رحلة تشوبها تغييرات باكتشاف الذات وغربلة العلاقات

الموظـف بعد التقاعـد.. الحياة الأخـرى

في مرحلة التقاعد، يخوض الموظف “السابق” ومن كان يتمتع بمنصب مهم في مؤسسته، برحلة فريدة من التحولات الشخصية والاجتماعية، وقد ينجح في بنائها بالشكل المطلوب من إعادة اكتشاف الذات والاستمتاع بالحياة أو يمر بمرحلة متعبة من “غربلة” العلاقات، تحديدا التي كانت ترتبط بالمصلحة.
يتغيّر دور المتقاعد ووضعه في المجتمع، مما يقوده إلى تأملات عميقة حول القيمة التي يتمتع بها بين الناس، وتأثير ذلك على علاقاته الاجتماعية الصادقة بعد ذلك.

بعد التقاعد الكل يتغيّر
عبر سنوات عديدة من الخدمة الوفية، يشعر الموظف المسؤول بتحمل مسؤوليات كبيرة وبناء علاقات طويلة مع زملائه ومعارفه، ولكن عندما يأتي وقت التقاعد، يواجه تحولا حياتيا يصاحبه تغير في الطريقة التي ينظر إليه فيها.
تبدأ المشاعر بالتأرجح بين الفخر بالإنجازات والمرارة تجاه تراجع الاهتمام والتواصل، إذ يشعر المتقاعد بأنه، ومع ابتعاده عن الحياة المهنية، يتلاشى معنى وجوده في مجتمع العمل. وقد يصبح التواصل السابق مع زملاء العمل أقل بسبب تغيير الديناميات والأولويات.
يتحدث المدير السابق في إحدى المؤسسات الكبيرة عبد الجبار، الذي استمر 18 عاما في منصبه، قائلا إنه بعد أن وصل سن التقاعد قبل عامين، كان يفكر بأن سن الراحة وعيش الحياة الاجتماعية سيكون بشكل مختلف، إذ إن هناك الكثير من المناسبات التي كان يعتذر عن حضورها، بسبب عمله.
لكن المفاجأة كانت بالنسبة لعبد الجبار، حسب وصفه، بالاكتئاب والشعور بقلة الحيلة بعد التقاعد بفترة وجيزة، فبعد أن كان هاتفه لا يتوقف وأحيانا يضعه على خاصية الطيران، ليتجنب عددا من المكالمات والأشخاص الذين يطلبون خدمة أو تمرير سير وظيفية لمسؤول معين وغيرها الكثير من الطلبات، بات هاتفه لا يتلقى حتى مكالمة واحدة خلال يومه إلا من ابنته المتزوجة تتفقد أحواله وتسأل عنه.
ويوضح أنه حتى أقاربه وأصدقاؤه المقربون، اختلفت علاقته بهم بعد التقاعد، إذ ينظرون له وكأنه شخص هرم، رغم أنه الشخص ذاته ولم يختلف عليه شيء إلا أنه ترك وظيفته، ما يجعله يشعر بالسوء بأن أغلب علاقاته الذي اعتقد أنها صادقة وحقيقية كان سببها الوظيفة، وليس شخصه كما كان يعتقد.
ويؤكد المختصون في علم النفس أن الموظف السابق يشعر خلال تقاعده بأن هناك تراجعا تدريجيا في قيمته في عيون الناس، حيث يمكن أن يفقد بعضهم اهتمامه وتقديره بمجرد انقطاعه عن العمل. وتتعقد هذه المشاعر بعدم فهم البعض للتحديات التي يواجهها المتقاعد، وقد يشعر بالوحدة والإهمال.
لكن، يجب أن يقتنع الفرد بأن لكل شيء بداية ونهاية، فليس معنى أن الوظيفة انتهت أن الحياة انتهت، إذ يمكن للفرد أن يفكر بشكل مختلف من خلال تحوّل التقاعد إلى فترة مهمة من التفكير واستكشاف الهوية الشخصية خارج السياق المهني.
وقد يجد الموظف المتقاعد فرصا جديدة للتعلم والمشاركة في مجتمعه بطرق جديدة، ما يجعله يجد قيمة جديدة في حياته، مؤكدا أن التجربة بعد التقاعد تعكس رحلة معقدة من الاكتشاف الذاتي والتأقلم مع التغييرات في العلاقات الاجتماعية، حيث يبدأ في بناء قيمته بشكل جديد، ويجد أهميته خارج إطار الحياة المهنية التقليدية.

نهاية لكنها بداية
من ناحية أخرى، قد تكون حياة المتقاعد صعبة إن كان هناك إهمال وقلة شأن تحديدا من عائلته المقربة، ففي بداية رحلة التقاعد، يمكن أن يشعر الفرد بأنه جالس لا يعمل شيئا وأن الجميع يعيش حياته بشكل طبيعي، وهو عليه التعرف على الحياة الجديدة غير المعروفة لديه.
لكن العائلة والأقارب والأصدقاء يمكن أن يخلقوا حياة أخرى ومختلفة وجميلة للمتقاعد، إن الفرد نفسه يمكن أن يحدّد مهاراته واهتماماته واكتشاف القدرات، إذ يمكن أن يفتح آفاقا جديدة والبحث عن فعاليات تناسب مهاراته وتجلب له الرضا والتحدي.
ويُنصح المتقاعد بالانخراط في الأنشطة المجتمعية وإقامة علاقات جديدة وإثراء الحياة الاجتماعية، ويمكن أن تكون المشاركة في الأعمال التطوعية إحدى الوسائل الفعالة لتعزيز الشعور بالمساهمة.
وتجعل روح الفرد لكل شيء نكهة مختلفة، فمن كان كثير التذمر والعصبية ويرى نفسه قد أصبح بمكانة أقل تكون رحلة تقاعده محبطة، ومن يجد نفسه قد وصل لوقت الراحة والبحث عن الجيد والاهتمام بذاته وبعائلته وأقاربه، فلا ضير من أن يجد لنفسه عملا حرا يهوى القيام به، وتعزيز المهارات الشخصية بالاستثمار في تطويرها يمكن أن يساعد على تعزيز الثقة بالنفس وفتح فرص جديدة.
وعلى المتقاعد ألا يرى نفسه منفصلا عن العالم، بل عليه أن يبقى متصلا بالأصدقاء والعائلة والحفاظ على الروابط الاجتماعية القائمة التي تعزز الدعم العاطفي وتساعد على التغلب على شعور بانخفاض القيمة.
ووفق الخبراء، هنالك ضرورة لاستكشاف فرص العمل المرنة، والاستفادة من مهاراته في مشاريع حرة، هذا يتيح له الاستمرار في التحفيز والإنجاز، واستغلال الفرص الثقافية والترفيهية والاستمتاع بالهوايات والأنشطة التي تحمل قيمة ثقافية وترفيهية يمكن أن تسهم في تحسين حالته المزاجية.
 ويشددون على أنه من المهم أن يأخذ المتقاعد وقتا للتكيف مع التغيرات وأن يكون صبورا مع نفسه، حيث إن تحول الفكر والأولويات يحتاج إلى وقت وجهد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024