ذاكرة مكان

«الموحدون».. مسجد تحت الأرض تحدى الاستعمار

في مدينة البَيَّض، وفي صحراء قاحلة، يوجد «مسجد الموحدين» المشيد تحت الأرض، الذي تبلغ مساحته 200 متر مربع وعلى عمق 6 أمتار، وهو المسجد الوحيد في الجزائر الذي اختير له أن يكون في مكان يفترض أنه مسكن الأموات، كما يذكر أهل هذه المدينة العريقة.
ولدخول المسجد، توجد بوابة صغيرة تقع فوق الأرض، ومنها ينزل المصلون على سلالم متقنة تم إنجازها خلال عمليات الحفر، فكثير ممن دخلوا المسجد اعتقدوا أن تشييد هذا المسجد كان لمهندس معماري، بسبب التناسق الغريب في كل جدرانه وأركانه، وحتى التطابق الموجود بين مساحة المسجد والأعمدة الأرضية التي تحمله.
لا عجب إن اكتشف زائر هذا المسجد أن بناءه تحت الأرض له قصة مشرفة في تاريخ الجزائر، بل قصة تروي كفاح شعب وإصراره على المحافظة على هويته الإسلامية والعربية التي حاول الاستعمار الفرنسي طمسها بكل الوسائل «غير المشروعة» التي استمرت 132 سنة.
البداية كانت سنة 1930، عندما قرر شيخ من هذه المدينة يسمى «الشيخ محمد بن بحوص» أن يحفر باطن الأرض ليتخذ منها «مسجدا سريا» بعد أن وصل الأمر بالاستعمار الفرنسي إلى منع الجزائريين من ممارسة شعائرهم الدينية ومن تعلم وحفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية، مستعملا قوة السلاح لمنعهم، بل لجأ حتى إلى تهديم بعضها أو تحويل أخرى إلى كنائس للمسيح ودير لليهود، فكان بناء هذا المسجد بمثابة التحدي الذي رفعه هذا الشيخ في وجه جبروت الاستعمار.
وما يؤكد أن هذا المسجد كان مصدرا لقوة سكان المنطقة، أنْه شهد خلال فترة الاستعمار الفرنسي تخرج 375 طالب حافظ للقرآن الكريم، والتحاق عدد كبير منهم بصفوف الثورة التحريرية الجزائرية المجيدة، كما كان وقتها مخبأ للمجاهدين الجزائريين.
ومن طريقة بنائه يتضح أن هذا الشيخ الفاضل كان مصمما على تشييد المسجد بأي شكل من الأشكال؛ حيث استعان بوسائل (يقول سكان المنطقة) إنها أقل ما يقال عنها «بدائية»، ومستعملا أيضا مواد البناء المعروفة في تلك الفترة بهذه المنطقة، وهي الوسائل التي ساعدته على نحت الصخور، إلى أن شكل بعد أشهر من الحفر مسجدا سقفه باطن الأرض ومتكئا على أعمدة صخرية.
الشيخ محمد بن بحوص، الذي خدع مكر الفرنسيين بفكرة تشييد مسجد تحت الأرض من منطلق اعتزازه وغيرته ودفاعه عن هوية الشعب الجزائري، وجد نفسه بعد 20 سنة يعاقَب بتهمة «جريمة إنشاء مسجد»، بعد أن تمكن الاحتلال الفرنسي سنة 1950 من اكتشاف مكان المسجد، حيث سارع قادة الاحتلال إلى اعتقال الشيخ بن بحوص ووضعه تحت الإقامة الجبرية، إلى أن وافته المنية عام اندلاع الثورة التحريرية الجزائرية في 1954.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024