أداة تعيق التقدّم وتزرع بذور الحقد بين الزمـلاء

احتكار المعرفة في العمـل والدراسـة.. الأنانيـة القاتلــة

في رحلة الإنسان نحو النجاح والبحث عن الفرص؛ يلتقي بأشخاصٍ عدّة في ميادين العملِ أو الدراسة؛ منهم من يُشكّلونَ حجرَ الأساسِ للنجاح وعونا في تحقيق الطموح والإنجاز وتقديم الدعم والتشجيع اللازمين، وهنالك من يؤمنون بأنّ النجاح حكرٌ عليهم ولا أحد غيرهم يستحقّ أن يكون في المقدّمة، كما ويتعمّدون إحباطه أو ثنيه عن تحقيق طموحه.
احتكار المعرفة سواء في بيئة العمل أو الدراسة، سلوك سام يعيق التقدّم بشتى المجالات، ويشعر الآخرين بالإقصاء والتهميش، بالرغم من أهمية تشجيع مشاركة المعرفة ضمن أجواء إيجابية فيها روح التعاون.
احتكار المعرفة “قلّة ثقة” كما يبين مجيد (45 عاما) وهو موظف في إحدى الشركات الكبرى، حيث التقى بالكثير من الناس، منهم من يحفّز غيره ويدعمه بل ويقدّم له كلّ الأسباب لينجح ويكون جزءا من نجاح مؤسّسته، ومنهم من يجد أنّ نجاح الآخر يشكّل خطرا عليه وقد يلغيه تماما فيلجأ لسياسة الاحتكار لحماية نفسه وحتى يبقى هو المتسيّد.
 يعتبر مجيد أنّ تبادل الخبرات ومشاركتها نقطة قوّة لا ضعف، والإنسان الناجح من يكون داعما لغيره ومصفّقا لنجاحات زملائه إضافة إلى أنّ المنافسة الشريفة في رأيه سبب مهم للتطوّر والتميز فلا أحد يستطيع أن يلغي أحدا.
سارة (32 عاما)، ترى أنّ البعض أصبح يتسلّق على نجاحات غيره ويجزم أنّه الأحق، وأنّ مصلحته فوق كلّ اعتبار، فلم تعد تعنيه الصداقة أو الزمالة، مشيرة إلى أنّها تعرف نماذج كثيرة مميزة بعلمها وخبرتها لم تصل لأنّها لم تجد من يشجّعها ويمدّ لها يد المساعدة.
وتبين أنّ احتكار المعرفة طريق يسلكه الضعفاء والذين يظنون أنّ نجاح غيرهم سيكون عقبة بالنسبة لهم، تعيقهم وربما تلغيهم أيضا فيجدون أن من مصلحتهم تضليل الآخر وعدم إعطائه أيّ معلومة من الممكن أن تبرزه وتساهم في نجاحه.
وفي هذا الخصوص، يبين المختصون أنّ احتكار المعرفة يعيق التطوّر ويمنع نشر الفائدة بين الناس، وبالتالي يتسبب بنشر الجهل والأحقاد ومشكلات خطيرة تهدّد أمن المجتمع وسلامته.
ويلفتون إلى أنّ من يلجأ إلى احتكار المعرفة لنفسه وعدم مشاركتها مع الآخرين هو شخص أناني يخاف على مكانته، لذا يتعمّد أن ينفرد بالمعرفة والخبرة دون غيره ليبقى هو الناجح والمسيطر فيحجم القدرات ويتحكّم بكلّ شيء وكأنّه محور الكون.
هذه الشخصيات تخشى المنافسة وتحاول بشتى الطرق منع الآخر من الوصول سواء في العمل أو في الدراسة، وهذا يعدّ دليل ضعف وفق الخبراء، فالإنسان القويّ الواثق من إمكاناته يساند زملاءه ويدعمهم ولا يبخل عليهم بالمعلومات، فهو عندما يتشارك المعرفة مع المحيطين به يطوّر من نفسه أكثر ويصل إلى ما يريد باجتهاده وبحب الخير للناس.
فطبيعي جدّا أنّ كلّ شخص فينا يخاف على تعبه وجهده، لكن لا يعني ذلك أن نحتكر المعرفة ونحجبها عمّن يبحث عنها لنظلّ أقوياء والكلّ بحاجتنا، والحياة تتسع للجميع ومليئة بالفرص وأنّ كلّ شخص بإمكانه أن يصنع مكانه إذا اجتهد وكان حريصا على منح الدعم والتحفيز لشركائه في النجاح فما المتعة في أن يكون وحده الناجح.. مع الحرص على تبادل الخبرات والمعرفة وكسر الاحتكار من خلال البحث المستمر وعدم الاستسلام لأنانية البعض.

زكـاة العلـم واجبــة

إنّ المعارف البشرية في مختلف العلوم والمجالات يجب أن تكون شاملة وعامة ومُتبادلة لكي تكتمل حصيلة التراكم المعرفي الإنساني، ولكي تتطوّر المجتمعات وتتقدّم الأمم.
 اليوم الإنسان تطوّر ومعارفه كثُرت وتنوّعت، ومداركه اتسعت، كلّ هذا بسبب تراكم المعرفة وتبادلها، أصبح الإنسان أكثر تحضّراً يُدرك معنى الإرث الحضاري الإنساني، يعرف مسؤولياته وواجباته تجاه البشرية.
فلو تم احتكار المعارف في المجال الطبي لرأينا أنّ ملايين البشر يموتون ويفقدون حقهم في الحياة، أو أنه تم احتكار المعارف في مجال التكنولوجيا والإنترنت لرأينا مجتمعات بأكملها ما زالت تعيش في تخلّف وعزلة عن العالم.
لكن هنالك بعض العقول الفوقية والنرجسية تحاول احتكار معارفها وعدم مشاركتها الآخرين، هذه العقول ذات أُفق قصير لا ترى إلا نفسها ولا تدور إلا حول دائرتها الضيقة، وتفتقد للحس التعاوني والتشاركي، وتخاف من المنافسة وترى نفسها في المقدّمة وتخشى أن يسبقها أحد في مجالها فتحتفظ بأفكارها وإنجازاتها لنفسها فقط.
 وهذا ينعكس سلباً على العلاقات الاجتماعية والعملية، فيكونون أشخاصا غير محبوبين وغير مرغوبين يتركون زملاءهم سواء في الدراسة أو في العمل يواجهون الصعوبات والأزمات دون أن يقدّموا لهم المساعدة أو المُساندة، كما ينظرون إلى زملائهم بشيء من الدونية والاحتقار ويهتمون بأنفسهم ومصالحهم فقط.
نشر العلم والمعرفة قوّة وعطاء لا يعرفه إلا الواثقون بأنفسهم الذين يمتلكون قدرا عاليا من تقدير الذات واحترام الإنسانية، حتى في الدين الإسلامي زكاة العلم واجبة فيجب على كلّ شخص أن يقدّم علمه ومعارفه لخدمة الدين والآخرين والمجتمعات.
والتغلّب على ظاهرة أو مشكلة الاحتكار، يبدأ بتربية جيل يحترم الإنسانية، ونغرس لديه مبادئ التفاعل والتواصل العلمي والعملي مع الآخرين وتبادل المعارف والأفكار، كذلك الاعتماد على أساليب التعليم الحديثة التي تعتمد على التعلّم ضمن مجموعات تشاركية تتبادل الأفكار وتصل للمعرفة والحلول معاً بشكل جماعي.
إلى ذلك، نشر ثقافة تبادل المعارف والمهارات والخبرات سواء في مجال الدراسة أو العمل، وأن يعي كلّ شخص أنّ وجوده على هذه الأرض ليقدّم شيئا لنفسه ولبلده وللإنسانية، وهذا يقود أيضا لأهمية العمل المجتمعي والتطوعي وتشجيع المبادرات التي تنشر، وتعميم المعارف والخبرات وكلّ ما هو إيجابي ومُفيد للإنسانية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024