إعاقته مصدر نجاحه

خالد الطاهر.. ذلّل الصعاب متجاوزا نظرة المجتمع القاصرة

تندوف: علي عويش

 العزيمة قادت الكرسي المتحرك على طريق النجاح

طريقه الذي يسلكه على أربع عجلات يبدو طويلاً للبعض، لكنه يراه مجرد خطوةٍ على طريق الألف ميل، لم تُثنه العجلات الأربع عن ولوج عالم السياسة، بعد أن اختبر دروب الوظيفة ومسؤولية الأسرة.. إصراره على الوجود ورفضه البقاء مجرد شخص يثير شفقة الآخرين دفعنا الى الحديث معه للتعرف على فصول طويلة من الإلهام، الصبر والإصرار على تحقيق الهدف وإنكار كل الفروقات الجسدية مع الغير.

خالد الطاهر، شاب من تندوف فتح عينيه على أسرة متواضعة، بلغ فيها الدين والحكمة مبلغهما، فنشأ في جوٍ أسري محافظ، متمسك بتعاليم الدين وعادات المجتمع كما هي حال كل أسر الولاية.. كانت لعبة كرة القدم أنيسه في أزقة الحي العتيق، وهو يتلمس جدران آثار “الرماضين” من “دويرية” أهل العبد، وقصبتها ومسجدها، فيومذاك، لم تكن للتكنولوجيا من سلطان على حياة الأطفال.
حياة خالد الطفل المرح، لم يكتب لها أن تستمر على هذا النحو، ولم يكتب له أن يرى أحلامه تتحقق، فخطأ طبي وحيد، كان كفيلاً بتغيير حياته، وإقعاده على كرسي متحرك مدى الحياة، فكان المنعرج الأهمّ في حياته.
بعد مسار تعليمي شاق مفعمٌ بإرادة تفوق قدرته كطفل يافع، تدرّج خالد صعوداً بين الأطوار التعليمية بولاية تندوف، راسماً لنفسه عالمه الخاص.. عنوانه الإصرار والتفوق وصولاً الى مراحله النهائية، أين تكلّلت مسيرته التعليمية بالحصول على شهادة مهندس في الإعلام الآلي تخصص برمجة، وأخرى في تسيير الموارد البشرية.
النجاح التعليمي لم يكن بالنسبة لخالد سوى وسيلة في حد ذاته، فطموحه كان أكبر من أن يتحمله كرسي متحرك؛ لهذا سعى الى الاستقلال بذاته، والاعتماد على نفسه، وهو يرى أن مشكلته الصحية المزمنة ما هي إلا نعمة أخرجت طاقته الكامنة، وصقلت موهبته في الخَطابة ولغة الحوار، ومكّنته من الاندماج في المجتمع بكل سهولة.
يسترسل خالد في الحديث عن تجربته كشاب بطّال، وعن يومياته مع عروض العمل والسعي لإيجاد وظيفة كمواطن عادي، وكيف رفض كل عروض العمل المبنية على الشفقة والعطف، متجاوزاً كل خطابات المجتمع التي كانت تدعوه الى الاصطفاف مع زملائه من ذوي الاحتياجات الخاصة، والاعتماد على منحة الدولة في تأمين لقمة العيش.
إصرار خالد وعزيمته، مكّناه من الحصول على وظيفة بالصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء بتندوف، ليصبح بعدها رئيساً لفرع التنظيم العام بذات المؤسسة.

عزيمة على أربع عجلات

يذكر خالد في حديثه مطبّات الطريق، ومقدار خطورة الوصول الى العمل على كرسي متحرك، وعن ذهنيات بعض أصحاب المركبات، مشيراً الى أن الطرقات والأرصفة بولاية تندوف، قد تحولت الى حقول ألغام بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، بفعل كثرة الحفر والممهلات التي لا تراعي المعايير التقنية المعمول بها، بالإضافة الى غياب إشارات محددة تسهل حركة هذه الفئة في الشوارع.
أشاد خالد في حديثه لـ«الشعب” بدور الدولة التي لم تدخر جهداً من أجل إشراك ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة السياسية بشكل طبيعي جداً، مستدلاً بتجربته الخاصة في الانتخابات المحلية الأخيرة التي فاز على إثرها بمقعد بالمجلس الشعبي لبلدية تندوف، قائلاً بأن قوانين الدولة والعديد من إطارات الولاية، كانا السبب الرئيسي في خوض غمار التجربة السياسية والمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية عن قائمة حرة، انتهت به إلى عضوية المجلس الشعبي لبلدية تندوف.
خالد اليوم متزوج وأب لأربعة أطفال، ورئيس للجنة الاقتصاد والمالية والاستثمار بالمجلس الشعبي لبلدية تندوف، في سابقة بالمجالس المحلية بالولاية، وهو لا يعتبر نفسه معاقاً، بل مقصراً في واجباته كمواطن ينتظره الكثير، وكمنتخب ملزم بتسيير الشأن العام على رأس إحدى أصعب لجان المجلس البلدي.
ينفي خالد تعرضه للتنمر أو السخرية طيلة حياته، باستثناء بعض الأحاديث التي تحاول عن غير قصد، جرّه الى مستنقع الركود والخمول، وهي أحاديث –يقول عنها- إنها كانت مصدر قوته التي أوصلته إلى ما وصل إليه اليوم.
يختم خالد حديثه بالتطرق الى معاناة فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، فرغم مجهودات الدولة الرامية الى إدماج هذه الفئة في المجتمع، إلا أنه ما تزال هناك بعض النقائص وبعض الأمور التي ينبغي مراجعتها كبعض القوانين المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة، منها قيمة منحة المعاقين واستفادتهم من بعض المزايا التي أقرتها التشريعات والنصوص القانونية، داعياً المسؤولين المحليين الى الالتفات الى هذه الفئة التي لا تطالب بالكثير، فأكبر احتياجاتها بعض الحقوق التي أقرها المشرع وكرّسها الدستور، كحصتهم في مناصب العمل والسكن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024