عندما تعاد صياغة المشاعر والأولويات

الخـذلان.. جـرح لا يــبرأ مع الــزمــن

الخذلان؛ ذلك الشعور الصّعب الذي يهاجم الفرد وقد يرافق العمر برمّته من أناس كانوا بالنسبة له الأساس لمواصلة هذه الحياة وتحمّل متاعبها وضغوطاتها، خاصّة عندما يكون ذلك الشعور هو الردّ القاسي على ما قدّمه الفرد من تضحيات من أجل شخصٍ ما. ثمّ يُقابله بخيبة أمل لا تمحى، ليُصبح الخذلان سببا أساسيا للوحدة والاكتئاب، وبالتالي إعادة ترتيب الأولويات والتقليل من سقف التوقّعات مستقبلا.
خيبات أمل باتت تغيّر من ترتيب الأولويات والانعزال عن الآخرين، خاصة عندما تلقي بظلالها الثقيلة على من تهاوت أمام أعينهم علاقات وصداقات وحتى بين الأخوة والأقارب أحيانا ممّن كانوا يشغلون حيزا مميزا ويحظون بقمم الأولويات.
الخذلان قد يأتي من أشخاص كانوا أساس الحياة والسبب الحقيقي وراء النجاح والسعادة والاستقرار وعند أول منعطف في الحياة تختبر مكانة هؤلاء، فتتساقط التوقّعات وتزداد حالة الخذلان ممّن اعتقد البعض أنّهم الأقرب.
«شعرت بوحدة حقيقية، وكأنّني وحدي في هذه الحياة وكان لابدّ من إعادة ترتيب الأولويات”، هكذا عبرت هيام عن حالة الخذلان التي أصابتها بعد أن اعتقدت بعد تعرّضها لمشكلة في العمل أنّ أصدقاءها المقرّبين سيكونون أول من يقفون إلى جانبها ويدعمونها، في الوقت الذي كانت فيه هي مصدر العطاء لهم وفي كلّ المواقف وعبر سنوات معرفتها بهم.
لم تكن هيام تعتقد أنّها ستجابه مشاكلها وحدها دون صديق أو قريب حتى إنّ ما تعيشه من ظروف هو مشكلتها وحدها ليس كما كانت تعتقد أنّهم سيكونون إلى جانبها ويخفّفون عنها إلاّ أنّ خذلانهم لها كان أشدّ وطأة عليها من الحدث نفسه.
«كانوا بالنسبة لي كلّ شيء وكنت أعتقد أنّ الحياة لا يمكن أن تكون بدونهم، وهم صمام الأمان في حياتي” وفق هيام، إذ كان من حولها يحتلّ مكانا مهما في حياتها، حيث افتقدت وجودهم في لحظات ضعفها وخوفها وقلّة حيلتها.
وتبيّن الأربعينية سهام، حجم الحزن الذي عصف بقلبها وأعاد ترتيب أولوياتها وتنظيم علاقاتها، إذ أيقنت أنّ الكثير من الآخرين نهايته الخذلان وأنّ إعطاء البعض مكانة لا يستحقها تنتهي بألم ووجع، وعليه يجب إعطاء العلاقات حقّها الطبيعي وعدم المبالغة بأيّ شيء يمنح السكينة والهدوء.

متلازمة انكسار القلب

حسب المختصّين النفسانيين فإنّ الخذلان بسقوط الأمل والحلم بأشخاص كنت تعتقد في داخل نفسك أنّهم الأهم والأقرب إلى قلبك، وأملك بهم كثير، وفي كثير من الأحيان يبني الشخص عليهم آمالا كبيرة وعند أول اختبار تسقط هذه المكانة.
ويسبّب الخذلان للأشخاص خيبة أمل كبيرة وردّة فعل قوية كما يسبّب حالة من عدم الاستقرار النفسي والتوتّر والقلق، وبالتالي يترك أثرا نفسيا كبيرا ويتسبّب بمتلازمة انكسار القلب.
ولا يقتصر الخذلان من الأشخاص المقرّبين على الألم النفسي فحسب وإنّما يتسبب بالإحباط وحالة من القلق والتوتّر وفقدان الثقة بالناس، كما يتسبّب بمشاكل سلوكية، خاصة للأشخاص الذين يعانون من الهشاشة النفسية الذين لا يملكون القدرة على التعامل مع الصدمات النفسية وامتصاصها.
ويبدأ الأشخاص الذين يتعرّضون لخيبات الأمل ويعانون وجع الخذلان بترتيب أولوياتهم من جديد ويتخلصون من أثر الصدمة من خلال التخلص من هؤلاء الأشخاص، وأخذ الدروس بعدم التأمل بشكل كبير بالأشخاص من حولهم.
ويعطي الخذلان، أولوية جديدة للأشخاص وهي وضع النفس والذات في سلّم الأولويات وأن يكون الاعتماد على الذات هو الأساس والأشخاص من حوله ثانويين وغير رئيسيين، وعدم منح أيّ شخص مهما كانت درجة قربته ومكانته المميزة أو ترتيب نجاح الحياة عليه وإنّما الاعتماد على القدرات والطاقات الذاتية.
و«لا تبن آمالك على الناس وتجعلهم بوصلة حياتك ولا تعتمد على الآخرين في نجاحاتك”، الذي يلفت إلى ضرورة عدم المبالغة في التوقّعات من الآخرين، ولكن ينبغي تقديم الأعذار للبعض والحرص على المساعدة فالتعامل مع الآخرين حاجة أساسية للإنسان، فهو لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الآخرين، والحاجة للآخرين ليست حاجة مادية، بل هي حاجة نفسية واجتماعية، فالعزلة لها آثار سلبية على نفسية الشخص.
من المهم أن يدرك الشخص “جوهر” الطرف الآخر وماذا يريد من العلاقة أو مدى حدودها، واستعداد كلّ منهما للتضحية من أجل مصلحة الآخر وواقعية نظرة كلّ شخص للآخر، هل هي تتناسب مع طبيعته وإمكاناته أم أنّها أكبر بكثير من ذلك.
فهنا من المهم وضع الأعذار للآخرين، “فالتقصير” ليس مقصودا إنما الخلل في تقديرنا وتوقّعاتنا المرتفعة لما يمكن أن يقدّمه لنا والبعض مثلا يبالغ في طلباته من غيره ويتوقّع منه الاستجابة في كلّ الأفعال، وإذا لم يتمكن يعتبره ليس وفيا للعلاقة.
وأكثر ما يزيد الشعور بالخذلان أن يكون الشخص قد أمضى سنوات في العلاقة مع شخص أو أكثر دون أن يشعر بأيّ تذمّر بل ويؤثره على نفسه ويضحي في سبيل خدمته ومساعدته وإذا ما اضطرّته الظروف لطلب العون من هذا الشخص لا يجد تجاوبا بل الإهمال وربّما النكران والجحود.
ويترك الخذلان أثرا سلبيا في النفس ويدفعه إلى إعادة النظر في العلاقة ليس فقط مع هذا الشخص فقط بل مع الآخرين، وربّما يكون لديه ردّة فعل متعجّلة فيقرر قطع العلاقة أو تجميدها ويتجه إلى العزلة والابتعاد عن الناس.

أرحام، أقارب وأصدقاء

علاقاتنا مع الآخرين لها مستويات متعدّدة فالعلاقة مع الأرحام مثلا علاقة أبدية يجب أن نحافظ عليها والحرص على إدامة التواصل. والمطلوب أن “نصل من قطعنا وأن نقدّم ما نستطيع لهم من مساعدة وخدمة دون أن نحمّل أنفسنا أكثر ممّا نطيق لأنّ في ذلك ظلما للنفس أو تكون العلاقة على حساب الحاجات الأساسية للأسرة”.
والعلاقة مع الأقارب لها أولوية لأنّها تساهم في زيادة اللحمة والأقارب وتدفع أكثر إلى التكافل وهي من ميزات مجتمعاتنا العربية والإسلامية، مع ضرورة ألا يكون فيها تكلّف وإرهاق لميزانية الأسرة.
أما علاقة الأصدقاء وزملاء العمل والصداقة، يحب أن تقوم على أسس واضحة وتخضع للاختيار وليس عشوائيا وتقوم على الإخلاص والمبادرات من كلا الأطراف وليس من طرف واحد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024