ظاهرة تتناقـض مع حكمة الصيـام

احــذروا حمى الاستهـلاك المفــرط

مع إقبال الشهر الفضيل بنسماته ونفحاته الإيمانية، تجد الكثيرين يسارعون في العِبادات وفعل الخيرات والأعمال الصالحة طمعًا في كسبِ رحمة ومغفرة اللّه سبحانه وتعالى وعفوه، فيسعى العابد الزاهد فيه للاقتراب من ربّه أكثر والآثِم العاصي يسعى للتكفير عن ذنوبه ومعاصيه ليجعله الله عزّ وجل من العتقاء من النّار، بينما نجد أن هنالك من لهم مفهوم آخر لهذا الشهر المبارك.
لا يخفى أن شهر رمضان هو شهر الولائم والتفاف العائلة على طاولة واحدة، حيث يبدأ المسلمون في الاستعداد مسبقا لاستقبال الضيف الكريم، فيفكرون في الولائم التي يقيمونها للأهل والصحبة، وأي الأطباق سيقدمون وأي الحلويات وأي المقبلات ستزين موائدهم الرمضانية وأي الأنواع من اللحوم سيشترون، فتجدهم يعمدون إلى الأسواق لشراء ما لذ وطاب من حاجيات رمضان بعضهم باقتصاد وفق الحاجة وآخرين بتبذير يتنافى مع الحكمة التي من أجلها شرع الصيام، غير أن محط اهتمام المواطن في رمضان تكون المائدة الرمضانية حتى منهم من يقومون بالاستدانة لتغطية نفقات الشهر وعيد الفطر الذي يحل بعده.
وما أن ينتهي العيد حتى نسمع من الكثيرين أن رمضان أرهقهم وأثقل العيش عليهم، فهل هذا أمر محتوم أم أنها عادة سيئة تأصلت في المجتمع بحكم التقليد والمباهاة وقلة الوعي وعدم المسؤولية؟ !
هناك سلوكيات غريبة للعديد من الناس تثير الحيرة والاستغراب، فهذا شهر عبادة وتقرب إلى الله عز وجل وليس بشهر الموائد، والإسراف في الطعام، سلوك خاطئ من النواحي الدينية والصحية والاقتصادية، على الرغم من أن الصيام يعني التخلي والامتناع عن الطعام والشراب طوال النهار‏، لكن ذلك الشهر الكريم يصحبه التبذير والإسراف، والأمر الذي يستلزم وقفة للبحث عن علاج لهذه الظاهرة السلبية.
ويعد رمضان شهر التقشف والعبادة والرحمة والمغفرة والعتق من النار، لكن الغريب في الأمر أن الاستعدادات ليست في مجال الروحانيات أو وضع برامج للعبادة بل استعدادات في مشتريات بكميات كبيرة تحضيرا للولائم التي سيقيمونها، وهذا ما يلاحظ في مختلف الأماكن والفضاءات التجارية.
إن الإسراف والتبذير عادة مذمومة بشكل عام في شهر رمضان؟! ولا يقتصر التبذير على الأثرياء وميسوري الحال بل نرى أن جميع شرائح المجتمع تنفق في شهر رمضان أكثر بكثير مما تنفقه في الأشهر العادية، وشهر رمضان ليس موسم التخمة وإفساد البدن بالأطعمة، بل لا بد من استشعار نعم الله علينا وأننا محاسبون على هذه النعم.
الغلاء ليس عائقًا
وككل سنة يأتي رمضان، ليبرز التناقض بخصوص تذمر المواطنين من الوضعية المعيشية، في حين أن الواقع يبين شيئا آخر، ويؤكد على استمرار الإسراف الاستهلاكي في عز أزمة اقتصادية أرهقت جيوب فئات واسعة من الشعب، غير أن المتفق حوله اهتمام الأسر على اختلاف مستوياتها بالمائدة الرمضانية لدرجة الإقدام على الاقتراض لتأمين الحاجات.
وفي هذا الإطار، يوضح المختصون، أن ما نراه في مجتمعاتنا في هذه الأيام ما هو إلا موروث اجتماعي يتنافى مع الأهداف التي جاء به الشهر الكريم، وهو يعبر عن صورة واقعية لظاهرة الإسراف والتبذير، أين ترى كل العائلات تهب لاقتناء كميات هائلة من الأطعمة والتي سيكون مصيرها ربما القمامة ولن تأكل أصلا.
فما إن يدخل الشهر الفضيل، إلا وتجد الأسواق والمراكز التجارية مكتظة بالمتسوقين وكأن رمضان مَوْسم للتسوق، ولو سألت رب كل أسرة عن حجم المصروف الأسري على المواد الغذائية في الشهر الفضيل لقال لك: ضعف أيام العام!، وهذا ما يدفع للتساؤل ترى لماذا لا توجد خطة استهلاكية لكل أسرة؟
مواقع التواصل زادت فاقمت الظاهرة
التزايد المخيف لظاهرة الإسراف والتبذير سببها انتشار القنوات الخاصة بالطبخ سواء في التلفزيون أو اليوتيوب، فضلا عن الصفحات الفايسبوكية التي تحتوي على أشهى الوصفات، حيث تسعى ربة البيت الجزائرية لتقليدها.
وللأسف هناك أيضا توجه تتبناه بعض الأسر حيث يبنون ثقافتهم الاستهلاكية، خلال الشهر الفضيل، من أجل التباهي أمام الآخرين، فتراهم يفترشون موائدهم بأصناف متنوعة من الأطباق ولا يبالون في كمياتها، لذا فمن غير المناسب أن ننزعج من ارتفاع الأسعار واحتكار التجار، ونحن لا نستطيع أن نكيف أنفسنا مع حجم المصروف الاستهلاكي أو حتى نقوم بوضع حطة لترشيد النفقات خلال هذا الشهر.
وتقول الأنسة (خ. ش)، أنها زينت مائدتها الرمضانية في أول يوم من رمضان بأشهى الأطباق وألذ الوصفات التي حصلت عليها من برامج الطهي ومواقع التوصل الاجتماعي، وما إن حل موعد الإفطار حتى اجتمعت العائلة على المائدة مبهورين بالأصناف المختلفة من الخضار واللحوم ومختلف المقبلات وأنواع السلطة اللذيذة، مقرة أن الجميع أكل قدره ومن ثم انصرفوا لأداء صلاة التراويح وكانت المفاجأة الأكبر بعض الأصناف لم يمس منها أحد سوى حجم التذوق، موضحة على أن الطعام شهي لكن لا طاقة لهم بالأكل، بالرغم من أن عدد أفراد الأسرة هو خمسة أفراد غير أنها أعدت ما يكفي عشرة أشخاص، مشيرة أنها ستحاول التخلص من هذه العادة فالموقف الذي حدث معها جعلها تتذكر عناء الوقوف في المطبخ ليوم كامل.
وتقول مونيا ان رمضان بالنسبة لها فرصة لتجريب العديد من الأطباق والوصفات بالرغم من الغلاء فحسبها هي تحرص في شهر الصيام على ابتداع أفكار وأطباق جديدة تستلهمها من صفحات الإنترنت وشاشات التلفزيون.
وبخلاف ذلك، يقر جمال قائلا: “ صحيح أنه بمجيء شهر رمضان تمطر علينا الخيرات فيأتي حاملا معه الأرزاق لكل الناس لكن هذا لا يعني أن نسرف ونبذّر ونترك العنان لبطوننا بأن تتحكم فينا دون وضعِ قيود لها، فشهر رمضان شهر الصيام والعبادة في المقام الأول، وهذه المغالاة والتباهي في التسوق يجعلنا نقع في خطأ الإسراف والتبذير.
فرصة لترشيد النفقات
يعد شهر الصيام فرصة دورية للتعرف على قائمة النفقات الواجبة بالمفهوم الاقتصادي، وعلى قائمة الاستبعاد النفقي ثم فرصة لترتيب سلم الأولويات، فضلا عن التعرف على مستوى الفائض الممكن، وهذا كله عن طريق ترشيد ثقافة الاستهلاك لدى الأسرة، فمفتاح الحل لتفادي أي أزمة مالية بعدية إنما يكمن في التربية الاستهلاكية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024