عرفت الجزائر منذ فترة تغييرات مناخية، أفضت إلى تغير مستويات درجة الحرارة التي شهدت ارتفاعا قياسيا وغير مسبوق مقارنة بالحرارة التي عادة ما يشهدها فصل الصيف في كل سنة، حيث وصلت إلى أكثر من 50 درجة تحت الظل، خاصة بمناطق الجنوب، ما جعل يوميات وعادات العديد من الجزائريين خلال نفس الفترة تتغير بشكل محسوس..
فرضت درجات الحرارة القياسية، حظر تجوال في أغلب ساعات النهار على العائلات، خاصة كبار السن، الأطفال والنساء، وأجبرتهم على البقاء في المنزل، وبقي الموظفون والعمال يصارعون لفحات الشمس الملتهبة، فيما اختار بعض الجزائريين الهروب نحو القرى والمداشر بحثا عن نسيم عليل خاصة في الجبال، لكن لا مكان للنسائم في مثل هذه الظروف، فالحرّ يفرض فروضه في كل مكان عبر معظم ولايات الوطن.. ما يضطر العديد من الناس إلى تغيير سلوكهم في يومياتهم، في قضاء عطلتهم الصيفية بقصد تجنب موجة الحرارة العالية، فالأصل ما جاء في المثل الجزائري الشهير.. “ضربة بالسيف ولا ضربة الصيف”..
التقليل من التنقل والإكثار من الماء
حذّرت وزارة الصحة منذ بداية موجة الحرارة غير العادية، مطلع شهر جويلية من “الخطر الأصفر”، وأسدت بعض النصائح للتعامل مع ارتفاع درجات الحرارة خلال الفترة المقبلة، خاصة وأنها قد تؤثر على صحة المواطنين، ما فرض أخذ الاحتياطات والتدابير اللازمة لمواجهة هذه الموجة الساخنة، على غرار التقليل من التنقل إلا للضرورة والإكثار من شرب الماء والبقاء في المنزل قدر الممكن، مع إغلاق الستائر في الغرف التي تواجه أشعة الشمس للحفاظ على برودة الغرف، كما تمّ استخدام ألبسة رقيقة وقطنية مع تجنب الألبسة التي تجذب الحرارة، وغيرها من الاحتياطات التي أجبر الجزائريون على اتخاذها للتعايش مع المستويات العليا للحرارة.
وفي مثل هذا الطقس الحار، بات الاهتمام بكبار السن أكبر هاجس لدى العائلات الجزائرية، خاصة وهي من بين الفئات الأكثر ضعفا والأكثر عرضة لخطر التعرض لتأثيرات التغيرات في درجة الحرارة، حيث عملت كثير من العائلات على منع خروج كبار السن للشارع والحرص على بقائهم في المنازل، مع شرب كميات كافية من الماء لتجنب جفاف الجسم، فيما تمّ نقل البعض من هذه الفئة إلى الاستعجالات الطبية، نتيجة ارتفاع ضغط الدم أو الإعياء مصحوبا بالضعف. حسب ما وقفت عليه “الشعب” في كثير من الحالات.
إلى ذلك، اتخذت مجمل العائلات الجزائرية احتياطات تخصّ الأطفال، حيث منعتهم من الخروج من المنزل، خاصة خلال الفترة الممتدة بين العاشرة صباحا إلى غاية الخامسة مساء، لتجنب التعرض لضربة شمس محتملة، كما عملت كثير من الأمهات على إجبار الأطفال على الاستحمام مرتين في اليوم، لتبريد أجسادهم الضعيفة وأخذ كمية لابأس منها من النوم والراحة تجنبا للإعياء.
الفرار إلى العطلة السنوية!!
وجد كثيرون أن العمل أثناء الجو “الملتهب”، بدون تكييف أمر صعب، لذلك اضطر كثير من العاملين للخروج في عطلة مرضية أو سنوية مسبقة هروبا من لفحات الشمس الحارقة، بينما بات من المستحيلات العمل لدى البعض في ورشات البناء، وتأجيل العمل لغاية مرور الموجة الحرارية التي تضرب العالم أجمع.
كما سجّلت بعض التسممات الغذائية لدى كثير من مرتادي محلات الأكل السريع، أو تسممات مجهولة المصدر، لذلك فضّل بعض الموظفين عدم مغادرة المكتب، بل آثروا البقاء في التكييف دون التنقل خارجا أثناء فترة استراحة الغذاء، بينما جلب آخرون ما يسد الرمق من المنزل خوفا من فساد الأطعمة بفعل الحرارة المرتفعة، والتي صاحبتها انقطاعات في التيار الكهربائي، حيث بلغت الذروة التاريخية في استهلاك الطاقة الكهربائية لأكثر من ثلاث مرات منذ بداية موجة الحرارة، وكانت آخرها تلك التي سجلت يوم 18 جويلية الجاري، حيث قدرت بـ18476 ميغاواط متعدية الذروة المسجلة يوم 11 جويلية 2023، والتي بلغت 377.18 ميغاواط. والذروة الأولى المسجلة يوم 09 جويلية 2023 والتي قدرت بـ 17.508 ميغاواط.
بالمقابل، فضّل كثير من أصحاب محلات الألبسة الذين اعتادوا تنزيل الستائر في مع حلول المساء، الاستمرار في عملية البيع والشراء لأوقات متأخرة من الليل، حيث بات كثير من الجزائريين يفضلون التسوق ليلا نظرا لعدم قدرتهم على المشي مطولا أثناء فترة النهار، فيما امتلأت الفضاءات الترفيهية ليلا بمرتاديها، على غرار متنزه الصابلات بالعاصمة، حيث ضج المكان بالعائلات هروبا من ضغط المنزل طوال النهار، وبحثا عن متنفس لهم خلال هذه العطلة الصيفية.
وفي انتظار زوال هذه الموجة الحرارية القياسية، يتأقلم الجزائريون تدريجيا مع هذا الوضع، مبدين مخاوف من استمرارها، خاصة ونحن على مشارف دخول شهر أوت المعروف بحرارته المرتفعة مدعوما بأيام “الصمايم”.
