يتسابق الناس على شرائه في قبيل حلول شهر رمضان

”الـفـريـك”.. سـيّــد المائدة الجـزائريـة الـذي يـرفض المـنـافـسة

مع حصد سنابله يتم تعريضها للحرق ثم طحنها ليتحوّل لحبيبات صلبة وخشنة لتطهى وتستهلك على شكل حساء هو “شوربة فريك” بالدجاج أو اللحم الأحمر طوال 30 يوما من الشهر الفضيل.
يعتبر حساء “الفريك” من الأطباق الرئيسية على المائدة الرمضانية عندنا، فيما تبدأ قصة تحضير هذا الطبق خلال هذه الأيام من شهر شعبان عبر التشبّث بعادات راسخة تنطلق من حقول القمح لتنتهي على موقد المطبخ.
ويرجع أصل “الفريك” الذي تختلف تسميته من منطقة إلى أخرى إلى القمح الأخضر، ومع حصد سنابله يتم تعريضها للحرق ثم طحنها ليتحوّل في الأخير إلى حبيبات صلبة وخشنة لتطهى وتستهلك على شكل حساء “الشوربة” (تختلف التسمية من منطقة إلى أخرى) بالدجاج أو اللّحم الأحمر طوال 30 يوما من الشهر الفضيل.
ومازالت عادة اجتماع النسوة لتحضير “الفريك” أو “الجاري” أو “الحريرة” (تختلف التسميات من منطقة إلى أخرى) متواصلة في العديد من ولايات الجزائر خاصة في جهات من الشرق والهضاب العليا وحتى الجنوب بعد جلب سنابل القمح الخضراء وتجفيفها ثم هرسها بآلات رحى تقليدية وتحويلها بفضل أناملهن إلى أكلة لذيذة لا يمكن لأيّ جزائري الاستغناء عنها خلال شهر رمضان.
ومن بينهنّ العالية التي أمضت سنين حياتها في خدمة الأرض في بلدية بابار بولاية خنشلة شرق الجزائر، إذ تعتبر أنّ نكهة “الفريك” تنبع من طحن القمح عبر آلات الرحى اليدوية التقليدية التي تركها الأجداد وتسمى محليا بـ (مطحنة الحجرة)، ويُفضّل نساء المنطقة هذه الآلات البسيطة باستخدام الأيدي على المطاحن الحديثة المشتغلة بالكهرباء رغم أنّ المجهود يكون مضاعفا والعملية شاقة.
وتروي هذ السيدة مراحل إنتاج “الفريك” خاصة أنّنا تحدّثنا إليها وهي تحضر في طحنه إذ لا يُفارقها هذه الأيام صوت جعجعة “الرحى” كما تلقب في مناطق الشرق الجزائري.
من الحقول إلى المواقد
تقول المتحدّثة إنّ “التفكير في تحضير الفريك يبدأ في الصيف، لأنّ حصاد القمح في منطقتنا ينطلق في ذلك الفصل الحار، وبعد ذلك يتم عرض المنتوج على الشمس لتجفيفه لتأتي عملية “الكي” أيّ حرقه بآلة (الشاليمو) وبعدها نقوم بتصفيته من الأحجار والحصى وحبات القمح المحروقة ليترك مطروحا على الأرض فوق أفرشة بلاستيكية، إذ يعمل الهواء على تنقيته من الغبار ومختلف الشوائب”.
ويخبأ لشهور متتالية داخل أكياس، على أن يستخرج خلال هذه الأيام التي تسبق شهر رمضان استعداداً للمرحلة الأخيرة، من خلال عملية غربلته بالغرابيل البسيطة كمحطة نهائية للتخلّص من بقايا الحصى ثم يتم التوجّه إلى المطحنة اليدوية التقليدية التي تؤكّد العالية على أنها تنتج “فريك” ذا نكهة ونوعية جيدة.
ولكن تختلف عملية تحضير “الفريك” من منطقة إلى أخرى، ففي بعض مناطق الجنوب مثلا يشارك الرجال في التحضيرات عبر إحضار الشعير والقمح من الحقول وهم ينشدون بعض المدائح والأغاني المحلية، ليتم تقديمه لربات البيوت لطحنه وغربلته وتحضيره في شكله النهائي.
تجارة رائجة
في داخل أحد محلات بيع التوابل والبهارات شرق الجزائر العاصمة، حيث بدأت روائحها في تعبيق المكان وتنبئ معها بقدوم الشهر الفضيل، تقف ربّات بيوت أمام المواد المعروضة، وبينهن كانت سيدة خمسينية تقلب بأصابعها مادة “الفريك” المتواجدة داخل صندوق من الحجم الكبير، وتقول متسائلة: “يبدو أنّ المعروض هنا جيد، لكن لا أعرف إن كان مستخرجا من القمح اللين أو من القمح الصلب”.
لتقاطعها مُرافقتها قائلة: “لا يمكن معرفة نكهته ولذّته إلا عند الطهي وحينئذ يمكن معرفة النوعية الجيدة من المغشوشة”.
أما صاحب المحل وهو رجل أربعيني يرتدي مئزرا أبيض ووجدناه منهمكاً في ترتيب سلعه من التوابل والبهارات كالقرنفل والزعفران وراس الحانوت والزبيب، أفاد قائلا: “الفريك الذي أبيعه من النوعية الجيدة، وقد تم جلبه مؤخرا من ولاية بسكرة نظرا للطقس الحار الذي يميز المنطقة ويساعد على تحضير القمح رغم أننا في فصل الشتاء”، وتابع: “وكذلك لديّ المرمز المحضر من سنابل الشعير في حين أن الفريك القادم من مناطق التل أيّ الشمال سيتم تحضيره مع شهر ماي أي في عزّ فصل الربيع”.
وأضاف في السياق ذاته، مبيّنا أنّ “هناك انتعاشا وتزايدا في الطلب على هذه المادة من طرف ربات البيوت هنا في العاصمة”، ما يؤكّد أنّه لا يمكن تغييب “شوربة الفريك” عن مائدة إفطار العاصميين خلال شهر رمضان المبارك الذي تفصلنا عنه أيام قليلة.
وحسبما استطلعناه من بعض الأسواق الشعبية بالجزائر العاصمة، فإنّ سعر الكيلوغرام الواحد من “الفريك” يصل إلى حوالي 450 دينارا، فيما يبلغ سعر كيلوغرام من “المرمز” بأقل منه إلى 350 دينارا، ورغم الارتفاع النسبي لسعره مقارنة بالقدرة الشرائية للطبقات الشعبية فإنه لا يمكن التخلي عن هذه الأكلات خلال “سيدنا رمضان” كما يصفه الجزائريون.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024