صحتك النفسية

اِفصل..لتحقيق التوازن

يعود الواحد منّا بعد يوم عمل إلى بيته وعائلته، ليشعر أنه مستنزف من يوم عمل شاق وطويل، فيه الكثير من الاجتماعات والإحباطات والحالة السلبية ضمن بيئة العمل، وضغوط لا تنتهي وأعباء مالية تتزايد.
يعود إلى عائلته متعبا ومنهكا لا يطيق سماع كلمة بعد كم الهواتف التي تلقاها خلال يوم العمل، ويجد صعوبة بالجلوس مع أفراد عائلته ومشاركتهم تفاصيلهم وحتى سماع أي موضوع، ويفضل السكوت.

لا ذنب لهم

 يدرك الواحد منّا أنه يظلم عائلته أحيانا لأن لا ذنب لهم بمشاكل وضغوطات عمله وعصبيته المتزايدة، أو حالته النفسية وطاقته المتعبة التي تمنعه عن مشاركة زوجته وأبنائه أصغر التفاصيل، فهو يعترف بصعوبة الفصل بين حياته العملية والعائلية.
مختصّون في علم النفس، يؤكدون أن الضغط النفسي هو أمر طبيعي، وكل إنسان لديه طاقة وقدرة تحمل لأحداث تمر خلال حياته.
ويبين المختصّون أن الفرد يستطيع أن يتحمّل كمّاً محددا من الضغوط النفسية، لكن إن تلاحقت هذه الضغوط وبقيت لوقت طويل تجعل الفرد أقرب إلى الانهيار، ما يدفع الجسد لإرسال علامات تشير إلى أن الضغط فاق الحد، كالتعب الجسدي أو الأمراض بدءا من القلق والانفعال السريع والاكتئاب والصداع، وصولا إلى الأرق.
يعود الواحد منا ليجد نفسه وبشكل يومي واقعا بين ضغوطات الحياة وكثرة المصاريف وغلاء الأسعار وشعوره بالتقصير الدائم تجاه أسرته لأنه يعود من عمله منهكا، ولا طاقة لديه، فالهموم تتراكم والتقصير يزداد، حتى أثّر كل ذلك على مجرى حياته وبات مثقلا لا يستطيع إعطاء أي شيء حقه.
بعد مرور وقت طويل، يحاول محمود اليوم أن يوازن قدر المستطاع. يقول “لا ذنب لعائلتي أن تعيش مشاكل وهموم عملي، ولا أريد أن أفقد طاقتي وصحتي لهذا بت أرتّب أولوياتي، فالعمل لا ينتهي بل على العكس هو أمر متراكم، لكن الجلوس مع العائلة والاهتمام بتفاصيلها قدر المستطاع يجعل الفرد راضيا وهو الشيء الأهم”.
ومنذ ذلك اليوم، حافظ على وجوده بشكل كامل جسدا وعقلا مع أفراد عائلته ينسى همومه معهم، وخصّص ساعة للعب الرياضة التي شعر أنها الساعة المهمة له للتنفيس عن الغضب والاهتمام بالصحة، وشعوره أن هناك مساحة خاصة به.
وينوّه المختصّون إلى أنّ الضغوط النفسية ما هي إلا رد فعل الجسم على ما يواجهه خلال اليوم، وتكون حدتها بحدة هذه المواجهات وخطورتها، وأحيانا تكون هذه الردود العصبية من خلال استحضار العقل لما يخيفه أو موقفا أو تحديا يقع فيه الفرد في حياته الشخصية أو العملية.
تراكم الضغوط النفسية وطول مدتها تؤثر على الجسد واستسلامه، معلنا للفرد بأن عليه التوقف وأخذ قسط من الراحة إما عن طريق الصدمات الجسدية أو عن طريق تسارع نبضات القلب وأمور أخرى تطلق إشارات التحذير، ما يستدعي المساعدة.
فأحيانا من كثرة الضغوط النفسية يصاب الجسد بآلام في أماكن معينة كالصداع المستمر أو التشنجات في الرقبة أو الكتف، ويؤثر الضغط على الجهاز التنفسي فتتسارع الأنفاس في محاولة لمد الجسد كله بالأكسجين.

الوضع المالي وشؤون العمل في المرتبة الأولى

 تشير دراسة أجرتها الجمعية الأمريكية لعلم النفس، إلى أنّ أكثر ما يخشاه المرء ويعاني من الضغط النفسي لأجله هو الوضع المالي وشؤون العمل، وفي المرتبة الرابعة حلت المسؤوليات الأسرية. وممّا تمّ الاتفاق عليه علميا، أن نتائج هذا الضغط، لا تقتصر على الفرد نفسه، بل يمتد ليطال المحيطين بأشكال مختلفة، مثل الحصر النفسي والغضب السريع والانفعال والحماية المفرطة وكل المشاعر التي قد تتسبب باصطحاب التوتر مع الفرد إلى منزله ونقله إلى أفراد عائلته.لذلك على الفرد فصل الأمور المقلقة عن بعضها بعضا قدر الإمكان، فمثلا عدم أخذ ضغوط العمل والأمور المالية وخلطها بمسؤوليات الحياة الشخصية، وذلك يكون من خلال إقناع الذات بحصر العمل بأوقات وأماكن محددة لا تخرج عن نطاقها، وكأنه يقول لذاته بعد العودة من العمل الآن وقت الراحة، فعلي الجلوس مع عائلتي ومشاركتهم نشاطاتهم واهتماماتهم.
وأولى خطوات ذلك محاولة عدم إحضار حاسوب العمل أو الأوراق للمنزل، وإعطاء كل جانب حقه. ويتحدث عن الهاءات العصر الحديث التي تجعل الشخص متاحا لكل ما هو آت من الخارج وهو الهاتف الذكي، ومن هنا يجب على الفرد مراقبة ذاته وكيفية الاستخدام بعيدا عن الحياة الشخصية ومحاولة السيطرة على ذلك.
ينبغي ألا تؤثر الحياة العملية سواء للرجل أو المرأة على الحياة الأسرية، فكل شيء له وقته، ومن المهم إعطاء الفرد مساحته الخاصة ليتمكن من شحن طاقته ليواجه الحياة العملية والعائلية بضغط نفسي أقل، وذلك من خلال ممارسة شيء يرغب بالقيام به كالرياضة أو من خلال القراءة أو المشي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024