خطوة لجذب الاستثمارات المحلية والوطنية والأجنبية

منطقـة الطالـب العربي.. تكامل اقتصـادي مع دول الجــوار

الوادي: سفيان حشيفة

تعكف الجزائر على تنمية وتطوير مناطقها الحدودية بالتنسيق مع الدول المتجاورة، وفق منهجيات وخطط مدروسة هادفة إلى تحقيق الأمن الحدودي الشّامل، وتحويل المعابر البرية إلى منصات للإقلاع الإقتصادي الوطني وتعزيز الصادرات خارج المحروقات، مع مراعاة ترقية حياة مُتساكنة تلك النواحي في الريف والحضر.

تعتمد المصالح العمومية في الجزائر على أدوات مثالية لبلوغ غاياتها من مشروع تطوير التخطيط الإقليمي الحدودي من خلال إنشاء مناطق حرّة، وتحسين سياسات الصرف والتوطين للبنوك العمومية خارج البلاد، وهو ما يسير عليه حال بلدية الطالب العربي الحدودية مع دولة تونس الشقيقة، الواقعة على بعد حوالي 700 كلم جنوب شرق الجزائر العاصمة، التي استفادت من مشروع منطقة حرة للتبادل التجاري، وبرامج تنموية قاعدية هامة من بينها إنجاز وتدشين أكبر مركز عبور حدودي في البلدان المجاورة.
وفي هذا الشأن، أكّد رئيس المركز الجزائري للدراسات الاقتصادية والبحث في قضايا التنمية المحلية، ياسين عبيدات، أنّ تجسيد المنطقة الحرّة الطالب العربي بولاية الوادي، سيُحوِّل المنطقة الحدودية مع دولة تونس الشقيقة إلى قطب اقتصادي بإمتياز.
وقال عبيدات في تصريح خصّ به “الشعب”، أنّ إستحداث منطقة تبادل حرّ مشتركة بمنطقة الطالب العربي ومعتمدية حزوة التونسية سيُعطي ديناميكية جديدة للإقتصاد الوطني، ويُعزِّز أكثر من حجم التبادل التجاري مع الجارة الشرقية، بما يُسهم في خلق تكامل إقتصادي جهوي وحدودي.
وتابع محدّثنا أنّ هذا المشروع الهام سيفتح آفاقا واسعة من حيث توفير مناصب الشغل لشباب تلك المنطقة والولاية الحدودية، وفي مجال تبادل المنتجات البينية والحدّ من ظاهرة التهريب التي تستنزف الاقتصاد الوطني، مع زيادة فرص تصدير وتسويق مواد مصنّعة ونصف مصنّعة محليا، فضلاً عن امتصاص جزء كبير من الفائض الفلاحي الذي أصبح يُميِّز ذروة فترات الحصاد الداخلي من كلّ سنة.

قُطـب صناعي غذائـي

أوضح ياسين عبيدات أنّ المكانة التي تحتلها ولاية الوادي بكونها منطقة حدودية رائدة في إنتاج المحاصيل الفلاحية، من شأنه تَخصُّصِها في الصناعات التحويلية الغذائية الوطنية، وكسب رهان التصدير نحو الأسواق الأفريقية خصوصًا مع انضمام الجزائر مؤخرًا إلى اتفاقية التجارة الموجهة في إفريقيا.
ونظرًا إلى موقع دائرة وبلدية الطالب العربي الجغرافي الهام، توقّع عبيدات، تحولها إلى قطب اقتصادي صناعي متخصِّص وتجاري بإمتياز؛ ذلك أنّ هاته المنطقة الحدودية الجزائرية المعنية بإنشاء المنطقة الحرّة لا تبعُد عن العاصمة الليبية طرابلس سوى بمسافة 600 كلم فقط، وهي ميزة تنافسية لا تتوفر في باقي المناطق، في حين تبعُد عن العاصمة تونس بـ 500 كلم، ومدينة صفاقس المصنّفة كعاصمة إقتصادية للجارة الشرقية بقرابة 400 كلم، وعن مدينة وميناء قابس بحوالي 200 كلم.
كما تُتِيح الحظوة الجغرافية جذب استثمارات محلية ووطنية وحتى أجنبية للمنطقة المذكورة، وحالة استقطاب استثماري للإستفادة من إمتيازات قانون المناطق الحرّة كالإعفاءات الضريبية والجبائية والجمركية، وتسهيل حركة الأموال البنكية لقرب المسافات الحدودية ومرونة الإجراءات المتخذة، وكذا تقليص تكاليف النقل والإيجار اللذان سيعودان بالإيجاب على الأسعار وانخفاضها مستقبلا، بحسب قوله.

صـادرات وتنويـع اقتصادي

أبرز رئيس المركز الجزائري للدراسات الاقتصادية والبحث في قضايا التنمية المحلية، ياسين عبيدات، أنّ رهان الحكومة الجزائرية على المناطق الحرّة يندرج في إطار إلتزام رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبّون لتحقيق التنويع الاقتصادي وترقية الصادرات خارج المحروقات، والتوجّه نحو العمق الإفريقي القاري، ناهيك عن تنمية وتطوير الولايات الحدودية مع الدول المجاورة كتونس ومالي وموريتانيا والنيجر وليبيا والصحراء الغربية.
وفي المقابل، شدّد عبيدات على ضرورة التعجيل بتجسيد هذا المرفق الحيوي الهام على أرض الواقع الذي سيحول ولاية الوادي إلى عاصمة تجارية وبمثابة بوابة برية نحو غرب أفريقيا، وتذليل مختلف الصعوبات التي تعرقل سيرورة الاستثمار خاصة الإدارية منها، ومواصلة تشييد البنى التحتية كوحدات التوضيب والتحويل ومرافق الشحن وغرف التبريد كبيرة الحجم، وإتاحة الوكالات البنكية والخدمات المالية بشكل يسير، ورقمنة المعاملات الجمركية والضريبية، وتسيير هذا الملف وفقا لمعايير إقتصادية بصفة خاصة.
علاوة على ذلك، العمل على ربط تلك المنطقة بشبكة السكة الحديدية، استغلال بنية مطار ڨمار الدولي القاعدية القوية حتى يصبح رافدا ومنصة انطلاق للتصدير نحو عمق الأسواق الإفريقية والشرق أوسطية، التوجه نحو إعداد دراسة استشرافية متخصّصة لتحويل منطقة الطالب العربي إلى قطب اقتصادي وطني صناعي وتجاري نظير ما تملكه من مقوّمات ومؤهلات كبيرة، يضيف رئيس المركز ذاته.

قنـوات للتعامـل التجـاري

أفاد أستاذ العلوم الإقتصادية وعلوم التسيير بجامعة وهران-2، البروفيسور زايري بلقاسم، أنّ الجزائر تنشد تجسيد مقاربة اقتصادية جديدة، بدأتها بتعزيز العلاقات التجارية مع موريتانيا وليبيا، واستحداث بنية تحتية ومنصات لوجستية حدودية، وإنشاء مناطق حرّة لزيادة حجم تدفقات التجارة الخارجية، ستكون كفيلة بتحقيق التنمية المحلية والرفاهية الاجتماعية لعدد كبير من الساكنة الذين يعيشون في تلك النواحي، وكذلك مساعدة المستثمرين على تجاوز كلّ العراقيل المرتبطة بالاستثمار.
وأضاف زايري في إتصال مع “الشعب”، أنّ بلدية الطالب العربي الحدودية بين الجزائر وتونس حضت بمقرر إنشاء منطقة حرّة، ستشكل نواة وقطبا تنمويا مشتركا بين الدولتين؛ لأنّها توفر ضمنًا قنوات للتعامل الاقتصادي والتجاري المشترك، والتشاركية تختلف عن أنماط التعاون التقليدية.
ولفت المصدر ذاته إلى أنّ دور هذه المناطق لا يقتصر فقط على إدارة التدفقات، بل سيكون لها دور محوري في تحريك العديد من المشاريع الاقتصادية والتنمية المشتركة الحدودية، وتعزيز وضعية سوق الشغل والقضاء على البطالة، وكذا خلق مؤسّسات مشتركة وتشجيع المبادرات المقاولاتية لدى الجانبين.
وحسب زايري، ستتحوّل المنطقة الحرّة بالطالب العربي إلى رافد اقتصادي لكلا الدولتين؛ بالنظر إلى ما تتيحه من امتيازات في المجالات الجبائية والتنظيمية، وخُلوِّها من القيود والعراقيل في مسألة إنشاء المؤسّسات المشتركة والقيام بعمليات التصدير.
وبما أنّ العديد من الولايات الشرقية تتمتّع بالعديد من المزايا الاقتصادية والإنتاجية، وفقا للخبير الإقتصادي، يمكنها من خلال المنطقة الحرة تصدير المواد والسلع إلى تونس، وجعلها منصة لوجستية للتصدير إلى مناطق أبعد من تونس عن طريق الموانئ التونسية القريبة من البوابة الجزائرية البرية، التي ستوفر لها العديد من التكاليف المرتبطة بالنشاطات اللوجستية في مجال التصدير كالنقل والتوزيع.
فضلاً عن ذلك، تستطيع الشركات الجزائرية الناشئة الاستفادة من تجربة الكثير من الشركات التونسية في مجال الابتكار التكنولوجي في القطاعات التي تملك فيها تونس ميزة نسبية مقارنة بالجزائر، مثلما أضاف محدّثنا.
وما يزيد من فرص نجاح إقامة المنطقة الحرّة بالطالب العربي، توفر عامل القرب الجغرافي والثقافي واللغوي، باعتبارهم ميزات أساسية ومحدد أساسي للتنمية والنمو في الوقت الراهن، لذلك تحاول العديد من الدول في العالم الاستفادة من هذه العناصر لتشكيل مناطق حرّة بينها وبين الكيانات المتجاورة معها، بهدف تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية والرفاهية الاجتماعية، يقول أستاذ العلوم الإقتصادية وعلوم التسيير بجامعة

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024