ننضج عندما نتوقف عن انتظار أن يحقق الآخرون أحلامنا

”سقف التوقعات”.. تحدّ النفس لبلوغ الأفضل

عند الحديث عن “سقف التوقعات” دائماً ما تتوجّه أنظارنا خارج أنفسنا، فنركز على ما ننتظره من الآخر، والخيبات التي خلفها انتظارنا لوعودٍ لم تأتِ، لكن ماذا لو كان لهذا السقف بُعد آخر هو الأهم، يمتد داخلنا، تعززه ثقتنا بما يمكننا فعله في كل مرة نتحدى فيها أنفسنا، ونتمكن من رفع هذا السقف ولو قليلاً؟
«أفضل وقت هو الآن، وليس غداً ولا حتى بعد قليل” هكذا اعتاد امين، موظف مبيعات، أن يتعامل مع المهام الطارئة في العمل، ومع كل مهمة يقوم بها في الحياة، فلا يستسلم لفكرة التأجيل التي تقيد الكثيرين في الحياة.
 ويقول: “ربما من المعتاد أن نرى الناس يقومون بتأجيل الأشياء التي عليهم القيام بها، خاصة المهام الطارئة، لأنهم اعتادوا على إمكانية التأجيل، فالدماغ يرغب دوماً بإغرائنا بهذه الراحة المخادعة برأيي، لأن التأجيل لن يؤدي إلاّ إلى المزيد من التراكمات والتراجع، وهذا مضر لنا على جميع الأصعدة، وأي شخص يريد التقدّم في أي مشروع في الحياة سواء كان شخصياً أم عملياً عليه أن يتيقظ أولاً إلى حيل الدماغ المخادعة، ويعتاد على الاستجابة الفورية لتنفيذ المهام”. ويضيف بأنه اكتسب هذه العادات من والدته التي لا تقبل أن تؤجل عملاً أياً كان.
وترى سيلين، أستاذة لغة عربية بالطور الثانوي: “أننا ننضج عندما نتوقف عن انتظار تحقيق أحلامنا من قبل الآخرين، عندما نتوقف عن انتظار كل شيء من الأهل لنبدأ بالاعتماد على أنفسنا، وتقول: “يمكننا أن ننظر للأمر من هذه الزاوية، نكون ناضجين عندما نتوقف عن رفع سقف توقعاتنا بالآخرين، وندرك أن علينا أن نرفع سقف توقعاتنا بأنفسنا، وألا نتوقف عند حد معين، هذا الإيمان وحده هو الذي سوف يبقينا بأمان وسلام مع ذواتنا، ويجعلنا نثق أن أحلامنا سوف تتحقق صغيرة كانت أم كبيرة”.
ويعتبر ارتفاع سقف التوقعات بين المتزوجين أحد أهم أسباب المشاكل بين الأزواج، خاصة الجدد، حسب ريمة، ربة بيت، وتقول: “من تجربتي الخاصة تعلمت أن أتنازل عن كل تلك الأحلام الرومانسية والتوقعات الكبيرة بعد الزواج، حالي كحال الكثيرين، فقد كانت بيننا الكثير من الأحلام والوعود بحياة مختلفة عن تلك التي يعيشها الآخرون، وحقيقة لست أدري لماذا يحلم الجميع بالاختلاف، علينا أن نكون مميزين على طريقتنا وحسب، دون التخلي عن المنطق، ودون المبالغة بتقييم قدراتنا النفسية والمادية أيضاً”.
يوضح محمد، خياط، أن الاعتماد على الآخرين دائماً ما يورث الخيبة، ويقول: “تعلمت هذا الدرس باكراً، حيث إن والدي كان دوماً طيباً يثق بالآخرين ويصدق وعودهم الكاذبة، واعتدت أن أراه يمنى بخيبات الأمل، ويضع نفسه في مواقف لا يحسد عليها بسبب تصديقه للناس واستغلالهم لطيبة قلبه، لم يجعلني هذا الدرس شخصاً حذراً وحسب، بل علمني أن أصدق نفسي أولاً، وألا أنتظر شيئاً من أحد، فقد تعلمت أن الآخرين ليسوا سيئين بالضرورة إذا نكثوا وعودهم، فالظروف تحكم الجميع، وللأسف نحن نعيش في مجتمع يحترف المجاملة والمبالغة أيضاً، لهذا أتجاهل الكلام بخصوص أية وعود وعروض تأتيني إلى أن تتحوّل إلى واقع، وأفضل أن أعتمد على المنطق الذي أراه أمامي وحسب”.
وتقول حميد، صاحبة محل لتحضير الأطباق الشعبية والتقليدية: “سافر زوجي وتركنا لظروف خاصة قبل سنوات على أمل أن نلتحق به في أقرب فرصة قبل أكثر من سنة، لكن الظروف تعسرت، ووجدت نفسي وحيدة هنا ولا فكرة لدي ماذا يمكنني أن أفعل، خاصة أنني لست موظفة، من هنا قرّرت أن أرفع سقف توقعاتي من نفسي مستندة إلى إيماني بالله وبقوله “لا يكلف الله نفساً إلا وسعها” تجاهلت الحزن ورثاء الذاتي ودخلت إلى المطبخ أعمل على تجهيز قائمة الأطباق الأكثر طلباً التي سوف أعمل عليها في المنطقة التي أقطنها، وحاولت أن أضع فيها كل مهارتي، حيث إنني شغوفة بالطبخ، وبالفعل وجدت الدعم والمساعدة من المجتمع المحيط، واستطعت أن أتغلب على هذه المحنة. وتضيف: “عندما أتأمل اليوم ما فعلته وما كنت عليه بالأمس لا أصدق أنني أمتلك كل هذه الإمكانات”.
تدريب منذ الصغر
لعلّ من أعظم نعم الحياة أن ترزق بأبناء يتجاوزون سقف التوقعات الذي وضعته لهم، حسب عبد الغني مرشدي، مدير مدرسة متقاعد، ويقول: “كل أب يمتلك بُعد نظر، يعرف أن عليه أن يحمل أبناءه المسؤوليات في سن مبكر، ليعتادوا مواجهة صعوبات الحياة، ويكونوا مستعدين لها، وهذا ما حاولت القيام به مع أبنائي، كنت أريدهم أقوياء ومجهزين علمياً ونفسياً لمواجهة ظروف الحياة المتقلبة، واليوم أشعر بكثير من الامتنان كل مرة أتأمل فيها ما استطاعوا تحقيقه، رغم صعوبة الظروف التي اضطرتهم للبدء من الصفر، وإعادة تكوين أنفسهم من جديد”.
وفي إطار علاقة الآباء بالأبناء، تخبرنا فيروز جلال، استاذة اجتماعيات بالطور المتوسط، عن علاقتها بوالدها الذي كان يحرص دوماً أن يكون فوق حدود التوقعات التي يضعها الآباء، فهو لم يكن يكتفي بأن يوصلها وأختها إلى الامتحان، بل كان يحرص على البقاء أمام الباب، منتظراً حتى انتهائهما، وهو لم يكن لطيفاً مع صديقاتهما وحسب، بل كان أباً للجميع يهتم ويستمع ويشارك، وتقول: “أبي كان محباً للناس ولعائلته أكثر من المعتاد، لأنه خُلق بقلب كبير يمتاز بقدرته الاستثنائية على الحب والعطاء مع كل من يعرفه، واستطاع أن يجسد هذا الحب بحكمة في حياته القصيرة، ليعلمنا أن العطاء متعة، وأن الإخلاص في العمل ومع الآخرين نعمة لنا قبل أن تكون عليهم”.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024