضغط المرء على نفسه ويؤثر سلبا على وضعه العائلي واقتصاد منزله بسبب هذه العادة، فهو أمر غير مستحب وله تبعات كبيرة وبعيدة المدى، ويزيد من الأعباء على مختلف الجوانب.
وهناك عائلات تأثرت بالفعل وابتعدت عن أقاربها وأصدقائها، نتيجة شعورها بالحرج من حضور المناسبات التي تتطلب تكاليف مادية. فهم يشعرون بالإحراج لعدم قدرتهم على تقديم هدايا بالقيمة المتوقعة نفسها، ما دفعهم إلى تجنب هذه المناسبات تماما.

تكلفـــة أقل

 لذلك يوصي الخبراء بضرورة تعزيز التوعية المجتمعية وزيادة الوعي بأهمية تقليل النفقات في المناسبات الاجتماعية، والبحث عن طرق بديلة للاحتفال بتكاليف أقل. ويشددون على أهمية مراعاة ظروف الآخرين من دون تحميلهم وصمة التقصير. فليس من المنطقي أن يتحمل الشخص أعباء مالية إضافية فقط لتغطية تكاليف الهدايا أو «التاوسة».ويجعل جلب الهدايا الرمزية الأمور أكثر سهولة، فالفكرة بحد ذاتها جميلة ويمكن أن تكون فعالة، لكن المبالغة والتكلفة العالية هما ما جعل الأمر مرهقا للعديد من العائلات. ويمكن التنسيق بين الأقارب لتنظيم مناسبات مشتركة، وبالتالي تقليل التكاليف.
وعليه، فإن الحلول تتطلّب تغييرا في نمط الإنفاق الاجتماعي، وعلى المجتمع أن يعيد النظر في كيفية إدارة المناسبات الاجتماعية بحيث تكون أكثر توفيرا وأقل تكلفة. يمكن تنظيم هذه المناسبات بطريقة لا تثقل كاهل الأفراد ماليا.وتبقى الأعباء المالية للمناسبات الاجتماعية قضية حساسة تتطلب تعاونا مجتمعيا وحلولا عملية، للحفاظ على الترابط الاجتماعي من دون أن يكون ذلك على حساب الأفراد أو أوضاعهم الاقتصادية، أو وسمهم بالتقصير أو العيب.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025
العدد 19809

العدد 19809

الأحد 29 جوان 2025