رؤيـــة متكاملــة لترسيــخ الاستقـلال الاقتصـادي المستدام
في ظل التحوّلات الاقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم، تبرز الجزائر كقوة إقليمية تسعى إلى بناء منظومة غذائية قوية ومتكاملة، ترتكز على استثمارات استراتيجية في المحاصيل الموسمية. ولم تعد هذه الأخيرة مجرّد دورة زراعية تقليدية، بل تحوّلت إلى ركيزة سيادية ذات أبعاد اقتصادية عميقة، تعبّر عن إرادة وطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي. ويأتي هذا التوجّه في إطار رؤية متكاملة تهدف إلى ترسيخ الاستقلال الاقتصادي المستدام وتأمين مستقبل غذائي قادر على مجابهة التحديات الجيوسياسية ومتطلبات التنمية، بحسب ما أكده عقبوبي مولود، الخبير في الاقتصاد السياسي.
يؤكد الدكتور مولود عقبوبي، أستاذ بجامعة مستغانم، في تصريح لـ “الشعب” أن “المحاصيل الموسمية، وعلى رأسها الحبوب، أصبحت اليوم من الركائز الأساسية للأمن الغذائي، وأداة محورية في تعزيز السيادة الوطنية، خصوصا في ظل التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة التي تواجهها البلاد.”
كما أضاف بأن “موسم الحصاد والدرس للعام الزراعي 2024-2025، يعكس تحوّلا نوعيا في الرؤية الفلاحية الجزائرية، اعتمادا على مؤشرات ميدانية إيجابية وتوجيهات سياسية عليا داعمة لهذا القطاع الحيوي.”
واعتبر أن “مؤشرات الإنتاج الفلاحي لهذا الموسم تشير إلى طفرة نوعية مقارنة بالمواسم السابقة”، لافتا إلى أن “وفرة الإنتاج لا تُقاس بالحجم فقط، بل تُعدّ مؤشرا واضحا على نجاعة السياسات العمومية التي تبنتها الدولة، تحت إشراف مباشر من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون.”
نتائــج الإصلاحــات تظهــر ميدانيـا
أشار الدكتور عقبوبي إلى أن “السياسات الفلاحية الجديدة، اعتمدت على إعادة هيكلة المنظومة الفلاحية وتهيئة بيئة محفزة للإنتاج، عبر توسيع المساحات الزراعية، خاصة في الولايات الجنوبية.”
وأفاد بأن “الحكومة أولت اهتماما كبيرا للبنية التحتية المرتبطة بقطاعي التخزين والنقل، لضمان فعالية أكبر وانسيابية في سلسلة الإمداد الزراعي، وهو ما يُعدّ خطوة نوعية نحو تطوير القطاع.”
وأوضح أن “هذه الإصلاحات لم تكن عشوائية، بل خضعت لدراسة دقيقة، وبدأت نتائجها بالظهور تدريجيا على أرض الواقع، مما يعزّز ثقة الفلاحين والمواطنين في الاستراتيجية الزراعية الوطنية، ويؤكد التزام الدولة الراسخ بتحقيق الأمن الغذائي.”
في نفس السياق، أكد الخبير في الاقتصاد السياسي، أن “الرهان على الجنوب، خاصة الولايات التي تعتمد على تقنيات السقي المحوري، يُعد توجها استراتيجيا نحو تعزيز الأمن الغذائي الوطني.”
وأضاف أن “هذا التوجه بدأ يعطي ثماره بالفعل، بدأت تظهر بوادر تحقيق الاكتفاء الذاتي في القمح الصلب بنسبة تقارب 80%، وذلك بحسب ما أفاد به الأمين الوطني للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين.”
بنيـــــة تحتيــة داعمــة للمردوديـــة
وعاد محدثنا ليذكر أن “التحسن الملحوظ في أداء القطاع الفلاحي جاء نتيجة تضافر عدة عوامل، في مقدمتها وفرة الأمطار هذا الموسم، بالإضافة إلى المساعي الحكومية المستمرة لتطوير البنية التحتية الزراعية، بما يلبي متطلبات الفلاحين والمستثمرين.”
وأوضح أن “استلام عدد معتبر من المخازن الجوارية والمركزية مكّن الفلاحين من تسليم محاصيلهم في ظروف ملائمة، ما ساهم في تقليص نسب الضياع أو التلف، ضمن مسعى شامل لتحقيق أمن غذائي مستدام.”
وبيّن أن “الدولة تتبنى سياسة، تهدف إلى دعم الإنتاج المحلي، ورفع السعة الوطنية للتخزين من 4 ملايين طن إلى أكثر من 9 ملايين طن، عبر إنجاز 350 مركزا جواريا و30 صومعة طويلة الأمد، إلى جانب استئناف 16 مشروعا مجمدا منذ سنة 2016.”
كما “طالت الجهود الحكومية أدوات الإنتاج من خلال مراجعة سياسة الأسعار، ورفع أسعار شراء الحبوب والبقول الجافة، وزيادة نسبة دعم الأسمدة إلى 50%، وتسهيل الحصول على القروض البنكية، إضافة إلى دعم وسائل النقل لصالح الديوان المهني للحبوب، ضمن مقاربة متكاملة تراعي حاجات الفلاح وظروف السوق العالمية.”، وفق تعبيره.