رمضان فرصتك للتسـامـح

شهر لغلق صفحات الخصام ومد جسور التواصل

في شهر الخير، تتجلّى مشاعر التسامح والتصالح، لتطرق باب كل متخاصم، وتمدّ يد المحبة ببركة رمضانية، لتعيد توطيد العلاقات وتفتح صفحة جديدة للود والقرب، وتغلق باب الخصام وتُطوى صفحة الخلاف، ما يمثله هذا الشهر للكثيرين، فرصة لفتح صفحات جديدة في الحياة، مليئة بالخير والمحبة والتسامح في إطار العلاقات الاجتماعية وبما يوثق من صلة الرحم وصفاء النفوس.
بعد أشهر من الخلاف العائلي، اختارت تماني أن تُنهي الخلاف وتصفي النفوس مع أخيها. فمع حلول رمضان المبارك، لم تستطع أن يُمرّ هذا الشهر الكريم من دون أن يكون أخيها جزءًا منه، وتذكر أنها في أول يوم من شهر رمضان اتجهت إلى منزل أخيها وطرقته بقلب صاف محبّ، لقد جاء قلبها طالبًا التسامح والود، ولم تجد من أخيها إلا كل الحب.
تقول تماني: “مع اقتراب شهر رمضان، كنت أنام وأستيقظ وأنا أفكر بأخي. أتساءل: هل سيمر هذا الشهر من دون أن نجتمع سويا؟” لقد أخافتها هذه الفكرة وجعلتها تغير من تفكيرها، وتعترف بأنّها في اليوم الذي تصالحت فيه مع أخيها شعرت بالطمأنينة التي تُرافق شهر الخير، وقالت: “قلوبنا في هذا الشهر تتصافى وتلين وتقرب كل بعيد.. الحمد لله على نعمة رمضان.”
ما مر به خالد (34 عاما) ومتابعته الدائمة لما يحدث مع الإخوة في غزة، وإحساسه بأنه لا يعلم ما الذي يخفيه الغد، غير من تفكيره وترتيبه لحساباته بحسب قوله، ويشير إلى أنه أفكار كثيرة تصارعت داخل عقله أدخلته في دوامة من الحيرة بشأن علاقاته مع الآخرين وخلافاته معهم ليقرر أن يصحح مسار علاقته معهم وأن يصفح ويتسامح مع كل من أساء له، واختار شهر رمضان ليبدأ بنية خير، وفق قوله.
ويعترف خالد أنها كانت خلافات بسيطة ولكن الإنسان بطبعه يكابر ويظن أنه يرتكب الصواب، مبينا أن الإنسان إذا نظر لنفسه بعمق سيجد أن هذه الحياة لا تستحق التخاصم والشرخ في العلاقات.
«إني امرؤ صائم”
يذكر رمضان الناس بالمعاني المهمة في حياة المؤمن وعلى رأسها الوحدة في المشاعر والشعائر، فالناس في رمضان يجوعون ويعطشون معا، ويصلون ويقومون الليل معا، وفي هذا دعوة واضحة لنبذ التفرق وإعادة اللحمة بين الأخوة في الدين من غير اعتبار لما يمكن أن يبعدهم عن بعض، فالمؤمن أخو المؤمن، وحقوق الإخوة تقضي بألا يكون بينهم أي عداء أو إيذاء أو خذلان.
وكما يقول نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يجهل ولا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم”، فلا ينبغي لمن يعيش ساعات الطاعة والاستسلام لله تعالى في أمره ونهيه أن تخرج منه كلمة نابية أو فعل مشين، حتى إن تعرض لغضب أحدهم أو تطاول منه فلا ينبغي له أن يرد بشيء، بل يصمت ويقول في نفسه “إني صائم”.
والصيام هنا ليس عن الطعام والشراب فقط، بل إن الصوم الأكبر هو عن سوء الخلق وعن فحش السلوك لقول النبي صلى الله عليه وسلم “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش”، مبينا أن مقابلة السيئة بالحسنة لا تكون عن ضعف أو قلة حيلة وإنما عن قوة واستعصام بالله تعالى، وفي هذا تمثل للتقوى التي يرديها الله في الآية 237 من سورة البقرة «وأن تعفوا أقرب للتقوى».
والتسامح في الإسلام سمة يجب أن تظهر على كل جوارحنا، فلا سبيل إلى الضرر ولا الإضرار، ولا مبرر إلى رد التعدي بالتعدي، بل إن المطلوب أن يتعامل المسلم مع غيره بما يحب أن يتعامل غيره معه، ففي الحديث “صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك”.
وتظهر خلال رمضان قيمة عظيمة من خلال إعلاء شأن الروح على شأن الجسد الذي نال ما نال من الاهتمام والأولوية في الحاجات خلال العام كله، فالناس يلبون حاجاتهم المادية من طعام وشراب ولباس وراحة ويهملون في الأغلب الروح التي تحتاج هي الأخرى إلى غذاء واهتمام.
 ففي رمضان توقف قسرا الاهتمام في شؤون الجسد خلال النهار على الأقل ويعلو شأن الروح فيعكف الناس على الصيام والصدقات والصلاة وقيام الليل وقراءة القرآن وفي هذا غذاء روحي عظيم من شأنهم أن يوازن بين مكونات البشرية في الجسد والروح فيمنحهم السكينة والسلام والتوازن.
ان الالتزام بآداب رمضان وأخلاقه يضفي إلى الإنسان منزلة عليا عند الله تعالى وكذلك عند الناس، فيرتفع مقامه بأخلاقه وتسامحه وكرمه ويشعر حينما يلتزم بتلك الأخلاق والآداب بالرضا عن الذات وكذلك برضا الله تعالى.
شهر اللّمة والتواصل مع الناس
شهر رمضان له خصوصيته ووقعه الكبير على الناس بتأثيراته الدينية على الإنسان وعلى نفسيته وروحه ومعنوياته وحتى على معتقداته، ولذلك رمضان يأخذ منحنى آخر وهو منحنى التواصل وليس فقط على مستوى الأرحام والأقارب بل أيضا يمتد ذلك للتواصل على مستوى الأصدقاء.
ان هذا الشهر فرصة للناس لتعيد حسابتها وفرصة للتواصل والتسامح ونبذ الخلافات، ففي الفترات الأخيرة نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يمر بها المجتمع، أصبح الإنسان أكثر فردية ومنغلق على نفسه لتلبية احتياجاته ليعيش في عالم منعزل تماما عن الآخرين تحت وطأة هذه الظروف.
الخلافات بين الناس جزء من هذه الحياة وبالتالي عندما يأتي رمضان يقدم للإنسان فرصة ليفكر من جديد بخلافاته ونفسه وعلاقاته ويصبح أكثر تقربا لله عز وجل ولمعاني الشهر الفضيل ومفهوم الحياة البسيط.
أما رمضان في مفهومنا الشعبي فيعني اللمة والتواصل مع الناس وهذا يرتبط بالمفهوم الاجتماعي، لذلك عندما يتوافق المفهوم الاجتماعي بالمفهوم الديني لشهر رمضان فإنه فرصة لبناء علاقات جديدة ولمراجعة الذات وللتفكير بما يدور حولنا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024