قصتي مع السرطان

ستتعافين وستتمتعين بحكاية قصتك للآخرين

«لا تكفي الموجات فوق الصوتية لاستبعاد الورم الخبيث ولا بد من أخذ خزعة” هكذا تبدأ قصة فاطمة المتعافية من مرض سرطان الثدي والتي تبلغ من العمر 33 عامًا قصتها عندما كشفت الخزعة عن وجود خلايا سرطانية في أبريل 2017.
تقول فاطمة: “شعرت لحظتها بالانهيار، كثيراً ما سمعت عبارة “أنا مريض سرطان” ولكنني لم أكن أدرك ما تعنيه هذه العبارة. إذا كنتِ تعتقدي أنك تعرفين ما معني “سرطان” لأنك سمعت عنه من قبل، فهذا يعني أنكِ لا تعرفي ما هي حقيقة السرطان، الأمر مختلف تماماً عما تعرفيه. لقد صدمني ما سمعته من الطبيب، نطقها على الفور، نطقها بنبرة تفتقر إلى أي نوع من الشفقة: “أنت مصابة بالسرطان”، لم يكن لدي تاريخ عائلي للإصابة بالسرطان، وطالما لا يوجد مصاب بعائلتك فأنتِ تستبعدين الأمر تماماً من مخيلتك، تظنين أن هذا الأمر يحدث للآخرين ولكنك بعيد عنه تماماً، ولذا عندما يحدث لك، تأتي المفاجأة أو بمعني أدق “الصدمة”.
لم أستطع تقبل التشخيص. دخلت في نوبة من البكاء كنت أبكي دون تفكير بسبب كل الأشياء التي نسمعها عن السرطان. كنت في حالة إنكار. تنقلت بين الأطباء وبين المراكز الطبية المختلفة لعلي أسمع تشخيصاً مختلفاً. ولكن دون جدوى.. ما دفعني في النهاية إلى تقبل الأمر وهنا وجدت أنه يتحتم على أن أتوكل على الله وأن استسلم لقضائه وأن أتحلى بالشجاعة أمام أسرتي وأمام أطفالي.
عندما تبدئين هذه الرحلة، تتساءلين، هل ثمة شخص آخر يمر بهذه الرحلة؟ تستهلين الأمر بالسؤال داخل دائرتك ومن ثم تأتيك الإجابة بقصص نجاح لسيدات مررن بنفس الظروف التي عشت بها واجتزن المرض بنجاح وتعافين منه، وكذلك أنت ستتعافين وتنجحين في هزيمته وستروي قصتك للآخرين.
ستجدين القوة في قصص الآخرين. وهذا ما أقوم به الآن إزاء مرضي السرطان لأنني أعلم كم هو موقف عصيب ولكن عندما تجدين أن هناك أمل أو أن هناك نور في نهاية الطريق، تختلف رؤيتك للأمور تماماً.
 أعلم أنك على يقين بأن الأمور لن تسير بسهولة. حالما تجدين نفسك تتحولين من شخص يمارس حياته بأريحية إلى شخص يتنقل بين المستشفيات وقضاء جميع أيامه في أرجائها. يا له من موقف عصيب؛ فنادرًا ما كنت أذهب إلى المستشفى ولكني الآن مضطرة إلى الذهاب حينا بعد حين؛ ما بين مسح إشعاعي وعلاج كيميائي وفي أثناء العلاج الكيميائي يجب أن تكوني على درجة عالية من الحرص وأن تتمتعي بالقوة لتمر هذه المرحلة بهدوءٍ وسلامٍ.
العائلة.. السند
رسالتي إلى كل سيدة تمر بهذه المحنة هي العثور على شخص يمكنها الوثوق به، شخص يمنحك القوة اللازمة للاستمرار.
بالنسبة لي، كانت عائلتي مصدر قوتي. فبدون دعم عائلتي لكان من المستحيل اجتياز هذه المرحلة الحرجة. كان زوجي سندي ومصدر قوتي، ثم عائلتي التي قدمت من فرنسا خصيصاً لمساندتي والوقوف إلى جانبي ـ كان الجميع بجانبي أمي وأبي وجميع أخواتي وإخوتي لم يتركوني نهائياً. فهم من تولى أمر إعداد الطعام والاهتمام ببرنامجي الغذائيّ.
لا تنظري إلى السرطان كإنذار بالموت؛ ما عليك سوى تنفيذ ما يطلبه منك الطبيب، ابحثي عن طبيب تشعرين معه بالارتياح، طبيب تثقي بما يصفه لك من علاج، حاولي دائمًا أن تكون قوية لمصلحتك أولا ولأبنائك ثانياً ولعائلتك أخيرًا.
عندما اقترح طبيبي خطة العلاج لأول مرة، رفضت العلاج الكيميائي، لكنه قال عليك القيام بذلك لأنك ما زلت في سن الشباب وأن السرطان يتصف بالشراسة والهجوم ولذا عليك اجراء الجراحة ثم الخضوع للعلاج الكيميائي والإشعاعي. وافقت على ما تلقيته من تعليمات، ولكني رفضت العلاج الكيميائي ومن ثم دخل الطبيب في نوبة من الضحك وقال لي إذا كنت ابنتي، فلن أتوانى عن إقناعك بإجراء العلاج الكيميائي لأنه يضمن لك نسبة عالية من الشفاء ويمنحك فرصة الحياة لفترة أطول وقدم لي إحصاءات تتعلق بنوع ومرحلة سرطان مشابهة لما أمر به وعندئذ وافقت ونفذت كل تعليمات الطبيب.
نهاية النفق
 لم يكن الأمر سهلاً، ففي كل مرة تأتي الممرضة لإعطائي العلاج الكيميائي، كنت أبكي لما أشعر به من يأس ولكنها داومت على إعطائي الأمل. كانت تقول إنها تتعامل مع مرضى سرطان طوال الوقت وأنني سأتغلب على المرض وسأحظى بشفاءٍ تامٍ.
في السنة الأولى بعد الانتهاء من الجراحة، والعلاج الكيميائي والإشعاعي - وكل هذه المتاهات الجديدة، يبدأ الجسم التعوّد عليها. ما أدركته أثناء مرضي، أنه في ذروة الاحساس بالمرض، تشعرين وكأنك حياتك القادمة كلها ستمضي على نفس المنوال - ولذا تشعرين بالخوف والرهبة لما تخضعين له من علاج كيميائي وإشعاعي ولكن بعدما تنتهين من هذه المرحلة، تأتيك مرحلة جديدة.. مرحلة انتقالية.. وهذا ما انتابني، وينتاب كل مرضى السرطان، وهو أن تجدي نفسك من جديد وأن ترجعي لحياتك السابقة.. لكنه أمراَ صعباً شاقاً - لأن جسمك في الفترة الماضية قاوم وحارب كل الأشياء الجديدة التي حدثت له.. وتبدئين حينها في البحث عن نفسك وتقولين لنفسك لا بد أن أرجع لحياتي..
ما كنت عليه من قبل ـ يجب أن أجد مكاناً مريحاً لي ولكن الأمر ليس بهذه السهولة فقد يستغرق سنة أو سنتين وعندما تصلين إلى هذا المكان، تجدي أن الله وهبك حياة من جديد. تجدين الضوء في نهاية النفق المظلم، تجدين ضوء الشمس بازغاً بعد ليلٍ دامسٍ. تشعرين بأنك أحسن من ذي قبل.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024