التّضامن المدرسي..قيمة اجتماعية رسّختها أجيال متعاقبة

مشروع «الحقيبة المدرسية» يغزو مواقع التّواصل الاجتماعي

فتيحة كلواز

 في سباق مع الزمن، تتكاثف الجهود من أجل رسم أسمى صور التضامن الإنساني تزامنا مع الدخول الاجتماعي، ولقد تمكّن النّاشطون الاجتماعيون من إيجاد صيغة «مجتمعية» لتضامن مدرسي يسمح للعائلات العاجزة، أمام ارتفاع تكاليف الأدوات المدرسية والكتب، بتجاوز عقبة أسعارها، بأن تهديها ما يحتاجه طفلها لتمدرس عادي..تضامن «مجتمعي» يثمّن ويرسّخ القيم الإنسانية لأفراده، انخرطت في مشروعه مختلف الأطياف والشرائح استعملت لتحقيقه الاتصال المباشر أو المجتمع المدني أو مواقع التواصل الاجتماعي، فكلّها تصب في غاية محورية لا تحيد عن مجتمع يرص بعضه بعضا.

 هي إحدى الصّور المترسّخة والمتجذّرة في ذاكرة المجتمع عن التضامن بين أفراده، لتزامنها مع الدخول المدرسي، بل في بعض الأحيان، تبدأ في الاحياء قبل ذلك بكثير، بعد إعلان نتائج السنة الدراسية النهائية، وبعيدا عن أيّ خلفية، تنطلق حملة توزيع العائلات للكتب المدرسية على أطفال الحي، ممّن انتقلوا إلى أقسام عليا، بعد انتقال أطفالهم إلى السنة الموالية، وهذه عملية تمس في بعض الأحيان حتى الكتب الخارجية المتعلقة بالمراجعة، ونماذج الامتحانات الفصلية.
بالرغم من التغيرات التي مسّت المجتمع الجزائري، إلا أنّه حافظ على بعده الإنساني الذي يتجلى في كل مرة يحتاج فيها أفراده إلى مساعدة وتآزر، ولنا في أحداث ومناسبات متعددة، تأكيدا على هذا الشق التضامني المتجذر في المجتمع الجزائري، خاصة إذا تعلق الامر بالتعليم والدراسة، فمن إعطاء الكتب المدرسية على التلاميذ ممّن يعجزون عن شرائها، خاصة وأنّ القدرة الشرائية للمواطن عرفت تراجعا بسبب تداعيات ازمة اقتصادية واجتماعية مزدوجة.
ولا يشمل التضامن المدرسي المجتمعي الكتب المدرسية فقط، بل يمتد إلى الملابس والأدوات المدرسية حيث تخصص بعض العائلات مبلغا من المال لشراء أدوات مدرسية للتلاميذ الذين لا يستطيع أولياؤهم توفيرها لهم، خاصة أولئك الذين يعيشون بدون ولي أو عائل بسبب وفاة رب الاسرة أو انفصال الابوين، فيما تجمع بعض المؤسسات المدرسية الكتب المدرسية لتوزيعها على مستحقيها ممن لا تشمل قائمة التلاميذ المستفدين من مجانيتها.
فبعض العائلات تفضل عدم الإفصاح عن حاجتها، خوفا من تعرض أبنائها إلى التنمر في الوسط المدرسي، لذلك تساعدهم المدرسة بعيدا عن القائمة الرسمية للعائلات المعوزة رفعا للحرج عنهم، ومع الدخول المدرسي، تطلب المعلمة من التلاميذ إحضار الكتب التي لا يحتاجونها من أجل توزيعها على محتاجيها، وبالفعل، تجد الكثير منهم يقدمها في عملية يحرص أغلب الأولياء على أن يكون طفلهم هو من يأخذها إلى المدرسة بغية تنمية شخصيته على قيم التضامن والتكافل.
وبين استبدال الكتب المدرسية أو منحها، يبرز التضامن المجتمعي كقيمة أخلاقية تبقي على أواصر التماسك والتلاحم، واحد لبنات تماسك المجتمع، لأنه «مشاركة فرد أو أفراد داخل المدرسة في تغيير وتذليل بعض الصعوبات على اعتبار أنه أحد انواع التضامن الإنساني، يهدف فاعلوه الى تحسين وضعيات صعبة لتلاميذ داخل المؤسسة التعليمية او خارجها.
الفضاء الأزرق يزيد الفاعلية..
 بالإضافة إلى ما تقدمه الدولة من تضامن بمختلف أشكاله للتلاميذ المنتمين إلى العائلات ذات الدخل الضعيف، كمجانية الكتاب المدرسي والمنحة المدرسية، حيث تستفيد العائلات المعنية بها من مبلغ مالي يقدر بـ 5000 دينار، تؤدي الجمعيات دورا مهما في مساعدتها، حيث تقوم بعملية جمع للتبرعات من أجل شراء الأدوات المدرسية للتلاميذ من محافظ وكراريس وأقلام، بقصد تخفيف وطأة ارتفاع أسعارها هذه السنة، حيث ارتفعت بأكثر من 175 بالمائة.
ولم تستثن مواقع التواصل الاجتماعي حملات التضامن المدرسي، حيث فتحت صفحات لاستبدال أو إهداء الكتب المدرسية، تتواصل فيها العائلات لإهدائها أو استبدالها أو بيعها بنصف ثمنها، ليجد كل واحد حاجته التي يبحث عنها، وتنشر صور الكتب ومعلومات على حالتها جيدة أم حسنة حتى يستطيع الراغب في أخذها تحديد ما يريده بالضبط، ليكون الفضاء الأزرق وسيلة إضافية يستخدمها المجتمع لترسيخ قيم التضامن بين أفراده، فهو يؤدي دورا مهما في تواصل مختلف الفئات المهتمة بالتضامن المدرسي، خاصة الذين يبحثون عن المساعدة بعيدا عن أعين المتطفلين والمتنمرين، ولن تشمل تلك الحملات الافتراضية للتضامن الدخول المدرسي فقط، بل تشمل حتى شرح الدروس ونشر نماذج الامتحانات والفروض لمختلف الأطوار التعليمية مجانا، بغية مساعدة التلاميذ على تحسين مستواهم، خاصة الذين لا يستطيعون دفع تكاليف دروس الدعم بسبب دخل معيلهم الضعيف.
ولعل كثير منا اطّلعوا على صفحات «فايسبوك»، و»يوتيوب» تختص بتقديم دروس مجانية يقوم فيها المعلم بتبسيط الدروس المستعصية على فهم التلاميذ، خاصة ما تعلق بالمواد العلمية كالرياضيات والفيزياء والعلوم التجريبية بالأخص أقسام الامتحانات المقبلين على شهادة التعليم المتوسط والبكالوريا.
مشروع الحقيبة المدرسية
هو عنوان حملة أطلقتها جمعيات مختلفة في الفضاء الأزرق من أجل توفير الأدوات المدرسية للعائلات الفقيرة والمعوزة، حيث كتبت جمعية «الغيث الاجتماعية «تزامنا مع اقتراب الدخول المدرسي لسنة 2022 - 2023 تعلن الجمعية عن مشروع الحقيبة المدرسية لدعم الأيتام والفقراء، وستقوم بجمع التبرعات النقدية والعينية عند افتتاح المدارس وتقديمها للفقراء والأيتام فلا تحرموا انفسكم هذا الأجر وجزاكم الله كل خير»، وحدّدت ما تحتاجه من تبرعات في حقائب مدرسية جديدة، كتب ودفاتر، أدوات مدرسية ومآزر.
أما جمعية «اليسر»، فعنونت صفحتها بمشروع الحقيبة المدرسية لليتامى والمحتاجين من أجل إدخال الفرحة لقلوب أطفال حرمتهم الظروف المادية لعائلاتهم من شراء كل مستلزمات الدخول المدرسي، بينما جمعية «الغزالي الخيرية» بوفريزي، فاعتبرت إدخال الفرحة على قلوب هؤلاء الأطفال نوعا من التسابق نحو الخيرات، تحت شعار «أسبوع التضامن المدرسي»، وضعت جمعية «جزائر الخير» أرقامها تحت خدمة المحسنين والمحتاجين ممّن ينتظرون دعمهم بمستلزمات الدخول المدرسي طوال الفترة الممتدة من 10 إلى 20 سبتمبر.
فيما اختارت جمعية «وين نلقى» شعار حملتها للتضامن المدرسي بـ «وين نلقى كرطابي»، حيث أعلنت عبر صفحتها «تمّ اليوم اقتناء محافظ وأدوات مدرسية لتجهيز أكثر من ألف محفظة مدرسية كجزء أول من المشروع الذي أطلقته الجمعية لفائدة الفين تلميذ يتيم ومعوز في عدة ولايات»، مؤكدة «بقاء أبواب التبرعات مفتوحة لكل من إراد المساهمة من إجل سنة دراسية أفضل لأطفالنا المعوزين».
إلى جانب مبادرات فردية حرص أصحابها على إطلاق حملة لجمع التبرعات للمحتاجين لها، بينما فضّل آخرون عرض مساعدتهم على المهتمين من خلال تخصيص مبلغ مالي يتراوح بين 5 آلاف إلى 20 ألف دينار لمن يستحقه، فيما اختار بعض المحسنين شراء الأدوات والمستلزمات المدرسية من حقائب وأقلام وكراريس ومآزر من اجل توزيعها على محتاجيها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024