في جلساتها الرمضانية بطقوسها الاجتماعية وموروثها الثقافي

عروس زكّار.. مشاهد للاستمتاع بالنفحات الروحانية

و.ي. أعرايبي

لم يتخل القاطنون بعروس زكار، مليانة، ولا زوارها الذين يترددون على مواقعها وجلساتها المسائية لملامسة مسحة الفرجة والتمتع بالنفحات الروحانية التي تصنعها طقوس ظلت عالقة بالضمير الجمعي والموروث الاجتماعي والثقافي لأبناء منطقة طالما استأنسوا بهذه التجليات الرمضانية التي تطبع تفاصيل حكاية مدينة أبت النسيان.                          
تتجلى تلك الجلسات في تنوّع مواقعها وتشكيلتهم الثقافية والاجتماعية والدينية بدرجة أقل يقول العارفون بهذا الهرم التاريخي الذي تعاقبت عليها عدة حضارات آخرها النسيج التركي الذي شكل بعض خصوصياته التي مازالت عالقة بالعائلات المليانية التي تشبعت من ملهم المقاومة الشعبية الأمير عبد القادر الذي اتخذ منها مربدا للحكم والمقاومة وصناعة الأسلحة وهو ما يكشفه مسار مصنعه ومتحف المدينة الذي يعتبر جلسة في الضمير الجمعي لسكان المنطقة خاصة في شهر رمضان المعظم أين يتحلق هؤلاء لساعات للوقوف على يومياتهم وانشغالاتهم يقول أحد المترددين على هذا الموقع التاريخي.
أما بخصوص الجلسة الروحانية التي تستمد طابع الإجتماعي تكمن في الحلقات المتنوعة بمسجد الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف الشخصية الصوفية المدفونة بمليانة والتي صار مقامها من أهم المواقع والمعالم التي تعرف بها مليانة، فالطابع المعماري وقيمته ونافورة مسجده بحوضها الرخامي وضريح وليها الصالح أصبحت مقصدا خاصة هذه الأيام من أبناء المنطقة والزوار الذين تأخذها التهليلات والتمتع بسماع آيات الذكر الحكيم التي تنبعث من أسواره وركائزها ذات الطابع العمراني والهندسي المتميز، هي في يومياتهم الرمضانية ملهمة الهدوء والاطمئنان الروحي الذي يتلقفه زوار المكان خاصة في الحفلات الدينية المتميزة.
وغير بعيد عن هذه الأجواء التي يصنعها المليانيون ودأبوا على طقوسها تتجلى جلسة رمضانية لا تقل أهمية ومتعة من تلك التي يحتضنها متحف الأمير عبد القادر المتمثلة في جلسة مئذنة المسجد العتيق البطحاء والتي تعد من بقاياه كونها تعود إلى الفترة العثمانية التي لم تسلم من أيادي الاستعمار الفرنسي الذي دمرها وحولها إلى ساحة كنيسة، غير أن نور الاستقلال جعلها ساحة الأمير عبد القادر وهذا لقربها من دار الأمير.
اللقاءات العائلية وجلسة الأصدقاء فسحة أخرى تحت أضواء مريحة عادة ما تنغصها ضوضاء السيارات على اعتبارها محور دوران طالما تمنى أبناء المنطقة أن يكون موقعا وشارعا يمنع سير المركبات به، بالنظر إلى خصوصيته ورمزه الذي يشكل فضاء سياحيا تحت تنوّع هديل الحمام وزقزقة الطيور وسط أشجار الدّلب (البلاتان) الباسقة.
وغير بعيد عن رمزية البطحاء تأخذ ساحة علي عمار «علي لابوانت» الشخصية الثورية مجالا للبوح بأسرار المدينة التي لازالت تحتفظ بأثارها الرومانية، حيث ظلت هذه الأسوار درعا يحمي المدينة من ضربات الأعداء بحسب المنظور الروماني في القرون الوسطى.
 فالجلسات في فضائها وعليل هوائها يشعرك بالراحة والمتعة والهدوء الذي توزعه مناظر بطابع إسلامي ضمن التغيرات التي شكلت مخيال السكان عبر الجلسات المسائية والسهرات الرمضانية التي يطبعها الحضور العائلي خاصة في الحفلات الموسيقية للطرب الأندلسي والشعبي والحوزي الذي استوطن ذوق المليانيين.
 غير أن فضاءه يأخذ جلسة أخرى في الحديقة العمومية التي تمتد للعهد الروماني وما زالت باسقة بنبتاتها النادرة وأشجارها التي تحكي فترات تاريخية تروق العائلات المليانية وشيوخ المنطقة الاستئناس بها خاصة في حميميات شهر رمضان المعظم تحت أنظار أبوابها خاصة الغربي منها.     
هذه الطقوس الرمضانية التي تأبى النسيان، تظل من شخصية وخصوصية أبناء عروس زكار الأشم مليانة، نبع الحكاية وسر منطقة تأبى النسيان في زمن شهر الصيام.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024