واكبت نمط استهلاك المجتمع وتغّلبت على المطبخ العصري

أطباق تقـليـدية جزائريـة.. الطـريـق إلى الـعـالمـية

البليدة: أحمد حفاف

أجمعت متخصّصات في الطبخ بأن الأطباق الجزائرية التقليدية بدأت تستعيد مكانتها بشكل يجعلها تنهي موضة الطبخ العصري، وهذا تماشيا مع تغيّر نمط استهلاك الجزائريين بالبحث عن كلّ ما هو صحي وخال من المكوّنات والشوائب الكيميائية.

أبرزت “الشاف” فهيمة فقير بأنّها تٌدرس الطبخ الجزائري في المدارس، وتأمل في أن تولي الفنادق والمطاعم الفاخرة أهمية بالغة للأطباق التقليدية بتحضيرها وتقديمها للأجانب، فهذه الأطباق تعكس المجتمع الجزائري الأصيل، وثمّنت تنظيم مسابقة الطبخ التي جرت بغرفة الحرف والصناعة التقليدية لولاية البليدة احتفاء بالعيد الوطني لرأس السنة الأمازيغية الجديدة، والتي تسمح بحسب تعبيرها بالترويج للموروث الجزائري ونقله من جيل إلى جيل.
قالت المتحدّثة أنّ الطبخ متنوّع في ولاية البليدة، حيث يتميّز في تحضير الأطباق باستعمال الأعشاب المنتشرة على ضفاف جبال الأطلس البليدي، مشيرة إلى أنّ العائلات البليدية مازالت متمسّكة بتحضير بعض الأطباق، والدليل أنّها مازالت تقوم بتحضير الزيتون بطريقة تقليدية، ومسحوق الفلفل المعروف بـ “الدرسة”.
 لعلّ ما يُميز البليدة عن غيرها من الولايات هو تحضير طبق الكسكسي المعروف باسم “الحمامة” والذي يُحضر بمزج أكثر من 100 عشبة يتم قطفها في فصل الربيع مثل الحلحال، الزعتر، أوراق التوت، العرعار وغيرها، حيث وصفت فهيمة فقير هذا الطبق على أنّه أكلة صحية بل تلقيحا سنويا ضدّ الأمراض بالنظر إلى مكوّناته من النباتات الطبية التي تستخلص منها بعض الزيوت المفيدة لصحة الإنسان على حدّ قولها.
وعن هذا الطبق قالت: “صحيح أنّ الكسكسي مصنّف عالميا لكن طبق “الحمامة” يختلف عن الكسكسي العادي ونسعى للترويج له لتصنيفه، فهو طبق معروف فقط في البليدة. لقد تناوله عندي أجانب من إيطاليا وألمانيا وإسبانيا واستغربوا لعدم تصنيفه.”
 ويعتبر طبق “بطاطا فليو” الذي يُحضّر بنبتة “الفليو” من بين الأطباق التي تشتهر بها البليدة والذي كان في السابق يُحضّر بالبطاطا واللّحم المجفّف تقليديا، أيّ ما يعرف بـ “الخليع”، وكذا الطبق المنجز بنبتة الثوم البرّي المعروف باسم “بوبرايس”.

المعكرونة العمياء والبحث عن التصنيف
من بين الأطباق التي دعت المختصات في الطبخ إلى تصنيفها عالميا، طبق معكرونة العمياء، والتي تحمل اسم العمياء لعدم وجود فتحين من الجانبين، وتحضر هذه المعكرونة باليد، وكما تقول النسوة “ تفتل باليد” وتُزيّن هذه الأكلة موائد العائلات في البليدة في السحور خلال شهر رمضان، وخلال يوم عيد الفطر، تقول “الشاف” ليلى بونازو.
وتحدّثت هذه الأخيرة قائلة: “أرشّح طبق المعكرونة العمياء كي يصنّف ضمن الأطباق التقليدية الجزائرية وفي البليدة ثمة اهتمام كبير بهذه الأكلة، وأضافت: “ سجّلنا عودة الاهتمام بالطبخ التقليدي وهذا راجع إلى المكوّنات الطبيعية التي تحضّر بها الأطباق الجزائرية البسيطة “.
بدورها أكّدت “الشاف” واعلي حجيلة المعروفة باسم “خالتي حجيلة” المقيمة في مدينة شرشال بولاية تيبازة أنّ “ المعكرونة العمياء” من أهم الأطباق التي ينبغي العمل على تصنيفها، مشيرة إلى أنّ ثمّة تشابه في التقاليد بين شرشال والبليدة والمدن القريبة منها مثل القليعة والمدية، وتكمن الفروقات في التسمية فقط على حدّ قولها، فمثلا المعكرونة العمياء يسمونها في شرشال بـ “المقيرنة”.
 وفي هذا الصدد أبرزت: “نحضر عجينة المعكرونة العمياء باليد (ما يُسمى بالفتل بالعامية)، ونضيف لها اللحم المفروم، وهناك المقطفة وهي النوعية المتوسّطة ونحضر بها الحساء (الشربة)، أما النوعية الثالثة للمعكرونة العمياء فنطلق عليها اسم الدويدة وهي رقيقة جدّا ونحضر بها الشربة البيضاء”.
وعن تمسّكها بتحضير الأطباق التقليدية أوضحت قائلة: “المدرسة الأولى التي تعلّمنا منها هي الأولياء والأجداد ثم واصلنا التعلّم بتتبّع بعض الحصص في التلفزيون كالتي كانت تعرضها السيدة رزقي، وما يمكن قوله هو أنّ الأطباق التقليدية تم إحياؤها من جديد من خلال مهرجانات الطبخ والتظاهرات التي نظّمت خصيصا من أجل الترويج لها والتعريف بها”.
وفسّرت حجيلة تراجع تحضير الأطباق التقليدية في العقود الأخيرة بعمل المرأة التي أصبحت تفتقد الوقت فتلجأ إلى الطريقة السهلة على حدّ قولها، وأضافت بأنّ ثمّة أطباق تقليدية أخرى ينبغي الترويج لها على غرار كسكسي الخروب الذي مكّنها من الفوز بالميدالية الذهبية، والكسكسي المحضر من ثمار البلوط أيضا الذي كان غداء للمجاهدين إبان ثورة التحرير المجيدة.

أطباق تقليدية تعكس الهوية الوطنية
شكّلت المسابقة التي نظّمتها الجمعية الوطنية للطبخ والترشيد السياحي بغرفة الصناعة والتقليدية في أولاد يعيش فرصة مواتية لأكثر من 25 مشارك جلّهم من النساء، لإظهار مهاراتهم في تحضير الأطباق التقليدية والترويج لها بصفتها موروثا لا ماديا ينبغي تثمينه.
شارك في هذه المسابقة نسوة يحترفن الطبخ العالمي، وسبق لبعضهنّ التفوّق في مهرجانات وطنية ودولية، وكذا يافعات من البنات وأمهات ماكثات في البيت أظهرن تمسّكا بتقاليد وعادات الأجداد، واشترطت لجنة التحكيم أن تكون الأطباق المُشارك بها، تلك التي اعتادت العائلات تحضيرها للاحتفال برأس السنة الأمازيغية.
وعن الهدف من تنظيم مسابقة الطبخ، أوضحت أمير سليمة التي تشغل محكمة وطنية ودولية في هذا المجال ورئيس المكتب الولائي بالبليدة للجمعية التي نظمتها التظاهرة، بأنّ الهدف الأبرز هو منح الفرصة للنساء من المحترفات والهواة لإظهار قدراتهنّ والترويج للأطباق التقليدية التي تعكس الهوية الوطنية، وأضافت بأنّ لجنة التحكيم أخذت بعين الاعتبار مجموعة من المعايير لتقييم المتنافسين، وهي الذوق، طريقة عرض الطبق، الهندام، مشيرة إلى أنّ ارتداء الزيّ التقليدي مهم حينما يتناسب مع بعض الأطباق المعروضة.
 وشهدت مسابقة الطبخ عرض عائلة أصولها من باتنة لكنّها تقيم في البليدة لطبق “الزيراوي” الذي يتميّز به “الشاوية” في باتنة ويقدّم خلال الأعراس، كما عرضت عائلة أخرى تقيم في البليدة أصولها من بسكرة الطبق الشهير “التشخشوخة” وهي ترتدي زيّا تقليديا، بالإضافة إلى طبق آخر شاركت به عائلة من منطقة القبائل.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024