الانفصال «المعنوي»..

آثاره أكثر تدميرا على الأسرة مقارنة بالطلاق الحقيقي

بيئة سامّة.. أوّل ضحاياها الأطفال

«نحن فقط مع بعضنا من أجل الأطفال» عبارة كثيرا ما تتردد على مسامعنا من قبل الأزواج الذين يعيشون علاقة سيئة، والحقيقة أن الزواج السيئ يؤثر على الأطفال، ويكون مؤلما لهم أكثر من الطلاق.

لماذا؟ لأن الزواج السيئ أو كما يعرف بـ»Toxic Marriage»، يعرض الأطفال لبيئة غير صحية تنعكس على شخصيتهم المستقبلية، وخياراتهم في تكوين العلاقات بشكل سلبي، فالأطفال الذين ينشأون في منزل، يتجادل فيه الآباء دائما، ويختلفون باستمرار، وفي الوقت ذاته لا ينفصلون، يعيشون في حالة من التساؤلات التي لا تنتهي، لماذا هما معا؟،
فروقات كبيرة بين من يحصل على الطلاق مع أطفاله، وأولئك الذين يختارون البقاء معا لأجل الأطفال، غير مدركين أنهم يعيشون في وضع غير مستقر، فالوالدان في حالة شجار مستمرة، والطفل يلوم نفسه على ذلك، وينتهي به الأمر بالشعور بالذنب من أمر لا علاقة له به. ومع أن دراسات متعددة بينت أثر الطلاق السلبي على الأطفال، لكن البقاء في علاقة غير صحية بوجود أطفال أكثر ضررا، خاصة أن هذه المشاكل لا تحل جذورها ويستمر الصراع والتوتر، ويتعزز الضرر بوجود إهانة لفظية وأصوات مرتفعة، وعنف جسدي، ومعاملة صامتة بسبب «علاقة الزوجين جافة.. ولا حوار بينهما»، وكل هذا يلحق ضررا بالأطفال، في الوقت الذي يبقى فيه الزوجان معا لحمايتهم، إلا أنهما يسببان ضررا أكبر، بحسب موقع «سيكولوجي توداي».
سيعيش الاطفال التجربة ذاتها غالبا، فهم كما الإسفنج يمتصون كل شيء في محيطهم، وهذا ينعكس على فهمهم لعلاقة والديهم. فحين يرون أن الآباء يتجادلون بلا نهاية، سيفعلون الأمر نفسه، ويفكرون أنه من العدل والطبيعي أن يعيشوا في مثل هذه الظروف مستقبلا، ويصبح من المشكوك فيه قدرتهم على تنمية علاقات صحية ومحبة.
فالسلوكيات الأبوية التي تحمل غيرة وغضبا سريعا وغياب الحوار بين الأزواج وحالة الصمت تصبح سلوكا اعتياديا لدى الأطفال حين يكبرون، وتؤثر على علاقتهم مستقبلا، فالأبوان يزرعان بالطفل خلال تلك المرحلة «أن يرضى بأقل ما يستحقه في العلاقة»، وهنا يغدو تفكير الطفل بأن الزواج أمر سلبي، ما يسبب الإحباط والتشاؤم.
ويفقد هؤلاء الأطفال شعور «الأمان»، لأنهم يكتشفون المشاعر السلبية بسهولة شديدة ويشعرون بحساسية فائقة للصراع العائلي المدمر. ومع إظهار الآباء غالباً عدم احترام بعضهم بعضا، فإن حياة أطفالهم على الصعيدين الاجتماعي والعاطفي ليست آمنة.
إن التوتر بين الآباء من الممكن أن يهدد إحساس الأطفال بالأمن، فيشعرهم بأنهم مرفوضون، ومذنبون، وحين لا يشعر الأطفال بالأمان في بيتهم، فهناك احتمال بأن يصبح من السهل عليهم أن يفسروا المواقف العادية باعتبارها تشكل تهديداً. ويمكن أن يؤدي قلقهم إلى كوابيس ومشاعر الخوف.
كما يعانون من تقدير الذات، يفقد الأطفال ذاتهم حين يعيشون في أوضاع أسرية صعبة، خاصة المنازل شديدة الصراع، فيمكن أن ينتهي بهم الأمر إلى الشعور بانخفاض احترام الذات وعدم الجدارة.
ويتطور هذا الأمر، لأن يعاني الأطفال من مشاكل مزاجية خطيرة مثل الاكتئاب الجزئي، ويسبب اضطرابات شخصية في المستقبل حين لا يتم علاجه، ويتحولون لأطفال يفقدون الأمل بسرعة في الحياة، ويتوقعون الأسوأ دائما. ويخافون من الألفة، فالأطفال الذين يعيشون في أجواء أسرية باردة يجدون صعوبة كبيرة من الاقتراب من الناس، وهذا من الممكن أن يذهب معهم لسن البلوغ في وقت لاحق. فمفهوم العلاقة الحميمية بالنسبة لهم يصبح صعبا، ويخافون من الصدمة النفسية ما يعني بالنسبة لهم الإبقاء على مسافة تجنبا للأذى في المستقبل. وفي وقت لاحق يصبح مفهوم العلاقات لهم مغلقا، وفي وقت الجدال ينتهي بهم الأمر بتجنب الآخرين والهروب منهم، أو يبدون ردود فعل ذويهم نفسها.
فهذا كله يؤثر على الطريقة التي ينظر لها الطفل لأي نوع من الارتباط بشخص آخر، والنزاعات في المنزل تجعله يواجه صعوبات في بناء علاقات مع أقرانه، ولاحقا تغدو علاقاته خيالية أو صعبة التحقيق.
ففي الأسر غير السعيدة، من المرجح ألا يملك الأطفال أي سلطة لوقف ما كان يحدث لهم. لذا فقد يجد البالغون صعوبة في الحديث عن أمور لا يحبون أن يشعروا بها في شركائهم، ولا ينجحون في تأسيس حدود صحية.

جرعة «مُخدّرة» للمشاعر

يحاول هؤلاء الأطفال تخدير عواطفهم، يريدون غالبا البدء في القيام بأشياء لتجنب المشاعر السيئة، ومن هنا فإن الأوضاع الضاغطة في الأسرة يحتمل أن تطور لهم عادات غير صحية.
قد يتألف هذا السلوك من الإفراط في تناول الطعام أو الإفراط في استخدام ألعاب الفيديو أو محاولات أخرى للهروب من الواقع. ويمكن أن يظهر الأطفال مشاعر غير سارة أيضا. قد يفقدون الاهتمام بالمدرسة، ويتقاتلون مع أقرانهم، ويغضبون أثناء اللعب.
وقد يخافون من عواطفهم الخاصة، ومع أن الانتقاد والغضب لا يعنيان تلقائياً توقف الناس عن احترام بعضهم بعضا، بل قد يشكلون جزءاً من علاقة طبيعية. ولكن التكتيكات المدمرة بين الآباء، مثل: العدوان اللفظي، الصمت، والعصبية والتوتر جميعها من الممكن أن تجعل الأطفال يشعرون بأن التعبير عن مشاعرهم ليس استراتيجية آمنة. وقد يبدأ الأطفال في الاعتقاد بأن الغضب والنقد مصدر خطر بالغ. وبطبيعة الحال، سيستمر هؤلاء الآباء في تكرار سلوكهم السام في علاقاتهم كبالغين. وعادة ما يكون أداء الأطفال أفضل خارج بيئة سامة، حتى ولو انفصل آباؤهم عن ذويهم. في حين أن الذين يكبرون في منزل «مرهق» قد يلقون القلق والاكتئاب وغير ذلك من المشاكل، والأطفال الذين يحصل أباؤهم على الطلاق عادة ما يتكيفون بشكل جيد مع الوقت. في ظل تلك الظروف قد لا يكون الطلاق أمرا سيئا، حين يدرك البالغون أن أطفالهم سيعيشون حياة مريحة، وأكثر استقرارا نفسيا وصحيا، حتى أن الطفل لن يعاني مثل هذا القدر «الطلاق» الذي من دون أدنى شك له آثاره السلبية، ولكن الانفصال الصحي يبقى خيرا من علاقة مليئة بالألم والصراع لكل الأطراف.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024