فرصة للحفاظ على التقاليد واستعداد للشهر الفضيل

هكذا يحتفل سكان الأوراس بليلة النّصف من شعبان

باتنة: لموشي حمزة

بدأت أجواء التحضيرات للشهر الفضيل باكرا هذه السنة بولاية باتنة، حيث تزيّنت المحلات التجارية خاصة الكبرى بمختلف السلع والبضائع الجديدة، وغيرت ديكوراتها وواجهات مداخلها، استعدادا لاستقبال هذا الضيف العزيز، الذي تسبقه أجواء رُوحانية أخرى تتعلّق بمنتصف ليلة شعبان التي تحرص العائلات الأوراسية على إحيائها في أجواء روحانية مميّزة، بالصيام والتصدّق وتلاوة القرآن.

كغيرها من العائلات الجزائرية، تُولي العائلات الأوراسية أهمية خاصة لإحياء ليلة منتصف شعبان، خاصة سكان القرى والأرياف ببلديات باتنة، وذلك تفاؤلا منهم بقدوم شهر رمضان الكريم، حيث استكملت العائلات استعداداتها لهذه الليلة المباركة، وسط إصرار كبير من النسوة خاصة الكبيرات في السنّ على المحافظة على هذه العادة التي رسخّها الأجداد وهي إحياء ليلة منتصف شعبان بمجموعة من العادات والتقاليد.
وتعتبر ليلة النصف من شعبان بداية موفقة لصيام الشهر الفضيل، حيث تختزلُ ليلة المُنتصف من شعبان بولاية باتنة، كلّ التحضيرات للشهر الفضيل، خاصة وأنّ ولاية باتنة غنية بعادات وتقاليد ضاربة في أعماق التاريخ، لا تزال العائلات متمسّكة بها، رغم المدّ التكنولوجي وتراجع نوعا ما مكانة العائلة الكبيرة التي تضم الآباء والأجداد نظرا لاستقرار الشباب المتزوّج من هذا الجيل وحده في سكنات مستقلة.
ليلة منتصف شعبان روحانية بامتياز من خلال صيام غالبية أفراد العائلة لهذا اليوم، واجتماع عدد من الأسر خاصة التي تنتمي لنفس العائلة الكبيرة أو القاطنين في حي واحد على اقتناء خروف ونحره وتقسيمه بينهم للاحتفال بليلة النصف من شعبان، التي يصوم فيها غالبية أفراد الأسرة بما فيهم الأطفال لتعويدهم على صيام شهر رمضان في إطار الاستعداد له.
واللاّفت هذه السنة في ظلّ موجة الغلاء هو أن تقتصر العائلات على اقتناء الدجاج نظرا للأسعار الخرافية للحم، حسب ما أفاد به بعض المواطنين الذين أكّدوا لنا، أنّ أسعار اللّحوم الحمراء تجاوزت سقف الـ 2700دج، الأمر الذي سيحول دون اقتنائهم لخروف مشترك ونحره خلافا للسنوات الماضية.
والمميّز أيضا في هذه الليلة هو تفضيل العائلات الأوراسية تنظيم حفلات ختان لأبنائها الصغار تفاؤلا ببركة الشهر، وتعويد الآخرين على الصيام ولو لنصف يوم، استعدادا لشهر رمضان المبارك، حيث يحظى الأطفال الذين يرغبون في صيام شهر رمضان بفرصة لتدريبهم خلال هذه الليلة، الأمر الذي يجعل من كلّ أفراد العائلة يرافقونهم في ذلك، من خلال تشجيعهم على الصبر وتحمّل مشقّة الصيام ومكافأتهم ليلا بهدايا مختلفة.
وبخصوص مائدة العشاء التي تزيّن سهرة منتصف شعبان فتختلف من منطقة لأخرى خاصة في ظلّ التطور المتسارع الذي تشهده المطابخ الأوراسية التي أصبحت تستغل مثل هذه المناسبات لتحضير أطباق تقليدية على غرار الشخشوخة الأوراسية أو الطعام “البربوشة”، والتي تُزين المائدة ولا ينازعها أيّ طبق آخر مهما كانت أهميته، فالنسوة يفضلن في هذه الليلة الحفاظ على عادات الأجداد وتقاليدهم المتوارثة، في الوقت الذي يجدن مساحة أوسع في التفنّن في الحلويات والأطباق الأخرى.
حيث يتم إعداد هذه الأطباق بلحم “النفيقة” في حال تم نحر خروف، ويتم تقسيمه بين كلّ من اقتناه خصيصا لهذه المناسبة، مع الحرص على قضاء هذا اليوم وسط العائلة والأقارب والأحباب، وإن اختلفت مظاهر وطرق ومضامين الاحتفال إلا أنّها تشترك في كون ليلة مُنتصف شعبان فرصة لتبادل المودّة والرحمة بين الأهل والأصدقاء وذكر الله والاستغفار، والتفاؤل بقدوم سيّد الشهور رمضان المُعظّم.
توطيد صلة الرحم
ولاستقبال هذا اليوم تتزيّن أغلب المحلات والأسواق ببعض اللوازم الخاصة لإعداد ألذّ الأطباق التقليدية والتي غالبا ما تكون الشخشوخة بالخضر، وهناك من العائلات من تفضّل طبق الكسكسي كما يجد أفراد العائلة المناسبة فرصة للسهر لوقت مُتأخر من الليل رفقة أفراد العائلة في أجواء حميمية.
وتُعتبر ليلة منتصف شعبان فرصة ثمينة للاجتهاد في أداء الصلوات الخمس في أوقاتها وجماعة بالمساجد مع إيتاء الصدقات والإكثار من العبادات والتصدّق على الفقراء والمعوزين وتوطيد صلة الرحم وفعل الخيرات، وقراءة القرآن الكريم والتسبيح والدعاء ليضاعف الله الأجر والحسنات.
وأشار بعض من تحدّثنا إليهم بخصوص الاحتفال بهذه الليلة وإحيائها رغبتهم في تكريس هذه العادات وتعزيز الإيمان في قلوب الناس، رافضين الجدل المثار كلّ سنة حول إحياء مثل هذه الأيام العظيمة فمنهم من يعتبرها بدعة ومنهم من يراها طقوسا لا أساس لها من الصحة في الاسلام.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024