في ليلة النّصف من شهر شعبان

سيدي بلعباس.. عودة إلى البركوكس والرقاق والكسكس

نسرين. ب

لا يخلو أيّ بيت عباسي من عاداته للمناسبات الدينية والتقاليد التي توارثتها العائلات عن الأسلاف، حيث تحضّر ربات البيوت في كلّ المواسم ما يترتّب عنها.
من العادات التي تحافظ عليها الأسرة صيام الأيام البيض لشهر شعبان التي توافق أيام 13، 14 و15 والقيام بما يسمى “الشعبانة” وهي ليلة النصف منه، إذ تعدّ أغلب النسوة طبق البركوكس بلحم الدجاج وكريات اللّحم المفروم والخضر، وتتقاسم الوجبة مع أفراد العائلة الكبيرة بما فيهم الأجداد، الأولاد والأحفاد وتهدي جاراتها المقرّبات صحنا ساخنا.
الشعبانة لا تقتصر على طبق البركوكس بل هناك عائلات تفضّلن الرقاق وأخريات يكون الكسكس هو طبق نصف شعبان، كما يحضّر السفنج أو المبسس لشرب الشاي أو القهوة.
وحتى الأطفال من الجنسين لهم نصيبهم من وليمة “شعبانة” حيث يدعو أحدهم الآخرين لتناول الغداء معه وهم مسرورين باللمّة الجميلة التي جمعتهم حول مائدة واحدة يتبادلون الحديث كالكبار ويستذكرون رمضان الذي مضى وما قد قاموا به من أفعال وعبادات، مجدّدين العهد مع الشهر الفضيل الذي سيتزامن مع عطلة الربيع وما أجملها من مناسبة بالنسبة لهم، فاللّعب والسمر إلى ساعة متأخّرة من الليل بعد أداء صلاة التراويح والخروج من المسجد والتسابق على من سيصوم أكثر عدد من الأيام.
هذه الأكلات تكون آخر طبق يحضّر قبل رمضان إلى أن يأتي يوم عيد الفطر المبارك، فمن العائلات من تقوم بتحضير البركوكس للغداء الأول ومنهنّ من تفضّل طبق الكسكس ولا يتم تحضيرها طوال الشهر الفضيل، عدا الرقاق في منتصف رمضان وليلة 27 منه.

رمضان على الأبواب والتحضيرات على قدم وساق

ومع حلول ليلة النصف من شعبان، تستنفر البيوت والمنازل لتعيد الأسر العباسية نفس الترتيبات، فتحرص النسوة على تنظيف البيت بأكمله بعد طلائه وطلاء الواجهة الخارجية له وأيضا تنظيف الأفرشة، وغسل الأواني التي ستستعملها في طهي الأكل خلال الشهر وكذلك ترتيب المطبخ حتى يكون جاهزا. ومن النساء من تشتري أواني جديدة لطاولة رمضان اعتقادا منهنّ أنّ ذلك فال خير على العائلة.
 ولا تقتصر التحضيرات على التنظيف وترتيب المسكن بل أيضا تقوم ربات العائلة بشراء وتخزين المواد الواسعة الاستهلاك والأجبان والمواد اللاّزمة لتحضير التحلية والمقبّلات لما بعد الإفطار والسحور وشراء الفواكه المجفّفة، كالبرقوق والزبيب، لتحضير طبق الإفطار الأول.

ترتيبات لمنع الوقوع في ضائقة مالية

أول ما تفكر فيه المرأة شراء التوابل أو ما يسمى محليا “برأس الحانوت” لتحضير الحريرة فلا يمكن الاستغناء عنها طوال الشهر، فمنهنّ من تشتريها مطحونة ومنهنّ من تفضّل شرائها حبات لطحنها إما بالطريقة التقليدية في البيت مستعملة المهراس وإما طحنها بالطاحونة.
أما بالنسبة لربّات البيوت العاملات، فتحضير البوراك أيّاما قبل الصيام أصبح ضروريا وتكديسه بالبراد يسهّل عليهنّ الأمر طول الشهر، وحتى الليمون و«الحشيش” أصبحت تخزّن في البراد.
ولعلّ ما يلفت الانتباه هذه الأيام هو الاكتظاظ بمحلات الملابس والأحذية، فبالرغم من غلاء اللّحوم الحمراء والبيضاء وغيرها من المواد التي يتم استهلاكها بكثرة خلال الشهر الفضيل، لم ينسى أرباب الأسر أنّ عليهم شراء ملابس العيد لأطفالهم، فمنهم من قضى حاجته ومنهم من يتردّد على المحلات والمساحات الكبرى لاختيار الكسوة التي تناسب ذوق أولاده وإمكاناته المادية.  
وهي سلوكيات لا تمت بصلة لشهر رمضان ولم تكن من عادات الأسلاف، حيث النساء في زمن غير ببعيد كانت تحضيراتهنّ تقتصرن على تنظيف البيت وتحضير الكسكس لطهي السفة (المسفوف) للسحور وأيضا تشترين راس الحانوت على شكل حبوب لتجفيفه تحت أشعة الشمس وطحنه بالمهراس وشراء السميد والفرينة لتحضير خبز المطلوع.
أما باقي الأشياء، فكلّ ما يتطلبه الإفطار من مستلزمات يتم شراؤها في الصباح ولا تكديس ولا تخزين للمؤونة بالرغم من أنّ راتب ربّ البيت كان قليلا بكثير ولم تكن السلع والخضر واللّحوم متوفّرة كما هي عليه في وقتنا، فالقناعة كانت تغلب وطلب الستر والصحة وراحة البال، كان القاسم المشترك بين جميع الأسر خلال شهر العبادات وأمنيتهم الكبيرة في أن تبقى العائلات مكتملة ومترابطة على مدى الحياة.
ومن العائلات من تحضّر نفسها لدخول مسابقة احفظ حزبا التي تنظّمها مديرية الشؤون الدينية سنويا، يشارك فيها أفراد العائلة الواحدة، حيث يشترط عليهم حفظ حزب من سورة قرآنية تحدّدها اللّجنة المكلّفة بالمسابقة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024