قرية العُبّاد..

بهجة السّياحة في لؤلؤة الغرب الجزائري

 تزخر مدينة تلمسان بكم هائل من المساجد والآثار العريقة التي تروي التاريخ العربي والإسلامي للبلاد، ولا تكتمل زيارة المدينة التاريخية دون التنقل والتجول في قرية “العُبّاد”.
ولا مبالغة في القول إنّ زائر هذه المدينة يكتشف في كل زيارة جديدة تراثها وتاريخها وعراقتها، التي تنطق بها جدران المساجد والآثار القديمة، وحتى الطرق والأزقة الضيقة التي يعود تاريخها إلى مئات السنين.
حقيقة وقفنا عندها ونحن نتجوّل في قرية “العُبّاد” بمدينة تلمسان، حيث ينطق فيها كل شيء بحقبة مهمة في تاريخ الجزائر، والمتعلقة بالتاريخ الإسلامي الذي كانت تلمسان إحدى دعائمه.
و«العُبّاد” هي قرية عريقة تشبه المدن الإسلامية القديمة، تتميّز بأزقتها الضيقة العتيقة، وهي اليوم من بين الأحياء الشعبية في تلمسان التي تستقطب سنوياً آلاف السياح من داخل الجزائر وخارجها.
تضم القرية أو المدينة التاريخية “العُبّاد” في تلمسان عدداً كبيراً من الآثار المهمة، لعل أبرزها وأكثرها استقطاباً للسياح ضريح الولي الصالح والعالم الجليل “سيدي بومدين”، المعروف باسم “سيدي العبّاد” (القرن الـ 12 ميلادي) ومسجده أيضا، ومدرسة قرآنية عريقة.

مدرسة “سيدي العباد”..هنا درّس ابن خلدون

«العُبّاد” قرية تقع على هضبة عالية، ومن خلال مدرستها القرآنية يعرف الزائر إليها سبب تسميتها بذلك الاسم “العُبّاد”، حيث كانت تلك الهضبة مكاناً خاصاً يقصده الشباب منذ ما قبل القرن 12 ميلادي، “لاعتزال الدنيا والاعتكاف والتعبد وحفظ القرآن الكريم والتفرغ للعلم”.
ولأنّ المنطقة كانت مقصداً لذلك، شيّد السلطان الماريني “أبو الحسن الماريني” مدرسة “العُبّاد” عام 747 هجري الموافق لـ 1147 ميلادي، فوق ربوة صغيرة يصعد الزائر إليها بـ 15 درجة، وتبعد المدرسة بنحو 7 أمتار فقط عن مسجد “سيدي بومدين”.
وتعد المدرسة من بين سلسلة من المدارس التي شيّدها المرينيون عند حكمهم لغرب الجزائر، وتسمى أيضا بـ “المدرسة الخلدونية”، ذلك أن العالم عبد الرحمن بن خلدون درّس بها مختلف العلوم بعد تأسيسها.
للمدرسة باب واحد، وعند الدخول إليها يجد زائرها صحناً مستطيلاً، يوجد على جانبيه الأيمن والأيسر رواقان، وفي جدار كل منهما توجد غرف مربعة الشكل التي كانت تأوي الطلبة، ولكل غرفة باب مقوس تعلوه نافذة صغيرة، كما يوجد محراب مفتوح في جدار القبلة، له زخرفة من الجبس، ويتكون من إفريز جبسي على شكل المضلع الثماني.
هدّم الاستعمار الفرنسي جزءا من المدرسة متحجّجاً بتوسيع شبكة الطرق، غير أنه وبعد استقلال الجزائر عام 1962، قامت السلطات بترميمها وتحويلها إلى متحف تابع لوزارة الثقافة الجزائرية.

ضريح سيدي العُبّاد

 يسمّى ضريح “سيدي العُبّاد” أو ضريح “سيدي بومدين”، ويعد من أكثر المزارات للسياح والباحثين من كل أصقاع العالم، حيث أكد سكان القرية أن الزيارات لم تنقطع يوماً عنه.
وخلال جولة في المنطقة، رصدنا التوافد الكبير لعائلات مدينة تلمسان والمدن مجاورة لها، والذين يقصدون الضريح حاملين معهم بعض الأكلات التقليدية لتقديمها “على روح الولي الصالح” كما يقولون، و«يتبرّكون بالدّعاء” أمام الضريح حسب رأيهم.

الأصل التّاريخي..

 بالعودة إلى أصل الضريح، فقد ذكر سكان مدينة تلمسان أن الاسم الكامل للولي الصالح هو “سيدي أبو مدين الحسين الأنصاري” وهو أندلسي الأصل، ولد عام 1126 ميلادي، من عائلة إشبيلية ثرية، ولأنه كان أصغر أشقائه، فقد أسندوا له مهمة رعي الغنم، ومن تلك المراعي “ارتبطت روح الولي الصالح بعظمة الخالق والتأمل في مخلوقاته” كما ذكر سكان المدينة، وكانت فرصة له لحفظ القرآن الكريم.
أدى “سيدي بومدين” مناسك الحج وهو في 21 من عمره، وذكرت دراسات تاريخية أنه تنقل إلى تونس ثم إلى مصر، والتقى خلالها “صلاح الدين الأيوبي” وشارك في معركة تحرير القدس من الصليبيين، بعد عودته، استقر في محافظة بجاية لمدة 25 عاماً، وأسهم في نشر التصوف في الجزائر وتونس، واشتهر حينها بـ “شيخ المشايخ”.
تدهورت صحة “سيدي بومدين” فأبلغ رفاقه بضرورة نقله إلى “قرية العبّاد” لما له من ذكريات جميلة فيها، وجاء في مراجع تاريخية أنه بمجرد وصوله إلى القرية اشتد به المرض، فقال لرفاقه: “ما أصلحه للرقاد”، وكانت آخر كلماته “الله الحق”، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة في 13 نوفمبر 1179 ميلادي، وفي عام 1200 ميلادي أمر السلطان المريني “الناصر” ببناء ضريح له.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024