في ندوة إصلاح ذات البين بـ “زاوية بلعيساوي”

تأسيس مجالس محلية تتولّى مهمّة الصّلح

رابح سلطاني

شكّل موضوع إصلاح ذات البين والصلح في المجتمع الجزائري في ظل التطورات الراهنة في العالم، وانعكاساتها على تماسك المجتمع الجزائري بشكل عام، والأسرة بشكل خاص، محور الندوة الوطنية التي احتضنتها زاوية الشيخ بلعيساوي، برأس الوادي، بحضور مشايخ وعلماء قدموا من 10 ولايات، وحظيت باهتمام العديد من الأئمة والمثقفين بولاية برج بوعريريج، تطرّقوا خلالها إلى نقاشات معرفية حول الآيات والسبل، الكفيلة بالمحافظة على هذا الرابط المقدس بين الهوية الإسلامية والمجتمع الجزائري، وحمايته من الهجمات العالمية التي تستهدف هذا الرباط الوثيق المقدس.

 الندوة العلمية التي انطلقت أول أمس، بزاوية “بلعيساوي” برأس الوادي، في طبعتها الأولى وطنيا، واختيرت ولاية برج بوعريريج، بحسب القائمين على الندوة، لموقعها المتميز، وزخمها الثّقافي الإسلامي، الذي يعج بعدد هائل من حفظة كتاب الله والزوايا التي تشتهر بها هذه المنطقة، حيث عرفت الندوة مشاركة عديد الباحثين والأكاديميين، على غرار مؤطر الندوة الدكتور “السعيد بويزري”.
والباحث الأكاديمي الدكتور “محفوظ بن صغير”، والشيخ “عبد الله بلعيساوي” شيخ زاوية “بلعيساوي” ببلدية رأس الوادي، الذي عبّر بدوره عن نجاح اللقاء العملي عبر التقاء العلماء بطلبتهم ومشايخهم، الذين جاءوا من عشر ولايات وطنية، وهذا أحد الأهداف المرجوة من اللقاء.
كما أنّ اللقاء يندرج في إطار تفعيل العملية التحسيسية التي تسعى الزاوية إلى تكريسها، عبر هذه اللقاءات بالنظر إلى التنامي الكبير للظواهر الاجتماعية والآفات المشينة الناجمة عن القطيعة بين العائلات والطلاق وغيرها من الآفات، التي هي في الحقيقة وليدة مشاكل وخلافات واقعة في المجتمع كون أنّ الأمر جلل وعظيم، الشيء الذي فرض علينا ضرورة تحسيس المواطنين في هذا الشأن، وذلك مصداقا لقوله تعالى: “والصلح خير”، وكذلك لقوله تعالى “لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس”، مضيفا أنهم يسعون إلى استخلاص دروس وعبر نستفيد منها مستقبلا.
في ذات السياق، أكّد الباحث والدكتور في الشريعة والقانون “السعيد بويزري” أنّ هذه الندوة العملية، ترتكز في أساسها على ثلاث محاور مهمة، منها أنها تندرج في إطار تعزيز البرامج التكوينية الخاصة بتأطير العاملين في مجال الصلح والوساطة القضائية على مستوى الوطني، من خلال برنامج تكويني يخضع لمستجدات دورية، عبر هكذا ندوات وخرجات.
إلى جانب أنّ الندوة تأتي بحسبه من أجل إبراز واكتشاف في نفس الوقت، مختلف الطاقات التي افرزها المجتمع في مجال إصلاح ذات البين والصلح، مع تكريس البعد التكويني المستمر من الناحية الشرعية والقانونية، الذي هو غاية منشودة نسعى إلى تكريسها من خلال ضمان الفاعلية في هذا المجال الحيوي للتعاون بين رجال الصلح من جهة، وبين مؤسسات القضاء، فالعلاقة بين الجميع علاقة تكاملية تقضي منا التمكن من هذه الآليات والميكانيزمات.

الحصن المنيع في وجه حملات التّغريب

 من جهته، أعرب مدير المركز الإسلامي بولاية ميلة “بشير سيد علي”، في حديثة لـ “الشعب”، إلى حاجة الأمة لمثل هذه المتلقيات والندوات بالنظر للصراع الإيديولوجي والفكري، الذي يشهده العالم اليوم والذي يلقى بتبعاته مباشرة على المجتمع وخاصة الشباب، من خلال ما نشاهده في مواقع التواصل الاجتماعي، تشكك في ثوابت الأمة وحتى عقيدتها.
وهو ما يفرض علينا نحن كعلماء وباحثين، أن نسعى إلى تحصين هؤلاء الشباب والميكانيزمات وآليات جديدة تكون بمثابة الحصن المنيع في وجه الأعاصير والهجومات التي تشنها المراكز العالمية ممثلة بالحملات التغريبية ضد الثقافة المحلية، تستهدف هويتنا الدينية الإسلامية.
بالأخص الهجمات التي تقع على مقومات المعلومة الدينية كالبخاري ومسلم، وعلى الموروث الإسلامي بشكل عام دون النظر لاعتبارات هؤلاء الذين أفنوا أعمارهم في حماية بيضة الإسلام وحماية الدين من التشكيك، التي تشهدها الأمة الإسلامية قاطبة، لاسيما ونحن أمام سرعة الإعلام وتدفق هائل للمعلومة تأتينا من مختلف الجهات، ووسائل التواصل الاجتماعي التي فرضت نوعا جديدا من الإعلام الحر يتميز بحرية غير مقيدة.
هذه الاعتبارات تفرض علينا على تعبير مدير المركز الثقافي الإسلامي، علينا التواجد بقوة أكثر من أي وقت مضى، وإثبات الوجود على الساحة وعدم تركها للغير، ومنها جاءت هذه الندوة التي تصب في نفس المنوال والأهداف، عبر إحداث نوع من التلاحق العلمي بين الجيل الماضي والحاضر في إطار منهج وسطي نابع من تعاليم ديننا الحنيف، الرابط الأساسي بين الأمة والهوية الجزائرية منذ آلاف السنين.
هذا ودعا، مؤطّر الندوة محفوظ بن صغير، على هامش الندوة ، إلى ضرورة السعي إلى ترسيخ ثقافة التسامح وإصلاح ذات البين بين أفراد المجتمع، من أجل الوصول إلى الأهداف المسطرة عبر هكذا خرجات وندوات، قصد تحقيق التكافل والتضامن الاجتماعيين بين مختلف مكونات المجتمع الجزائري، والتطلع إلى تأسيس مجالس ولائية وبلدية تتولى مهمة الصلح المأمور به شرعا، داعيا إلى ضرورة انخراط الجميع في هذا المسعى الشريف، من خلال الالتزام بتعليمات الجماعة، لوضع حد لتلك الخصومات والنزاعات الأسرية والتي كثيرا منها ما يتعلق بوسائل الميراث والوقف والخصومات التي تأتي بسبب ذلك.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024