ضربات قاصمة توجّهها لهم مصالح الأمن بوهران

مـروّجو الآفات والسّـمـوم..تحت الــسـّيطـرة

وهران: مسعودة براهمية

حرب ليست ككل الحروب، تستهدف العقول والأجساد، ولا تفرق بين كبير وصغير، أو رجل وامرأة، الكل سواء أمام مخططاتها الإجرامية وأهدافها المتعددة الأوجه والأبعاد، ما ينبغي أن يلفت أنظارنا أن التهديدات المتزايدة لهذه الآفة الفتاكة تتربص بالمنظومة الأخلاقية والقيم التربوية للمجتمع.

مسايرة للتّحوّلات العميقة في خصائص الجماعات الإجرامية، واستهدافها بشكل خاص فئة الشباب والمراهقين، رفعت أجهزة الأمن الجزائرية درجة التأهب إلى الحالة القصوى بمضاعفة الجهود والتنسيق المستمر لمواكبة التطورات السريعة والمتلاحقة في الأساليب والطرق المستحدثة للتهريب والاستعمال، والإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية.

سعودي:
تـفكيــك ورشـة لصــناعــة المهلـوسـت عـلى شكل حـلـويــات

 تمثّل مديرية الأمن الوطني لولاية وهران، نموذجا في مكافحة هذه الآفة الخطيرة، وتكللت جهودها بإحباط مخطط إجرامي خبيث، نسجت خيوطه شبكة عابرة للحدود في محاولة لإنتاج المؤثرات العقلية محليا، الجزء الأكبر منها كان موجها للأطفال المتمدرسين.
تعود حيثيات هذه العملية إلى أفريل الفارط؛ حيث تلقت مصالح أمن وهران معلومات مؤكّدة، قامت على إثرها عناصر فرقة مكافحة المخدرات التابعة إلى المصلحة الولائية للشرطة القضائية برصد باخرة قادمة من ألميريا، بالتنسيق العملياتي مع الجمارك ومؤسسة ميناء وهران، وبعد عملية تفتيش دقيقة للمركبة الهدف اتضح أنها تحمل 1كيلوغرام من الكوكايين و50 ألف قرص مخدر من نوع “إكستازي”.
كما تمّ في نفس العملية حجز 2 مليغرام من عقار “الإم دي إم آي” في شكله الكريستالي النقي، الذي يدخل في تركيبة مخدر “الإكستازي”، حيث كان موجها لورشة سرية لصناعة الحلويات بمغنية، حولها مالكها رفقة شريكه (مجرم هارب بفرنسا) إلى مصنع لإنتاج “الإكستازي”؛ أين تمّ توقيف المتهم الرئيسي بالموازاة مع حجز كمية من الكوكايين والآلات التي جهزها لبداية الإنتاج وترويج هذه السّموم مموهة في قوالب الحلوى بمختلف الأشكال والألوان، فيما تواصلت التحريات إلى غاية إلقاء القبض على أربعة آخرين متورطين في الجريمة.
وفي ضوء ذلك، أكّدت رئيسة خلية الاتصال والعلاقات العامة لأمن وهران، سلمى سعودي، أن “يقظة وحنكة رجال الأمن الوطني جنّبت الجزائر كارثة كانت ستحل بأبنائها لو دخل المصنع، المتواجد بمغنية، مرحلة الإنتاج الفعلي”.
وقالت سعودي في تصريح لـ “الشعب”، إنّها “واحدة من أهم القضايا المعالجة خلال هذه السنة، بل الأولى من نوعها وطنيا”، مشدّدة على أن المعارك مستمرة لإفشال كل المخططات والمكائد الخبيثة التي تهدد أمن الجزائر وسلامة أبنائها، مهما حاول الجناة توسيع النفوذ وتطوير الحيل وتجديد أساليب التمويه”.
وأشارت سعودي إلى حرص جهاز الأمن على الجانب التحسيسي والإعلامي، خاصة باعتماد الومضات الإشهارية التوعوية عبر التلفزيون، والمشاركة الفاعلة في تنشيط الحصص والحملات الإعلامية عبر الأثير الجهوي، ومنصات التواصل الاجتماعي، كوسائط قوية لنقل رسالتها لأكبر عدد من الفئات المستهدفة، الأكثر عرضة للإدمان.
وفي السياق ذاته، أعلنت المتحدثة عن تسجيل ارتفاع قياسي في المحجوزات من المؤثرات العقلية، بما يعكس الجهود الجبارة لدحض كل أنواع الجريمة، وخاصة الجرائم الحضرية التي خصص مخطط بالتعاون مع كافة المصالح العملياتية من حيث المعلومة والاستنجاد بكاميرات الأمن الوطني، إضافة إلى جهود بقية الأسلاك الأمنية الأخرى.

المهلوسات تتصدّر المحجوزات

بلغة الأرقام، كشفت ضابط الشرطة الرئيسي، سلمى سعودي عن حجز 346639 قرص من المؤثرات العقلية و65.940 كيلوغرام من الكيف، و1.541 غرام من الكوكايين و84 غراما من الماريخوانا و02 كيلوغرام من مسحوق الإكستازي، خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية”.
كما أشارت إلى “إنجاز 1301 قضية من أصل 1302 مسجلة في ميادين مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، أي ما يعادل نسبة 99.92 بالمائة، تورط فيها 1659 متهم، صدر في حق 414 منهم أمر إيداع، ووضع 18 آخرين تحت الرقابة القضائية، ووجه لـ 136 شخص الاستدعاء المباشر، فيما استفاد البقية من الإفراج المؤقت”.
وتشير حصيلة السنة المنصرمة إلى تسجيل 2252 قضية، عولجت بنسبة 99.66 بالمائة، تم على إثرها توقيف 3323 متورط؛ حيث تم إيداع 1061 متهم الحبس الاحتياطي، فيما خضع 36 شخصا للرقابة القضائية، واستفاد 152 متهم من إفراج موقت، ووجهت استدعاءات مباشرة لـ 362 آخرين.
وخلال نفس السنة 2022، تم ضبط وحجز 20404 قرص من المؤثرات العقلية، 262355 كيلوغرام من الكيف، 2.190 غرام من الكوكايين، 0.1 غرام من الهيروين، 342.25 غرام من الماريخوانا و706.6 كيلوغرام من مسحوق الإكستازي.

خطّة محكمة لردع الجريمة

تبين من خلال هذه الإحصائيات، المستقاة من نفس الجهة، تزايدا وارتفاعا في القضايا المرتبطة بالمخدرات المعالجة يوميا من طرف مصالح الأمن الوطني؛ إذ سجلت نفس المديرية قبل سنتين 1508 قضية، أنجزت منها 1505 قضية بنسبة قاربت 99.80 بالمائة.
وقد أسفرت هذه القضايا مجتمعة عن توقيف 1933 متهما، صدر أمر إيداع في حق 875 منهم، مع إخضاع 48 شخصا للرقابة القضائية، إلى جانب تسجيل 370 استدعاء مباشر و155 حالة إفراج مؤقت.
وقد سمحت تدخلات عناصر الأمن الوطني لولاية وهران خلال نفس السنة من حجز 130538 أقراص مهلوسة، 14466.73 كيلوغرام من الكيف المعالج، بالإضافة إلى 15.823 غرام من الكوكايين و0.4 غرام من الهيروين.
وانطلاقا من هذه المعطيات، أوضح مصدر أمني أن أكثر مواد التعاطي بوهران عقار “بريغابالين 300ملغ”، والمعروف تجاريا باسم “ليريكا”، يليه مخدر “الإكستازي”، والذي يطلق عليه العديد من الأسماء بخلاف “الحلوى” و«حبوب السعادة”، و«حبوب النشوة”.
وأشار إلى أنّ “البريغابالين”، الذي يستخدم طبيا كمضاد للصرع ومهدئ  للآلام، يصنف حاليا ضمن المواد الصيدلانية ذات التأثير العقلي”، مذكرا بأن “مشروع القانون الجزائري الجديد الخاص بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، سيعمل على سد الفراغ القانوني في هذا المجال من خلال إدراج هذا العقار ضمن المؤثرات العقلية، بعد تأكيد التقارير البحثية الحديثة أن إدمان البريغابالين، يسبب الهلوسة ويدفع المستهلك إلى ارتكاب أفعال لا إرادية، مثله مثل أقراص “الإكستازي”، التي تُصنّع أساسا من مواد ومستحضرات كيميائية خطيرة”.
ولا يتسع المقام هنا لذكر كافة جهود وإنجازات أمن ولاية وهران في مواجهة هذه الآفة الخطيرة، وتطويق آثارها ومآسيها على كافة المستويات، سواء الحيازة والاستهلاك أو الاتجار والتهريب، ولا يمكن أيضا ذكر التضحيات الجسام التي قدمتها مختلف المصالح الأمنية في هذه الحرب الضروس ضد المخدرات.

تــكـوك:
الأســرة..المـسـؤول الأول

من جانبه، علّق الأخصائي النفساني العيادي، التابع لمديرية الأمن الوطني لولاية وهران، تكوك سليمان، على الحملات الأمنية التحسيسية والردعية في مجال مكافحة المخدرات وإدمانها، بالقول إن “المشكلة ليست مهمة الدولة بوزاراتها ومؤسساتها وأجهزتها الحكومية فقط، وإنما هي مسؤولية المجتمع بأكمله، والمسؤولية الأولى، تقع على عاتق الأسرة”.
وأكد تكوك في تصريح لـ “الشعب”، أن “القضية لم تعد تجارية لتحقيق الأرباح المادية على طريقة المافيا التقليدية، وإنما تتعلق أكثر باستهداف مستقبل البلاد من خلال تدمير عقول الشباب والسيطرة على الأجيال القادمة، باعتبارها الركيزة الأساسية والعمود الفقري لبلدانها”.
واعتبر المتحدث ذاته أنّ “ظاهرة تعاطي الأطفال للمخدرات، من المشكلات الأسرية والاجتماعية، التي قد تكون تكيّفا سلبيا ناجما عن حاجات غير مشبعة لدى الفرد كعضو في الأسرة أو مجموعة أفراد أو الأسرة ككل أو للمجتمع”.
وأوضح محدّثنا أنّ “اضطرابات الوسط الأسري والمناخ الاجتماعي غير السليم، يمكن أن يؤدي إلى اختلال التوازن النفسي، وكلما زادت شدة هذا الاختلال نتيجة الضغوط النفسية والاجتماعية، زادت إمكانية الوقوع في فخ المخدرات”، وأشار إلى أن “التربية السليمة تحمي من مختلف الأخطار في المستقبل، أما السلوكيات السلبية وأساليب التربية الخاطئة، فقد تدمر شخصية الطفل وتجعله أكثر عرضة للآفات الإجتماعية والأمراض النفسية والعقلية في مختلف المراحل العمرية”، كما شدّد على “أهمية العلاقة الصحيحة بين الوالدين والطفل، من جهة، والتكامل بين الأب والأم في تنمية شخصية الطفل، من جهة أخرى، مع وجوب تشجيع الحوار وحسن الاستماع والإنصات، بما يساعد على تنمية الثقة بالنفس وتقوية مهاراته على التفاعل الاجتماعي الإيجابي”.
وركّز الأخصائي العيادي على الأم كأهم عناصر العائلة المؤثر في الترﺑﻴﺔ الاسرﻳـﺔ، لكونها المدرسة الأولى في حياة الطفل، وأسمى من جميع الارتباطات الاجتماعية الأخرى، إلا أنّ التحديات تتضاعف بالنسبة للمرأة التي تقرّر أن تخوض غمار الحياة المهنية، كما قال.
واستطرد تكوك قائلا إنّ “العمل حق مكفول للجنسين بلا استثناء، إنما من الضروري على المرأة العاملة أن تراعي طبيعتها كأنثى ودورها كأم وكزوجة”، معتبرا أن “هذه النقاط الثلاثة، شروط أساسية لتحقيق التوازن بين العمل وسلامتها النفسية والجسدية وبين الحياة المنزلية والعلاقات المختلفة”، وحذّر - في السياق - من مخاطر “الإهمال” أو “غياب الرقابة الأسرية”، خاصة الرقابة الأبوية، ممّا يجعل الطفل عرضة لأقبح العادات وأحط أنواع السلوك والعادات، منبّها أيضا إلى ظاهرة “التناقضات التربوية” كأن يكون الأب مدخنا ويمنع ابنه من التدخين.
وفي الختام، أوصى الأخصائي النفساني العيادي، تكوك سليمان، بالتربية الإسلامية من خلال تنمية الوازع الديني وترسيخ العقيدة السليمة، كأنجع وأنجح وسيلة تربوية لتنوير العقول وتبصير الأفكار واستقامة السلوك والأخلاق، وفق تعبيره.

الكل مجنّد

تبقى المديرية الولائية للأمن الوطني بوهران مجندة بكل مصالحها ووحداتها العملياتية للتصدي لآفة المخدرات، بدءا من الجريمة الصغرى عبر إقليم اختصاص الأمن الحضري إلى محاربة الإتجار الدولي والجماعات الاجرامية الكبرى من خلال فرقة قمع الإجرام، وفرقة الاتجار غير الشرعي بالمخدرات والمؤثرات العقلية، وفرقة البحث والتدخل في القضايا الكبرى، وغيرها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024